button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

لماذا يعتبر البعض 90% من البحث العلمي "هراءً": تحليل شامل

ADVERTISEMENT

لطالما شكّل البحث العلمي حجر الزاوية في التقدم البشري، إذ حفّز الابتكارات وشكّل المجتمعات. ومع ذلك، لا يزال هناك ادعاءٌ مثيرٌ للجدل: أن 90% من البحث العلمي "هراء". يثير هذا الادعاء تساؤلاتٍ حول جودة المساعي العلمية وهدفها وتأثيرها. يتعمق هذا المقال في تاريخ البحث العلمي وفلسفته ونطاقه ودوافعه وانتقاداته لفهم جذور هذا التشكيك وتقييم جدوى الاستثمار المستمر في العلوم.

الصورة عبر Jarmoluk على pixabay

البحث العلمي

1. تعريف البحث العلمي ونطاقه.

البحث العلمي هو عملية استقصاء منهجية تهدف إلى اكتشاف الحقائق حول العالم وتفسيرها ومراجعتها. ويشمل البحث العلمي الأساسي، الذي يسعى إلى توسيع المعرفة دون تطبيق فوري، والبحث العلمي التطبيقي، الذي يهدف إلى حل مشكلات عملية محددة. يغطي نطاق البحث العلمي تخصصات مختلفة، بما في ذلك العلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم الإنسانية، حيث يستخدم كل منها منهجيات تناسب استفساراته.

ADVERTISEMENT
الصورة عبر Pavel Danilyuk على pexels

البحث العلمي وساعات من المعاينة على المجهر

2. التطور التاريخي للبحث العلمي.

أ. العصور القديمة والوسطى.

غالباً ما ارتبطت المساعي العلمية المُبكِّرة بالفلسفة والدين. قدمت الحضارات القديمة، مثل الإغريق والمصريين، مساهمات كبيرة في الرياضيات والفلك والطب. خلال العصور الوسطى، حافظ علماء العالم الإسلامي على البحث العلمي وطوروه إلى حد كبير، حيث ترجموا النصوص القديمة وبنوا عليها.

ب. الثورة العلمية.

شهد القرنان السادس عشر والسابع عشر حقبة محورية عُرفت بالثورة العلمية. تحدت شخصيات مثل كوبرنيكوس وغاليليو ونيوتن المعتقدات التقليدية، مؤكدين على الملاحظة والتجريب. مهدت هذه الفترة الطريق للأساليب العلمية الحديثة والتحول نحو الأدلة التجريبية.

ج. عصر التنوير وما بعده.

دفع عصر التنوير الفكر العلمي إلى الأمام، وعزّز العقلانية والشك. شهد القرنان التاسع عشر والعشرين تطورات سريعة، شملت نظرية التطور لداروين ونظرية النسبية لأينشتاين، مما عزّز دور العلم في التقدم المجتمعي.

ADVERTISEMENT

3. فلسفة البحث العلمي.

تبحث فلسفة العلم في أسس العلم ومناهجه وتداعياته. من أهم وجهات النظر الفلسفية:

•  نظرية التكذيب لكارل بوبر (Karl Popper's Falsificationism): تؤكد على أن النظريات العلمية يجب أن تكون قابلة للاختبار والتكذيب، مما يميز العلم عن غيره.

• نظرية التحولات النموذجية لتوماس كون (Thomas Kuhn's Paradigm Shifts): تشير إلى أن التقدم العلمي يحدث من خلال تغييرات جذرية في الأطر السائدة أو "النماذج"، بدلاً من التراكم التدريجي للمعرفة.

• نظرية برامج البحث لإيمري لاكاتوس (Imre Lakatos's Research Programmes): تشير إلى أن العلم يتقدم من خلال برامج بحثية متنافسة، كل منها يحتوي على "جوهر أساسي" من الافتراضات المحمية بفرضيات مساعدة.

•  الفوضوية المعرفية لبول فايرابند (Paul Feyerabend's Epistemological Anarchism): تُعارض هذه الفلسفات القواعد المنهجية الصارمة، وتدعو إلى نهج أكثر تعددية ومرونة في البحث العلمي.

ADVERTISEMENT

تُسلّط هذه الفلسفات الضوء على أن العلم ليس مساراً خطياً نحو الحقيقة، بل هو عملية مُعقّدة ومتطورة تتأثر بعوامل مختلفة.

4. أغراض البحث العلمي وأهدافه.

يخدم البحث العلمي أغراضاً مُتعدّدة:

• الفهم: استيعاب الظواهر الطبيعية والسلوك البشري.

•  التنبؤ: استشراف الأحداث المستقبلية بناءً على المعرفة الحالية.

•  التحكم: التلاعب بالمتغيرات لتحقيق النتائج المرجوة، لا سيما في العلوم التطبيقية.

• التطبيق: تطوير تقنيات وحلول تُلبّي احتياجات المجتمع.

