الذكاء الصنعي يقود ثورة زراعية في الهند

لا تزال الهند مجتمعاً زراعياً، حيث يعمل نحو 65% من السكان في الزراعة. وبفضل "الثورة الخضراء" في الستينيات والسبعينيات، عندما عزّزت أصناف المحاصيل الجديدة والأسمدة والمبيدات الحشرية جميعَ المحاصيل، أصبحت البلاد مكتفية ذاتياً بالغذاء، وهو إنجاز مثير للإعجاب بالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة. كما تصدّر البلاد مواد غذائية بقيمة تزيد على 40 مليار دولار سنويًا. ولكن على الرغم من كل نجاحاتها، فإن القطاع الزراعي أيضاً غير فعال إلى حد كبير. فنحو 80% من مزارع الهند عبارة عن حيازات صغيرة تقل مساحتها عن هكتارين، وهو ما يجعل من الصعب على هؤلاء المزارعين توليد عائدات كافية للاستثمار في المعدات والخدمات. كما أن سلاسل التوريد التي تنقل الغذاء من المزارعين إلى السوق غير منظمة وتعتمد على الوسطاء، وهو الوضع الذي يلتهم أرباح المزارعين ويؤدي إلى هدر كبير. يعِد الذكاء الصنعي بحلّ كثير من هذه المشكلات، وقد قام بذلك فعلاً في الكثير من المجالات. في هذه المقالة نستعرض بعض الطرق التي أُدخل فيها الذكاء الصنعي إلى القطاع الزراعي في الهند والتحولات الجذرية التي طرأت عليه.

أغلب الحيازات الهندية حيازات صغيرة

https://unsplash.com/photos/a-woman-kneeling-down-in-front-of-a-bunch-of-plants-fBlS8ukVfUw

تطبيقات الذكاء الصنعي في القطاع الزراعي:

تعمل حلول الذكاء الصنعي على تمكين المزارعين من البيانات والأتمتة في الزمن الحقيقي، ومعالجة بعض التحديات مثل عدم القدرة على التنبؤ بالطقس ونقص العمالة. تعد المبادرات الحكومية ومشاركة القطاع الخاص أمرًا بالغ الأهمية في تعزيز هذه الثورة الزراعية التي يقودها الذكاء الصنعي في الهند. من المتوقع أن ينمو سوق الذكاء الصنعي العالمي في الزراعة من 1.7 مليار دولار أمريكي في عام 2023 إلى 4.7 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 23.1٪. تعمل هذه القفزة التقانية على تمكين المزارعين الهنود من الأدوات التي توفر رؤى في الوقت الفعلي، وتعزز إنتاجية المحاصيل، وتشغل العمليات كثيفة العمالة تلقائيًا. من خلال معالجة التحديات طويلة الأمد مثل الطقس غير المتوقع ونقص العمالة وأمراض المحاصيل، يمكّن الذكاء الصنعي الزراعة الهندية من التطور من الممارسات التقليدية إلى منهجيات تعتمد على الدقة. تسلط مبادرات وزارة الزراعة ورعاية المزارعين والتقدم الذي أحرزه القطاع الخاص، الضوءَ على التزام الهند بتسخير الذكاء الصنعي للابتكار الزراعي.

الزراعة الدقيقة - نهج قائم على البيانات:

تسمح الزراعة الدقيقة، التي تدعمها تقنيات الذكاء الصنعي، للمزارعين باتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إدارة المحاصيل. تحلل الأدوات التي تعمل بالذكاء الصنعي البيانات من الطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار وصور الأقمار الصناعية لتحسين الري والتسميد ومكافحة الآفات. على سبيل المثال، تتيح المراقبة الجوية بمساعدة الطائرات بدون طيار، والمجهزة برؤية حاسوبية متقدمة، الكشف في الوقت الفعلي عن مشاكل صحة المحاصيل. تحدد هذه الطائرات بدون طيار بدقة المناطقَ التي تحتاج إلى اهتمام وتطبق المبيدات الحشرية أو المغذيات، ما يقلل من النفايات والتأثير البيئي.

يسهّل الذكاء الصنعي حياة المزارعين في الهند

https://www.rawpixel.com/image/377238/happy-indian-family

اكتشاف أمراض المحاصيل - من أجل محاصيل سليمة:

كانت أمراض المحاصيل سببًا رئيسيًا لخسارة الغلة في الهند، لكنّ الذكاء الصنعي أصبح عامل تغيير. أظهرت دراسة نُشرت في مجلة "الكمبيوتر والإلكترونيات في الزراعة" Computers and Electronics in Agriculture  كيف يمكن للشبكات العصبية اكتشاف أمراض مثل جرب التفاح بدقة 95٪. وبالمثل، استُعملت خوارزميات التعلم الآلي لتحديد الصدأ الأصفر في محاصيل القمح، ما يتيح التدخلات في الوقت المناسب. كما تساعد أنظمة مراقبة الآفات القائمة على الذكاء الصنعي، مثل نظام مراقبة الآفات الوطني، المزارعين الهنود على معالجة الخسائر الناجمة عن تغير المناخ، وضمان حصاد أكثر صحة.

