الكسكس، الطبق الوطني التونسي: الوصفة والتاريخ

يُعتبر الكسكس الطبق الوطني في تونس، إذ يُعدّ من الأطباق الأساسية في كل منزل تونسي، ويُقدم في المناسبات العائلية والأعياد الدينية والاحتفالات. وتنوع مكوناته وطعمه المميز يجعله جوهر الهوية الغذائية في البلاد. يُصنع الكسكس من حبيبات السميد المسلوقة، ويُقدم عادةً مع صلصة غنية من الخضراوات والتوابل واللحم أو السمك. ما يميز الكسكس التونسي عن نظيره في شمال أفريقيا هو استخدام التوابل بكثرة، وخاصة الهريسة (معجون الفلفل الحار) الذي يضفي نكهة مميزة. وسواء تم تناوله في المدن الساحلية مع الأسماك الطازجة أو في المناطق الداخلية مع لحم الضأن والخضراوات الجذرية، يعكس الكسكس تنوع تونس الجغرافي والثقافي. وعادةً ما يُقدم الكسكس في طبق كبير، ما يشجع على تناول الطعام مع الآخرين والتواصل. إنه ليس مجرد طعام، بل هو تقليد يرمز إلى التآزر والضيافة والتراث. إن تناول الكسكس في تونس يعني المشاركة في تقليد قديم يمتد لقرون، ويستمر في التطور مع الحفاظ على جذوره العميقة.

صورة بواسطة Lmmima على wikipedia

من أصوله البربرية إلى موائد التونسيين

يعود أصل الكسكس إلى البربر، سكان شمال أفريقيا الأصليين، الذين ابتكروا طريقة طهي السميد بالبخار. إذ تشير الأدلة الأثرية إلى أنه كان يُطبخ منذ القرن التاسع، وربما قبل ذلك. انتشر هذا الطبق في منطقة المغرب العربي (الجزائر والمغرب وليبيا وتونس)، حيث أدخل كل بلد تعديلات عليه بما يناسب ذوقه ومكوناته المحلية. وفي تونس، أصبح الكسكس رمزًا للتواصل الاجتماعي. وتأثر بنكهات المطبخ العربي والعثماني والفرنسي، ليصبح طبقًا تقليديًا وعصريًا في آن واحد. واستخدام التوابل مثل الزعفران والقرفة والكركم يعكس دور تونس كمركز للتجارة والثقافة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. توجد العديد من الأطباق المحلية المتنوعة. ففي المناطق الساحلية يُعدّ طبق الكسكس بالسمك شهيرًا، ويُحضّر عادةً باستخدام سمك البلطي أو السلمون، ويُتبّل بالبصل والطماطم والثوم. أما في المناطق الداخلية، فيُفضل اللحم أو الدجاج، ويُقدم مع الجزر والحمص والبطاطا الحلوة. كما يوجد نوع حلو من الكسكس، يُضاف إليه الزبيب واللوز والعسل، ويُقدم في المناسبات الخاصة أو كحلوى. ويُعدّ الكسكس جزءًا لا يتجزأ من الهوية التونسية. يُقدم في الأعراس والوفيات والأعياد الدينية مثل عيد الفطر. ويُعدّ تحضيره عادةً جماعية، حيث تشارك فيه عدة أجيال. تُعلم الجدات أحفادهن كيفية طهيه بشكل مثالي، بينما تملأ رائحته البيت. إنه طبق يربط التونسيين بتاريخهم وثقافتهم.

الوصفة: طريقة تحضير الكسكس التونسي الأصيل

تحضير الكسكس التونسي فنّ يحتاج إلى صبر ودقة. ومع أن بعض المطابخ الحديثة تستخدم طرقًا مختصرة، إلا أن الطريقة التقليدية تتطلب استخدام "كسكاس" (وعاء خاص لطهي الكسكس) يسمح لبخار الماء بطهي حبوب السميد فوق اللحم أو الخضار.