تُبرز هذه الأهداف الدور المزدوج للعلم في توسيع نطاق المعرفة وتحسين حياة الإنسان.

5. دور البحث العلمي في المجتمع.

أثّر البحث العلمي تأثيراً عميقاً على المجتمع من خلال:

• تطوير الطب: مما أدى إلى تطوير اللقاحات والمضادات الحيوية والتقنيات الطبية.

• دفع عجلة الابتكار التكنولوجي: تمكين تطورات مثل الإنترنت والهواتف الذكية والطاقة المتجددة.

ADVERTISEMENT

• توجيه السياسات: توفير البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة العامة وحماية البيئة والتعليم.

• تحسين جودة الحياة: تحسين الزراعة والنقل والاتصالات.

وبالتالي، يلعب العلم دوراً حاسماً في التنمية المجتمعية ورفاهيتها.

6. تطور أهداف البحث العلمي ووظائفه.

مع مرور الوقت، تطورت أهداف البحث العلمي ووظائفه:

•  من الفضول إلى التطبيق: الانتقال من المعرفة في حد ذاتها إلى حل المشكلات العملية.

•  مناهج متعددة التخصصات: زيادة التعاون بين المجالات لمعالجة القضايا المُعقّدة.

•  التعاون العالمي: توسيع الشراكات الدولية لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ والأوبئة.

يعكس هذا التطور قدرة العلم على التكيف مع الاحتياجات المجتمعية المتغيرة.

7. التطوير العالمي وتمويل البحث العلمي.

البحث العلمي مسعى عالمي، بمستويات استثمار متفاوتة:

ADVERTISEMENT

• الدول ذات الدخل المرتفع: تتصدر الولايات المتحدة والصين والدول الأوروبية تمويل البحث وإنتاجه.

•  الدول النامية: تواجه تحديات مثل محدودية التمويل وهجرة الأدمغة، مما يعيق القدرة البحثية.

• المنظمات الدولية: تدعم هيئات مثل اليونسكو والأكاديمية العالمية للعلوم البحث العلمي في المناطق التي تعاني من نقص التمويل.

يرتبط الاستثمار في البحث العلمي بالنمو الاقتصادي والابتكار، مما يؤكد على أهمية التمويل المستدام.

8.  دوافع البحث العلمي ومحركاته.

تشمل دوافع البحث العلمي ما يلي:

لفضول: الرغبة في فهم المجهول.

لاحتياجات المجتمعية: معالجة التحديات الصحية والبيئية والتكنولوجية.

لحوافز الاقتصادية: دفع الابتكار والقدرة التنافسية.

لأهداف السياسية: تعزيز الأمن القومي والتأثير العالمي.

توضح هذه الدوافع الأسباب المتعددة وراء المساعي العلمية.

ADVERTISEMENT
الصورة عبر ThislsEngineering على pexels

أدوات البحث العلمي: باحثون وتجهيزات وفكرة

9. نتائج البحث العلمي وإنجازاته.

حقق البحث العلمي نتائج مهمة:

•  التقدم التكنولوجي: من استكشاف الفضاء إلى الذكاء الاصطناعي.

•  الاختراقات الطبية: بما في ذلك علاجات الأمراض وتحسين أنظمة الرعاية الصحية.

•  الفهم البيئي: رؤى حول تغير المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي.

•  النمو الاقتصادي: الابتكار الذي يؤدي إلى صناعات جديدة وخلق فرص عمل.

تُظهر هذه الإنجازات الفوائد الملموسة التي يقدمها العلم للبشرية.

الصورة عبر Jonathan Borba على pexels

علاجات الأمراض وتحسين أنظمة الرعاية الصحية

10. الانتقادات والخلافات حول البحث العلمي.

على الرغم من نجاحاته، يواجه البحث العلمي انتقادات:

•  أزمة قابلية التكرار: مخاوف بشأن عدم القدرة على تكرار بعض الدراسات، وخاصة في علم النفس والطب.

ADVERTISEMENT

• تحيز النشر: تفضيل النتائج الإيجابية، مما يؤدي إلى أدبيات مشوهة.

• ضغوط التمويل: الحوافز المالية التي قد تؤثر على أجندات البحث ونتائجه.

• القضايا الأخلاقية: الجدل حول مواضيع مثل الهندسة الوراثية وتجارب الحيوانات.

تساهم هذه القضايا في التشكيك في موثوقية البحث العلمي ونزاهته.

11. أصول نقد البحث العلمي وأسبابه: ادعاء "٩٠٪ هراء"

ينبع الادعاء بأن ٩٠٪ من البحث العلمي "هراء" من مخاوف بشأن:

•  مراقبة الجودة: منهجيات وعمليات مراجعة أقران مشكوك فيها.

• الإفراط في الإنتاج: سيل من المنشورات يُضعف المساهمات القيّمة.

