button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

حصن الكرك: القلعة الحصينة في التاريخ الأردني

ADVERTISEMENT

تُعد مدينة الكرك إحدى أبرز المدن التاريخية في الأردن، وتمتاز بتاريخ طويل يمتد من العصور المؤابية وحتى الحملات الصليبية والعهدين المملوكي والعثماني. تقع المدينة على هضبة مرتفعة جنوب العاصمة عمان، وتُطل على أودية ووديان خلابة، مما منحها موقعًا استراتيجيًا استُخدم منذ القدم. تحتضن الكرك واحدة من أعظم القلاع الصليبية في الشرق، وهي قلعة الكرك الشهيرة، التي تروي قصة مقاومة وصمود في وجه الغزاة. إلى جانب ذلك، تمتاز المدينة بطابع عمراني عربي تقليدي وأسواقها الشعبية المفعمة بالحياة، وتستقطب الزوار من شتى أنحاء الأردن والعالم العربي.

تصوير برتولد فيرنر

أصل التسمية وموقع المدينة الفريد

يرى المؤرخون أن اسم "الكرك" يعود إلى الكنعانية، ويعني "المدينة المسورة"، في إشارة إلى طبيعة الموقع المرتفع والمحاط بجدران طبيعية وصخرية. بُنيت المدينة فوق هضبة يبلغ ارتفاعها أكثر من 900 متر فوق سطح البحر، وتُطل على وادي الكرك ووادي الموجب، مما جعلها نقطة مراقبة استراتيجية في مختلف العصور. وكان لهذا الموقع أهمية بالغة في حماية الطرق التجارية القديمة، وصدّ الغزوات العسكرية. كما أن الكرك كانت مركزًا دينيًا في العصور المؤابية، وذُكرت في العديد من النقوش التاريخية والكتب المقدسة، مما يجعلها مدينة ذات أهمية دينية وتاريخية على حدّ سواء. ويُعتقد أن الكرك كانت تُعرف في العهد المؤابي باسم "قير مؤاب"، وقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس، مما يدل على جذورها الضاربة في التاريخ.

ADVERTISEMENT

قلعة الكرك: شاهد على تاريخ الصراع والتحصين

تُعد قلعة الكرك المعلم الأبرز في المدينة، وهي من أكبر القلاع الصليبية في منطقة المشرق العربي. بُنيت القلعة في القرن الثاني عشر الميلادي على يد الصليبيين بقيادة ريموند الثاني، حاكم منطقة الكرك، بهدف السيطرة على الطرق التجارية وحماية ممرات الحجاج بين دمشق ومكة. تم تشييد القلعة على منحدر صخري، ما أكسبها قوة دفاعية طبيعية، وبلغ طول سورها الخارجي مئات الأمتار بارتفاع شاهق، مما جعلها عصيّة على الاختراق لفترة طويلة.

تمتاز القلعة بهندستها المعمارية المعقدة التي تضم أنفاقًا وغرفًا تحت الأرض، وأبراجًا للمراقبة، وممرات ضيقة تعكس ذكاء التصميم العسكري في العصور الوسطى. بعد سيطرة صلاح الدين الأيوبي على القلعة عام 1189، خضعت الكرك لتعديلات معمارية أضافها الأيوبيون والمماليك لاحقًا، فتم ترميم الأبراج وإضافة مصاطب للرماة، وأصبحت القلعة مركزًا إداريًا وعسكريًا في الدولة الإسلامية.

ADVERTISEMENT

اليوم، تُعد قلعة الكرك وجهة سياحية رئيسية، وتستقبل آلاف الزوار سنويًا. ويمكن للزوار التجول داخل أسوارها، واستكشاف الأبراج الحجرية، والتقاط صور بانورامية لمدينة الكرك ووادي الموجب من الأعلى. كما أن بعض أجزاء القلعة تضم معارض لصور ووثائق تاريخية، تُثري تجربة الزائر وتمنحه نظرة أعمق على تاريخ المدينة والمنطقة بأسرها.

