button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

أسرار الاكتشافات الجديدة في محيط معبد الرامسيوم بالأقصر

ADVERTISEMENT

يُعد معبد الرامسيوم في الأقصر واحدًا من أعظم الشواهد على عبقرية العمارة والفن في مصر القديمة، وهو معبد جنائزي أقامه الملك رمسيس الثاني ليخلد اسمه وأمجاده عبر العصور. يقع هذا الصرح العظيم في البر الغربي لمدينة طيبة (الأقصر حاليًا)، ويجمع بين عظمة التصميم المعماري ودقة النقوش التي توثق أهم لحظات حياة الملك، خاصة انتصاراته العسكرية مثل معركة قادش الشهيرة. يتميز الرامسيوم ببقايا تمثال ضخم لرمسيس الثاني، يعد من أكبر التماثيل التي شُيدت في العصور الفرعونية. ورغم أن أجزاء كبيرة من المعبد تهدمت بفعل الزمن، إلا أن ما تبقى منه يكشف عن براعة المصريين القدماء في البناء والنحت. أصبح الرامسيوم عبر القرون مصدر إلهام للرحالة والمؤرخين، وما زال حتى اليوم واحدًا من أبرز المعالم الأثرية التي تحكي قصة مجد الإمبراطورية المصرية خلال عصر الدولة الحديثة.

تصوير متحف كليفلاند للفنون

ماذا تعرف عن معبد الرامسيوم؟

معبد الرامسيوم هو واحد من أشهر معابد مصر الجنائزية التي بُنيت في عهد الدولة الحديثة، وهو معبد مخصص لتخليد ذكرى الملك رمسيس الثاني وإقامة الطقوس الدينية الخاصة به بعد وفاته. يتميز الرامسيوم بتخطيطه المعماري الدقيق ونقوشه المبهرة التي تسرد إنجازات الملك العسكرية والدينية، بالإضافة إلى احتوائه على أضخم تمثال لرمسيس الثاني المصنوع من الجرانيت الأحمر، والذي تهشمت أجزاء منه بمرور الزمن.

ADVERTISEMENT

أصل تسمية معبد الرامسيوم بهذا الاسم

أطلق الإغريق على هذا المعبد اسم "الرامسيوم" أثناء زياراتهم لمصر، وهو اشتقاق من اسم الملك رمسيس الثاني الذي أمر ببنائه. وقد جاءت التسمية في الأساس من محاولتهم نقل لفظ "رمسيس" إلى لغتهم اليونانية، مضيفين لاحقًا اللاحقة "ـيوم" التي كانت تستخدم للإشارة إلى الأماكن العامة أو المعابد. ومنذ ذلك الحين، أصبح الاسم شائعًا في الأوساط الأثرية والتاريخية الحديثة للدلالة على هذا المعبد الجنائزي الفريد.

من بنى الرامسيوم؟

بُني معبد الرامسيوم بأمر من الملك رمسيس الثاني، الذي يُعد أحد أعظم ملوك الفراعنة وأكثرهم شهرة. بدأ رمسيس الثاني بناء هذا المعبد الضخم في البر الغربي لمدينة طيبة (الأقصر حاليًا)، ليكون مقره الجنائزي الأبدي. أشرف على أعمال البناء مجموعة من أمهر المعماريين والنحاتين الذين تمكنوا من إنشاء تحفة معمارية ظلت خالدة حتى يومنا هذا.

أهمية الرامسيوم في التاريخ المصري

لم يكن الرامسيوم مجرد معبد جنائزي، بل كان رمزًا للقوة والعظمة الملكية في عصر الرعامسة. لعب دورًا دينيًا واقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا، حيث عمل كمركز إداري لتوزيع الثروات وإدارة شؤون المقاطعة المحيطة به. كما أن النقوش والنصوص التي تزين جدرانه تعتبر سجلاً حيًا لحياة رمسيس الثاني، مما وفر للمؤرخين والباحثين مادة غنية لفهم طبيعة الحكم والفكر الديني في تلك الفترة.