أنظمة مكافحة الأعشاب الضارة المؤتمتة:

تهدد الأعشاب الضارة إنتاجية المحاصيل باستمرار. تتطلب الطرق التقليدية مثل إزالة الأعشاب الضارة يدويًا أو مبيدات الأعشاب الكيميائية عمالة كثيفة ويمكن أن تضر بالبيئة. توظّف الأنظمة التي تعمل بالذكاء الصنعي الرؤية الحاسوبية للتمييز بين الأعشاب الضارة والمحاصيل، وتطبيق مبيدات الأعشاب بشكل انتقائي، ما يقلل من التكلفة والأضرار البيئية.

المكافحة اليدوية ضارّة بالبيئة

https://unsplash.com/photos/a-person-in-a-field-with-a-sprayer-3flvKQOR2j0

مراقبة صحة الماشية - تعزيز الإنتاجية:

تمتد فوائد الذكاء الصنعي إلى إدارة الماشية، وهو عنصر أساسي في الزراعة الهندية. تراقب الأنظمة المتقدمة القائمة على أجهزة الاستشعار وتقنيات التعرف على الصور، سلوك وصحة الماشية في الزمن الحقيقي. تكتشف هذه الأنظمة العلامات المبكرة للأمراض، ما يسمح للمزارعين باتخاذ إجراءات سريعة وتحسين إنتاجية الماشية.

مراقبة صحة الماشية تعزز إنتاجيتها

https://www.pexels.com/photo/sheep-feeding-in-rustic-indian-barn-setting-30495324/

المبادرات الحكومية التي تدفع إلى تبنّي الذكاء الصنعي:

كانت الحكومة الهندية استباقية في دمج الذكاء الصنعي في الزراعة. أعلن وزير التعليم الهندي دارميندرا برادان مؤخرًا عن إنشاء ثلاثة مراكز للتميز في مجال الذكاء الصنعي تركز على الرعاية الصحية والزراعة والمدن المستدامة. هذه المبادرة، التي تعد جزءًا من رؤية "اصنع الذكاء الصنعي في الهند واجعله يعمل لصالح الهند"، مدعومة بنفقات مالية كبيرة. ومن بين أهدافها الرئيسة تمكين المزارعين من الحلول التي تعتمد على الذكاء الصنعي، كما يتضح من المشاريع الآتية:

· مساعد مدعوم بالذكاء الصنعي للمزارعين، يوفر دعمًا متعدد اللغات للاستفسارات المتعلقة بمخطط ومبادرات الحكومة.

· مراقبة صحة المحاصيل القائمة على الذكاء الصنعي: الاستفادة من بيانات الأقمار الصناعية وظروف الطقس ومستويات رطوبة التربة لإجراء تقييم شامل لصحة المحاصيل.

· نظام مراقبة الآفات الوطني: الاستفادة من التعلم الآلي للكشف عن التحديات المتعلقة بالآفات والتخفيف منها.

الخاتمة:

إن الذكاء الصنعي يعمل على تحسين الكفاءة الزراعية وضمان الاستدامة. وتساعد تقنيات مثل تحليلات الطائرات بدون طيار، والري الآلي، واكتشاف أمراض المحاصيل بوساطة الذكاء الصنعي المزارعين الهنود على زيادة الإنتاجية مع الحد من التأثير البيئي. وكما أبرزت دراسة "الكمبيوتر والإلكترونيات في الزراعة"، فإن دمج الشبكات العصبية والتحليلات في الزمن الحقيقي في اكتشاف الأمراض يوضح كيف يعالج الذكاء الصنعي التحديات الزراعية المحددة. وبفضل المبادرات الحكومية والتقدم الذي أحرزه القطاع الخاص، أصبح الذكاء الصنعي على استعداد لإعادة تعريف الممارسات الزراعية في الهند، وضمان الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي للأجيال القادمة. على حد تعبير أحد المزارعين المستفيدين من الأدوات التي تعمل بالذكاء الصنعي: "الذكاء الصنعي ليس مجرد تقانة؛ بل هو الأمل الجديد لنا لمعالجة التحديات القديمة بثقة ودقة". إن مستقبل الزراعة الهندية يكمن في تقاطع الإبداع والتقاليد، والذكاء الصنعي يقود الطريق.