•  حوافز غير متسقة: التركيز على الكّم وليس على الكيف في النشر الأكاديمي.

• تأثير عملي محدود: يُنظر إلى البحث على أنه منفصل عن التطبيقات العملية.

مع أن الرقم مبالغ فيه، إلا أنه يعكس مخاوف حقيقية بشأن كفاءة وأهمية المساعي العلمية.

ADVERTISEMENT

الجدل حول تمويل البحث العلمي.

في ضوء الانتقادات، يتساءل البعض عن جدوى استمرار الاستثمار في البحث العلمي. ومع ذلك:

•  العوائد الاقتصادية: يُحفز البحث والتطوير الابتكار والنمو الاقتصادي.

• الصحة العامة: يُعد التقدم العلمي أمراً بالغ الأهمية للوقاية من الأمراض وعلاجها.

•  التحديات العالمية: تتطلب قضايا مثل تغير المناخ حلولاً علمية.

• تطوير المعرفة: يُمهّد البحث الأساسي الطريق لتطبيقات مستقبلية.

وبالتالي، في حين أن الإصلاحات قد تكون ضرورية، فإن وقف التمويل قد يعيق التقدم وقدرات حل المشكلات.

12. مستقبل البحث العلمي.

يقع مستقبل البحث العلمي على مفترق طرق الابتكار التكنولوجي السريع، وتوسع التعاون العالمي، وتزايد المتطلبات المجتمعية. تشمل الاتجاهات الرئيسية التي تُشكل هذا المستقبل ما يلي:

البحث متعدد التخصصات: تتطلب التحديات المُعقّدة، مثل تغير المناخ والأوبئة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تعاوناً بين علوم الفيزياء والبيولوجيا والاقتصاد وعلوم الحاسوب والعلوم الإنسانية.

ADVERTISEMENT

العلم المفتوح ومشاركة البيانات: تُحدث مبادرات مثل "خطةS" في أوروبا وسياسات الوصول المفتوح للمعاهد الوطنية للصحة تحولاً جذرياً في كيفية نشر الأبحاث والوصول إليها، بهدف تقليل التكرار وزيادة الشفافية.

الذكاء الاصطناعي والأتمتة: تُحدث أدوات الذكاء الاصطناعي ثورة في تحليل البيانات، واكتشاف الأدوية، وحتى صياغة الفرضيات، مما يجعل البحث أسرع وأكثر دقة.

العلم اللامركزي وعلم المواطن: تُمكّن المنصات الرقمية الأشخاص العاديين من المشاركة في جمع البيانات وحل المشكلات، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلم، وزيادة المشاركة العامة.

تمكين دول الجنوب العالمي: تعمل دول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا على بناء بنى تحتية بحثية أقوى، بدعم من التمويل الدولي والتعاون الإقليمي (مثل الأكاديمية الأفريقية للعلوم).

ADVERTISEMENT

اقتصادياً، ووفقاً لمعهد اليونسكو للإحصاء (2023)، بلغ الإنفاق العالمي على البحث والتطوير 2,47 تريليون دولار، حيث تتصدر الولايات المتحدة (3.45% من الناتج المحلي الإجمالي)، والصين (2.44%)، والاتحاد الأوروبي (2.27%) من حيث القيمة النسبية والمطلقة. ومع ذلك، لا تزال التفاوتات قائمة، حيث تساهم الدول منخفضة الدخل بأقل من 0,1% من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير.

على الرغم من التحديات الهيكلية، فإن الطلب على السياسات القائمة على الأدلة، والابتكار التكنولوجي، وحلول الاستدامة يضمن دوراً متزايداً للعلم في الأجندة العالمية.

الخلاصة.

لقد قطع البحث العلمي شوطاً طويلاً منذ بداياته الفلسفية والرصدية. فقد ساعد في كشف أسرار الطبيعة، والنهوض بصحة الإنسان، وتحويل المجتمعات. إن الادعاء بأن "90% من البحث العلمي مجرد هراء" يُبرز مخاوف مشروعة بشأن الجودة، وقابلية التكرار، وعدم الكفاءة النظامية. ومع ذلك، فهو يُبسّط تعقيد العلم بشكل مُبالغ فيه، ويُقلِّل من شأن الطبيعة التكرارية للمشاريع العلمية ذاتية التصحيح.

ADVERTISEMENT

بدلاً من تجاهل العلم، يجب على المجتمع معالجة عيوبه من خلال أنظمة مراجعة أقران أقوى، ونُظم حوافز أفضل، وتعزيز المشاركة العامة. يظل البحث العلمي، عندما يُدعَم ويُدقَّق بمسؤولية، أحد أقوى أدوات البشرية لفهم العالم وتحسينه. إن إيقافه أو نقص تمويله من شأنه أن يُهدِّد بعرقلة التقدم وترك التحديات الكبرى لعصرنا دون إجابة.

toTop