ADVERTISEMENT

أكثر ما يميز الرامسيوم

من أبرز ما يميز معبد الرامسيوم هو بقايا تمثال رمسيس الثاني الضخم، الذي كان في الأصل يبلغ ارتفاعه حوالي 20 مترًا ويزن أكثر من ألف طن. كما أن النقوش التفصيلية على جدران المعبد، خاصة تلك التي تصف معركة قادش الشهيرة ضد الحيثيين، تعد من أروع الأمثلة على فن النقش المصري القديم. كذلك تصميم المعبد القائم على التناسق والرمزية الدينية يجعله أحد أعظم إنجازات العمارة المصرية القديمة.

تصوير مايل بالاند

البعثة المصرية الفرنسية تكتشف أسرارًا جديدة بمحيط معبد الرامسيوم بالأقصر

كشفت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية المشتركة، بالتعاون بين قطاع حفظ وتسجيل الآثار بالمجلس الأعلى للآثار، والمركز القومي الفرنسي للأبحاث وجامعة السوربون، عن مجموعة أثرية متميزة خلال أعمالها في محيط معبد الرامسيوم بالبر الغربي بالأقصر.
جاءت هذه الاكتشافات خلال أعمال حفائر مكثفة شملت الكشف عن مقابر من عصر الانتقال الثالث، ومخازن لتخزين زيت الزيتون والعسل والدهون، إلى جانب ورش للنسيج والأعمال الحجرية، ومطابخ ومخابز.

بيت الحياة : من أوائل المدارس العلمية في التاريخ

ومن أبرز ما أسفرت عنه أعمال الحفر داخل المعبد، العثور على "بيت الحياة"، وهو مدرسة علمية كانت ملحقة بالمعابد الكبرى. ويُعد هذا الاكتشاف استثنائيًا كونه أول دليل مادي على وجود مؤسسة تعليمية داخل الرامسيوم، المعروف أيضًا باسم "معبد ملايين السنين"، حيث تم الكشف عن بقايا رسومات وألعاب مدرسية كانت تُستخدم لأغراض تعليمية.

ADVERTISEMENT

كما عثرت البعثة على مجموعة من المباني في الجهة الشرقية من المعبد، والتي يُرجح أنها كانت مكاتب إدارية، بينما كشفت الدراسات على المباني في الجهة الشمالية أنها كانت مخصصة كمخازن لحفظ المنتجات الحيوية مثل زيت الزيتون والعسل والدهون. وتم العثور على ملصقات جرار نبيذ بكثرة في هذه المخازن، ما يشير إلى دور تخزيني هام لهذه المنطقة.

وفي الجهة الشمالية الشرقية، أسفرت أعمال الحفر عن اكتشاف عدد كبير من المقابر التي تعود إلى عصر الانتقال الثالث، والتي احتوت على حجرات وآبار دفن تضم أواني كانوبية وأدوات جنائزية محفوظة بشكل جيد، بالإضافة إلى توابيت موضوعة داخل بعضها البعض و401 تمثال أوشابتي من الفخار وعظام بشرية متناثرة.

ردود الأفعال الرسمية

أشاد المجلس الأعلى المصري للآثاربأهمية هذه الاكتشافات الحديثة، موضحًا أنها تُعيد تسليط الضوء على التاريخ الطويل والمعقد للمعبد، وتفتح آفاقًا جديدة لفهم أدواره المتعددة خلال عصر الدولة الحديثة، خاصة خلال فترة الرعامسة.
وأشار إلى أن الرامسيوم لم يكن مجرد معبد للطقوس الدينية، بل كان مؤسسة ملكية تجمع بين الأدوار الدينية، الإدارية، والاقتصادية، حيث تمركز فيه نظام إداري متكامل لإعادة توزيع المنتجات، استفاد منه سكان المنطقة، بما فيهم حرفيو دير المدينة الخاضعون للسلطة الملكية.

ADVERTISEMENT

موقع استمراري عبر العصور

أوضحت الدراسات أن موقع الرامسيوم كان مأهولاً قبل بناء معبد رمسيس الثاني، وقد أعيد استخدامه لاحقًا، حيث تحوّل إلى مقبرة كهنوتية ضخمة بعد تعرضه للنهب، قبل أن يستخدمه عمال المحاجر في العصرين البطلمي والروماني.