آثار وأبنية تاريخية في قلب الكرك

إلى جانب القلعة، تحتضن الكرك العديد من الأبنية والمعالم الأثرية التي تعود لمراحل مختلفة من التاريخ، منها البيزنطية والمملوكية والعثمانية. يمكن للزوار رؤية:

  • الكنائس البيزنطية: مثل كنيسة القديس جورج وكنيسة الرسل، والتي ما زالت تحتفظ ببعض معالمها المعمارية القديمة، وتُبرز تأثير الديانة المسيحية في المدينة خلال العصور الأولى.
  • القصور العثمانية: بُنيت خلال القرن التاسع عشر، وتتميّز بأسقفها العالية وزخارفها الإسلامية، وتُستخدم اليوم كمبانٍ إدارية أو متاحف صغيرة.
ADVERTISEMENT
  • الأسواق القديمة: ما زالت تحتفظ بجوها الشرقي الأصيل، وتعرض منتجات محلية مثل الزيتون والصابون والحرف اليدوية.
تصوير غلوريا هالاسا

الكرك في العصور الوسطى

في العصور الوسطى، كانت مدينة الكرك تُعد من أهم الحصون الاستراتيجية في بلاد الشام، خاصة خلال فترة الصراعات بين الصليبيين والمسلمين. أُطلق عليها لقب "حصن الكرك"، وكانت تقع على الطريق التجاري والعسكري بين الشام والحجاز، مما منحها أهمية كبيرة في نظر القوى المتنافسة. في القرن الثاني عشر الميلادي، بنى الصليبيون قلعة الكرك المنيعة، والتي أصبحت لاحقًا مقرًا للورد رينو دي شاتيون، أحد أبرز قادة الحملة الصليبية. استخدم هذا القائد القلعة كنقطة انطلاق لمهاجمة قوافل المسلمين، مما أثار رد فعل عنيف من صلاح الدين الأيوبي، الذي حاصر القلعة عدة مرات حتى استولى عليها عام 1188م بعد معركة حاسمة.

ADVERTISEMENT

التطور العمراني حول الكرك

خلال هذه الفترة، شهدت الكرك نمواً عمرانياً حول القلعة، مع بناء الأسواق والمنازل والمرافق الخدمية، مما جعلها مدينة مزدهرة بالأنشطة السياسية والعسكرية والتجارية. وبقيت المدينة مركزاً إدارياً هاماً خلال العهدين الأيوبي والمملوكي. حتى اليوم، لا تزال شوارع الكرك وقلعتها تحكي حكايات تلك المرحلة الزمنية الحافلة بالأحداث، وتعكس إرثاً حضارياً عميقاً تركه الصراع بين الشرق والغرب.

القبور النبطية والمنحوتات المائية في الكرك

إلى جانب قلعتها الشهيرة، تحتضن مدينة الكرك العديد من المعالم النبطية التي تعود إلى ما قبل الميلاد، وتُعد شاهداً على ازدهار الحضارة النبطية في جنوب الأردن. من أبرز هذه المعالم القبور النبطية المنحوتة في الصخور، التي تكشف عن تقنيات معمارية متقدمة استخدمها الأنباط لنحت واجهات هندسية معقدة داخل الجبال، مما يمنح الزائر انطباعًا عن براعتهم في فن العمارة الجنائزية. كانت هذه القبور تُستخدم لدفن الشخصيات البارزة، وتتميز بنقوشها الرمزية التي تمثل معتقداتهم الروحية.

ADVERTISEMENT

براعة إدارة الموارد المائية في الكرك

بالإضافة إلى القبور، يُعرف عن الأنباط براعتهم في إدارة الموارد المائية في المناطق الجافة. إذ تضم الكرك ما يُعرف بـ"الآبار المحفورة والمنحوتة" أو القنوات الصخرية التي كانت تُستخدم لجمع وتخزين مياه الأمطار ونقلها إلى أماكن الاستخدام. تظهر هذه المنحوتات المائية في عدة مواقع داخل المدينة وفي أطرافها، حيث نحتها الأنباط بدقة لتشكل شبكة ذكية من القنوات والخزانات. ساهمت هذه الأنظمة في استدامة الحياة الزراعية والحضرية في منطقة ذات موارد مائية محدودة.
اليوم، تشكل هذه القبور والمنشآت المائية معًا إرثًا فريدًا يربط الكرك بحضارة الأنباط، ويجعلها مقصدًا هامًا للباحثين عن التاريخ والمعمار القديم.