المكونات (لستة أشخاص):

للكسكس:

· 500 غرام كسكس متوسط

الحجم

· 3 ملاعق كبيرة زيت زيتون

· 300 مل ماء دافئ

· ملعقة صغيرة ملح

صورة بواسطة Wajih Khalfallah على wikipedia

للحساء:

· 3 ملاعق كبيرة زيت زيتون

· بصلة كبيرة مفرومة ناعم

· 3 فصوص ثوم مفروم

· ملعقتان كبيرتان صلصة هريسة (حسب الرغبة)

· ملعقة صغيرة كزبرة مطحونة

· ملعقة صغيرة كمون مطحون

· نصف ملعقة صغيرة قرفة

· نصف ملعقة صغيرة كركم

· ملعقتان كبيرتان معجون طماطم

· 400 غرام طماطم مقطعة

· لتر مرق دجاج أو خضار

· 500 غرام لحم غنم أو دجاج أو سمك (اختياري)

· جزرتان مقطعتان

· كوسا (قرع أخضر) مقطعة

· بطاطا حلوة مقطعة مكعبات

· 200 غرام حمص (مطهو أو معلب)

· ملح وفلفل حسب الذوق

صورة بواسطة Elcèd77 على wikipedia

طريقة التحضير:

1. تحضير الكسكس: ضع الكسكس في وعاء كبير. صب عليه زيت الزيتون وقلّبه جيدًا. أضف الماء الدافئ تدريجياً وقلبه باستعمال شوكة حتى تصبح الحبوب رطبة دون أن تتشرب الماء تماماً. اتركها ترتاح لمدة 10-15 دقيقة.

2. تحضير الطبق الرئيسي: سخن زيت الزيتون في قدر كبير على نار متوسطة. شوح البصل حتى يصبح شفافاً، ثم أضف الثوم والهريسة والتوابل. قلب المكونات لمدة دقيقتين حتى تخرج رائحتها. أضف معجون الطماطم والطماطم المفرومة. أضف مرق الدجاج أو اللحم واتركه يغلي. أضف نوع البروتين الذي تفضله، ثم الجزر والبطاطا الحلوة والباذنجان. اترك المكونات على نار هادئة لمدة 30 دقيقة. أضف الحمص واستمرّ في الطبخ لمدة 10 دقائق أخرى. أضف الملح والفلفل حسب الرغبة.

3. طهي الكسكس على البخار: ضع الكسكس في الجزء العلوي من قدر الطهي . اطهه على البخار فوق الطبق الرئيسي لمدة 15-20 دقيقة، مع التقليب بين الحين والآخر. إذا لم يتوفر لديكِ قدر طهي الكسكس، يمكنك استخدام مصفاة فوق قدر ماء مغلي، مع الحرص على عدم تكتل الحبوب.

4. تقديم الطبق: رص الكسكس في طبق كبير.ضع الطبق الرئيسي. صب الحساء مع الحرص على توزيع الخضراوات واللحم بالتساوي. زينه بالبقدونس أو الكزبرة الطازجة حسب الرغبة.

النتيجة طبق شهي ذو رائحة جذابة،

الكسكس اليوم: طبق تجاوز الحدود

تجاوز الكسكس أصوله البسيطة ليصبح رمزًا للمطبخ التونسي في العالم. في عام 2020، أدرجته اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، تقديراً لأهميته في شمال إفريقيا ودوره في تعزيز الحوار الثقافي. وبالنسبة للتونسيين، كان هذا إنجازاً تاريخياً، يعكس تقديرهم لهذا الطبق الذي كان مصدر رزق للأجيال ورمزاً للتآزر. اليوم، يُقدم الكسكس في المنازل والمطاعم حول العالم. وساهم المغتربون التونسيون في نشر هذا الطبق، مُعدلين الوصفة لتناسب المكونات المحلية مع الحفاظ على جوهرها. يواصل الطهاة ابتكار أطباق جديدة، مثل إضافة الكينوا أو الخضراوات المشوية أو المأكولات البحرية. لكن جوهر الكسكس يبقى كما هو: طبق يجسد روح التآزر والترابط الاجتماعي والثقافة. في عالم سريع، يدعونا الكسكس إلى التروي والاستمتاع. إنه ليس مجرد وجبة، بل هو تراث، وتقاليد، ورمز لكل ما يجعل تونس فريدة. إذا سنحت لك الفرصة لتذوق الكسكس التونسي الأصيل، فلا تكتفِ بتذوقه، بل انغمس في قصته.

أكثر المقالات

toTop