كيف كاد البحر الأبيض المتوسط ​​أن يجف

ADVERTISEMENT

اقترح المعماري البافاري هيرمان سورجيل في خمسينيات القرن الماضي خطة غريبة ولم تُطرح من قبل: تجفيف البحر الأبيض المتوسط بتحويله إلى بحيرة مالحة عبر بناء سد ضخم عند مضيق جبل طارق، بهدف استيطان الأراضي التي تظهر وتوليد طاقة كهرومائية. الفكرة، رغم بُعدها عن الواقع، تكرّر ما حدث في الطبيعة قبل 5.5 مليون سنة في حدث يُعرف بأزمة ملوحة الميسين، حين انفصل حوض المتوسط عن المحيط الأطلسي بسبب حركة الصفائح التكتونية، فتبخّرت مياهه وغطّته طبقة سميكة من الملح.

وفقًا للدراسات، غاب البحر الأبيض المتوسط لفترة جيولوجية قصيرة استمرت نحو 190 ألف عام. عثرت فرق البحث على دليل يُظهر وجود أكثر من مليون كيلومتر مكعب من الملح مدفونًا تحت الأرض، ما يعني أن الحياة البحرية الأصلية اختفت تقريبًا خلال تلك الفترة. دراسة حديثة نشرتها مجلة ساينس، بقيادة كونستانتينا أجيادي، جمعت بيانات الحفريات من الفترة بين 12 و3.6 مليون سنة مضت، وأظهرت أن الأنواع البحرية الحالية في المتوسط عادت إلى المنطقة بعد أن أعاد المحيط الأطلسي فيضان الحوض.

ADVERTISEMENT

درس الباحثون بيانات من أكثر من 750 ورقة علمية وسجلوا 22,932 إدخالًا لـ4,897 نوعًا بحريًا. قبل الأزمة، وُجد 779 نوعًا محليًا، لم ينجو منها سوى 86 نوعًا. الشعاب المرجانية الاستوائية اختفت تمامًا، بينما نجت أنواع مثل السردين والخيلاني. النتائج تُظهر أن معظم الكائنات البحرية الأصلية اختفت واستُبدلت لاحقًا بأنواع قادمة من المحيط الأطلسي، مثل الدلافين والقرش الأبيض الكبير، التي دخلت المتوسط بعد الفيضان، خاصة في الجزء الغربي.

احتاجت النظم البيئية في المتوسط إلى أكثر من 1.7 مليون سنة لتستعيد توازنها بعد الأزمة، ما يكشف مدى هشاشة التنوع البيولوجي أمام التغيرات البيئية الكبرى. يُظهر هذا الحدث التاريخي أن مشاريع الهندسة الجيولوجية الكبيرة، مثل اقتراح سورجيل، قد تؤدي إلى تدمير أنظمة بيئية لا يمكن استعادتها بسهولة. ورغم أن التنوع عاد بفعل الفيضان، فإن الزمن وحده هو الذي سمح باستعادة التوازن، ما يدعو إلى التفكير في تأثير الإنسان المحتمل على المحيطات والحياة البحرية في المستقبل.

toTop