تصوير مايل بالاند

إنجازات أخرى للبعثة

وأشار الدكتور هشام الليثي، رئيس قطاع حفظ وتسجيل الآثار بالمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة عن الجانب المصري، إلى أن البعثة نجحت في إعادة الكشف عن مقبرة "سحتب أيب رع"، الواقعة شمال غرب المعبد. كانت هذه المقبرة قد اكتشفها العالم الإنجليزي كويبل عام 1896، وهي تعود لعصر الدولة الوسطى وتتميز بجدرانها التي تزخر بمناظر جنائزية لصاحب المقبرة.

وبيّن أن البعثة مستمرة في أعمالها لكشف المزيد من أسرار المنطقة. وقد شملت الأعمال مؤخرًا ترميم الجهة الجنوبية بالكامل من قاعة الأعمدة إلى منطقة قدس الأقداس، بالإضافة إلى ترميم الفناء الأول للمعبد، حيث تم تجميع ونقل جميع قطع تمثال الملكة تويا (والدة رمسيس الثاني) إلى موقعها الأصلي، كما أُعيد تجميع أجزاء تمثال رمسيس الثاني على مصطبة، وترميم الأرجل وإعادتها إلى مكانها.

ترميمات إضافية

من جانبه، صرّح الدكتور كريستيان لوبلان، رئيس البعثة عن الجانب الفرنسي، بأن أعمال البعثة شملت أيضًا ترميم القصر الملكي المجاور للفناء الأول، مما ساعد في توضيح تخطيطه الأصلي، حيث تبقى عدد قليل من قواعد الأعمدة. وقد نجحت البعثة في الكشف عن جدران القصر المصنوعة من الطوب اللبن، والتي تحدد قاعة الاستقبال وغرفة العرش، حيث كان الملك يعقد مقابلاته الرسمية أثناء إقامته بالرامسيوم.

ADVERTISEMENT

وفي منطقة باب الصرح الثاني، تم الكشف عن جزء من العتب الجرانيتي الذي يصور رمسيس الثاني متألهاً أمام الإله آمون رع، إضافة إلى بقايا الكورنيش الذي كان يعلوه إفريز من تماثيل القرود.

كما شملت الأعمال رفع الرديم من طرق المواكب الشمالية والجنوبية، مما كشف عن العديد من الاكتشافات من عصر الانتقال الثالث. وأظهرت الدراسات أن هذه الطرق كانت تصطف على جانبيها تماثيل حيوانية على هيئة الإله أنوبيس متكئًا على مقاصير صغيرة، وقد تم جمع وترميم العديد من هذه التماثيل.

34 عامًا من العمل المتواصل

تجدر الإشارة إلى أن البعثة المصرية الفرنسية بدأت أعمالها في معبد الرامسيوم منذ عام 1991، حيث واصلت أعمال الحفائر والترميم طوال 34 عامًا، مما أثمر عن إنجازات كبيرة ساهمت في إعادة إحياء وفهم أحد أهم معابد مصر القديمة.

تصوير مايل بالاند

خاتمة

يظل معبد الرامسيوم في الأقصر شاهدًا خالدًا على عظمة الحضارة المصرية القديمة وعبقرية رمسيس الثاني، الذي سعى من خلال هذا الصرح المهيب إلى تأكيد مجده الأبدي. وعلى الرغم من مرور آلاف السنين، لا تزال آثار الرامسيوم تروي قصص الانتصارات والطقوس الدينية والحياة اليومية في مصر الفرعونية. تعكس الاكتشافات الحديثة التي حققتها البعثة المصرية الفرنسية مدى أهمية هذا الموقع الأثري كمرآة حقيقية لفهم تطور الفن والعمارة والإدارة الدينية والاقتصادية عبر العصور. ومع استمرار أعمال البحث والترميم، يزداد الرامسيوم إشراقًا، مذكّرًا العالم بأن إرث مصر الخالد لا يزال ينبض بالحياة، ويكشف يومًا بعد يوم عن أسرار جديدة تعزز مكانته كواحد من أعظم معابد التاريخ الإنساني.

toTop