تصوير غلوريا هالاسا

الحياة اليومية والثقافية في مدينة الكرك

رغم طابعها التاريخي، إلا أن الكرك مدينة حيوية يعيش فيها سكان يتمسكون بتقاليدهم وعاداتهم، ويعتزون بإرثهم. الحياة اليومية في المدينة تسير بوتيرة هادئة، وتتركز حول الأسواق الشعبية والمقاهي التقليدية التي تجمع الناس لمناقشة القضايا اليومية أو تبادل الأخبار. تنتشر الحِرف اليدوية مثل صناعة الخناجر المطرّزة والمنسوجات، وهي موروثات توارثها السكان جيلاً بعد جيل.

ADVERTISEMENT

تحتفظ المدينة بعاداتها في اللباس والمأكل، كما تقام فيها احتفالات شعبية في المناسبات الوطنية والدينية، مثل الأعراس والمهرجانات التراثية. وتُعد الكرك إحدى أهم الحاضنات للثقافة الأردنية الجنوبية، حيث تنتشر الأمثال الشعبية والحكايات الشفوية التي تحكي عن البطولة والكرم والضيافة، وتُحكى حول مواقد النار في الليالي الشتوية الطويلة.

مأكولات تقليدية تُميز الكرك عن باقي المدن

تشتهر الكرك بعدد من الأكلات التقليدية التي تعكس الموروث البدوي والريفي الأردني. من أبرز هذه المأكولات:

  • المنسف الكركي: يُعتبر من ألذ أنواع المنسف في المملكة، ويُعد باستخدام اللبن الجميد الكركي الأصلي، وهو حجر لبني يُجفف بطريقة تقليدية. يتم تقديمه مع الأرز واللحم البلدي، ويُزين بالبقدونس واللوز.
  • المكمورة: وهي طبقة من الدجاج والبصل والزيت تُغطى بعجينة رقيقة وتُخبز في الفرن، وتُعد من الأكلات التي تتطلب خبرة خاصة وتُقدَّم في المناسبات.
ADVERTISEMENT
  • الخبز البلدي على الصاج: يُعدّ يوميًا ويُقدّم مع الزيت والزعتر أو مع اللبنة البلدية، ويُعد من أساسيات المائدة الكركية.

ويحرص الزوار على تجربة هذه الأطباق التي تعبّر عن الضيافة الكركية وكرم سكان المدينة، وغالبًا ما تكون جزءًا من التجربة السياحية الكاملة.

أهم الفعاليات والمهرجانات التي تقام في الكرك

تستضيف الكرك عددًا من الفعاليات الثقافية والتراثية على مدار العام، أبرزها:

  • مهرجان قلعة الكرك للثقافة والفنون: يجمع بين المسرح والموسيقى والفنون البصرية، ويُقام داخل القلعة، ما يمنح الحضور تجربة تاريخية وثقافية فريدة.
  • مهرجان الزيتون والمنتجات الريفية: يسلط الضوء على المنتجات المحلية مثل زيت الزيتون والزعتر والمربيات، ويدعم المزارعين والحرفيين المحليين.
  • أيام الكرك التراثية: يتخللها عروض دبكة وأزياء تراثية، وسوق مفتوح للمأكولات الشعبية والحرف اليدوية، ويشارك فيها فنانون من مختلف مناطق الجنوب.
ADVERTISEMENT

تُساهم هذه الفعاليات في تنشيط السياحة، وتمنح الزوار فرصة التعرف على التراث المحلي من خلال التفاعل المباشر مع سكان المدينة، وتخلق روحًا من التواصل بين الماضي والحاضر.

تصوير غلوريا هالاسا

نصائح للزائرين واستكشاف المدينة بأفضل طريقة

  • أفضل وقت لزيارة الكرك هو الربيع والخريف حيث يكون الطقس معتدلاً ومناسبًا للتجول.
  • يُنصح ببدء الجولة من قلعة الكرك ثم استكشاف الأسواق القريبة والكنائس القديمة.
  • تخصيص وقت لتجربة الأكلات الكركية المحلية في أحد المطاعم الشعبية يمنح الزائر تجربة لا تُنسى.
  • يمكن الاستعانة بمرشد سياحي محلي لفهم الخلفيات التاريخية للمعالم بشكل أعمق.
  • يُفضل ارتداء أحذية مريحة خاصة عند زيارة القلعة نظرًا لوعورة الأرضيات.
  • لا تنس التقاط الصور من أبراج القلعة المطلة على الوادي فهي لحظات لا تُعوّض.

بزيارة الكرك، لن تكتشف فقط مدينة تاريخية ذات إرث عظيم، بل ستعيش تجربة ثقافية وإنسانية عميقة تظل في الذاكرة طويلاً.

toTop