button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

وردة الجزائرية: الوردة الجزائرية الخالدة

ADVERTISEMENT

يصادف هذا العام الذكرى الثالثة عشرة لوفاة الفنانة وردة الجزائرية التي توفيت عن عمر يناهز 72 عامًا في عام 2012. وهي واحدة من أشهر المطربات في العالم العربي والتي كان لها خلال فترة وجودها على هذا الكوكب تأثير كبير على المشهد الموسيقي العربي لا يزال محسوسًا حتى يومنا هذا.

وردة الجزائرية، 1977 From wikipedia.org

أسس أسطورة

وُلدت وردة الجزائرية، واسمها الحقيقي وردة محمد فتوكي، في باريس لأم لبنانية وأب جزائري. كان والدها يمتلك كباريه في باريس يُدعى "الطم طم" (وهو مزيج من تونس والجزائر والمغرب)، ومنه انطلقت مسيرة وردة الغنائية. كان الطم طم هو المكان الذي يغني فيه فنانون مشهورون مثل فريد الأطرش وصباح، وكان ملتقىً لعرب الشتات للالتقاء وتبادل الأفكار. في الواقع، خلال حرب التحرير الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، أصبح الطم طم ملتقىً سريًا للجناح الفرنسي لجبهة التحرير الوطني (FLN) للالتقاء وتطوير أساليبهم. هذا جعل الكباريه هدفًا للشرطة الفرنسية التي أغلقته بعد العثور على أسلحة بداخله. لاحقًا، طُردت وردة وعائلتها من فرنسا عام ١٩٥٦ وانتقلوا للعيش في بيروت. توفيت والدتها للأسف قبل وصولهم إلى لبنان. في بيروت، استقرت وردة وعائلتها في حي الحمرا المعروف بحياته الليلية وعروض الكباريه. وهناك صنعت شهرتها وحضر أحد عروضها أبو الملحن العربي في ذلك الوقت؛ محمد عبد الوهاب. لم تلاحظ عبد الوهاب بين الجمهور فطلب مقابلتها بعد العرض لدعوتها للقدوم إلى مصر. رفض والدها وإخوتها الأكبر سنًا السماح لها بالقيام بالرحلة. لاحقًا، ذهب مدير المسرحيات الموسيقية المصري، حلمي رفلة، لإقناع والدها بأن موهبة ابنته كبيرة جدًا ولا يمكنها عدم القدوم إلى القاهرة لمواصلة مسيرتها المهنية. في النهاية، اقتنع (أو سلم) وغادرت وردة إلى مصر حيث قدمها عبد الوهاب إلى الرئيس المصري آنذاك وأبو القومية العربية، جمال عبد الناصر. سرعان ما أصبحت جزءًا من تشكيلة المطربين في أوبرا الوطن الأكبر العربية (1960). غنت مع عبد الحليم حافظ، وشادية، وصباح، وفايزة أحمد، ونجاة الصغيرة، احتفالًا بالوحدة بين مصر وسوريا في إطار الجمهورية العربية المتحدة. هذا لم يجعلها من نجوم تلك الفترة فحسب، بل جعلها أيضًا رمزًا للقومية العربية.

ADVERTISEMENT
لا يزال الحنين قوياً للحلم العربي الذي تحمله أغاني وردة From visitalgeria.dz

تحول حياة وردة ومسيرتها الفنية

وهكذا، أصبحت وردة رمزًا للأمل بمستقبل زاهر، لا سيما لوطنها الجزائر، الذي سيتحرر من الاستعمار الفرنسي. تحقق هذا الحلم بعد عامين من هذا الأداء. بعد فترة قصيرة من النجومية، شاركت خلالها في فيلم سينمائي، انتقلت وردة إلى الجزائر حديثة الاستقلال وتزوجت ضابطًا جزائريًا. لم يسمح لها زوجها بالغناء، فانشغلت بتربية طفليها، ابنتها وداد وابنها رياض. بعد عشر سنوات، طلب الرئيس الجزائري هواري بومدين من وردة الغناء في الذكرى العاشرة لاستقلال الجزائر. كان هذا الأداء مرتقبًا بفارغ الصبر لعدة أسباب. فقد مثّل أول ظهور علني لوردة بعد غياب دام عقدًا كاملًا عن المسرح، ولأنه كان رمزًا مهمًا للمشروع القومي العربي الذي قاده بومدين في سعيه إلى ترسيخ اللغة العربية كلغة رئيسية للبلاد. بعد أداء وردة الذي نال استحسانًا كبيرًا، رغبت في العودة إلى القاهرة واستئناف مسيرتها الفنية، فانفصلت عن زوجها. ورغم منعها من اصطحاب أطفالها معها، عادت إلى مصر حيث تزوجت لاحقًا من بليغ حمدي، أحد أبرز ملحني الستينيات والسبعينيات. كان حبه للمطربة، الذي دام طويلًا وسبق زواجها الأول، مؤثرًا في موسيقاها بقدر تأثيره في حياتها. أدرك بليغ نطاق صوتها وكيفية إبراز موهبتها الغنائية، مما جعل رسائل موسيقاها أكثر تأثيرًا. ورغم انتهاء علاقتهما عام ١٩٩٠، استمر بليغ في تأليف الأغاني لها.

ADVERTISEMENT
أشرطة الكاسيت القديمة لوردة الجزائرية From newarab.com

أثر وردة الخالد على الموسيقى

في أوائل التسعينيات، أعادت وردة ابتكار نفسها وحوّلت أسلوبها الموسيقي من أغاني تزيد مدتها عن 40 دقيقة إلى أغانٍ أقصر نسبيًا (بين 6 و15 دقيقة) من تأليف المنتج المعاصر آنذاك صلاح الشرنوبي. قدّم لنا هذا التعاون أغاني التسعينيات الكلاسيكية الشهيرة مثل "بتوانيس بيك" و"حرمت أحبك" و"نار الغيرة". مهّدت هذه المجموعة الجديدة طريقها إلى جمهور أصغر سنًا، وضمنت أن تحظى وردة بحب جميع الأجيال في جميع أنحاء العالم العربي؛ وجعلتها أيقونة خالدة تتجاوز حدود الأنواع الموسيقية. على مر التاريخ، لم تقتصر أغانيها على حدود العالم العربي. حتى أن أحد أكبر منتجي موسيقى الهيب هوب، تيمبالاند، استخدم مقطوعات من "بتوانيس بيك" لأغنية نجمة الآر أند بي عالية "لا أعرف ماذا أقول لك" عام 2003. تُعد وردة واحدة من أعظم نجمات الغناء العربي، وقد كانت جزءًا من العصر الذهبي للموسيقى العربية، بل تجاوزت حدود هذا العصر. كانت امرأةً عزيزة، تحدّت المحظورات المتعلقة بالطلاق واختيار النساء متابعة حياتهن المهنية - وهو ما وفّر لنا في حالتها فنًا يوحّد العرب في جميع أنحاء العالم - كل ذلك من أجل الدور المتوقع في الحفاظ على الحياة الأسرية. كما نجحت في شقّ طريقها ببراعة في صناعة موسيقية يهيمن عليها الرجال. ومع ذلك، فخلال كل صراعاتها، كانت لحظة صعودها على المسرح، بأناقة وهدوء يُنسيان الجميع همومهم اليومية. ما إن يسمع الجمهور صوتها الآسر، والقوة التي تُقدّم بها موسيقاها، حتى يتمنى الغناء معها. وأخيرًا، من المهم أيضًا أن ندرك أن وردة كانت من الرموز الوطنية المحبوبة في كفاح التحرير لدى الجزائريين. فبنغمة واحدة، كانت تُبكي المئات. وحتى اليوم، ورغم غياب وردة عن هذه الدنيا لعقدٍ من الزمان تحديدًا، لا تزال موسيقاها تُصدح في كل مكان. تُعاد إصدارها على أسطوانات الفينيل، وتُذاع على محطات الإذاعة، ويُرقص عليها الناس في المنازل، وفي الحفلات، وحفلات الزفاف. لا تزال عروضها المؤثرة تُعرض على التلفزيون وتُبثّ عبر الإنترنت. وردة الجزائرية ليست زهرة ذابلة، بل صوتها سيبقى حيًا في قلوبنا.

المزيد من المقالات