button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

أسطورة وباء الوحدة

ADVERTISEMENT

لن يلومك أحد على اعتقادك بأننا في خضم حالة طوارئ عالمية غير مسبوقة بسبب الوحدة. فقد عيّنت المملكة المتحدة واليابان "وزراءً للوحدة" لمعالجة هذه المشكلة. في عام 2023 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوحدة تُشكل مصدر قلق مُلحّ على الصحة العامة. تشير استطلاعات الرأي إلى أن الكثير من الناس يعانون من الوحدة - في بعض الأحيان على الأقل. لكن نظرةً فاحصةً على البيانات تُشير إلى أن الوحدة قد لا تكون أسوأ الآن مما كانت عليه في معظم التاريخ فنادرًا ما تتناول العديد من الاستطلاعات الاتجاهات بمرور الوقت، وتلك التي تتناولها لا تعود إلى زمنٍ بعيد. يقيس البعض الوقت الذي يقضيه الناس بمفردهم أو عدد أصدقائهم المقربين، لكن هذه المقاييس تُمثل مقياسًا للعزلة، وهي ليست كالوحدة ولا تتنبأ بها دائمًا. كما أن مقارنة العادات الاجتماعية عبر العصور التاريخية أمرٌ شائك، خلصت مراجعة للأبحاث حول التغيرات في الشعور بالوحدة إلى أن الدراسات الحالية "غير متسقة، وبالتالي لا تدعم الادعاءات الجارفة بوجود وباء عالمي للوحدة".

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Muhammed Hanefi على pexels

تحديات قياس الوحدة

ربما تكمن الصعوبة الأكبر في قياس الوحدة - وتحديد مقدار التركيز على إنهائها - في أننا لا نعرف حقًا ماهيتها. يخبر الباحثون أن الناس المختلفين يقصدون أشياء مختلفة عندما يقولون إنهم وحيدون: فالبعض يريد قضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء؛ والبعض الآخر يتوق إلى أن يُنظر إليه على حقيقته؛ والبعض الآخر يشعر بالانفصال عن هوية جماعية أو شعور بالهدف. تنشأ المخاوف عن التحضر أو التطور التكنولوجي: ففي دراسة تبين أن الهاتف كان يمنع الناس من زيارة جيرانهم. وطوال القرن العشرين، كان الكُتّاب والباحثون قلقين بشأن الوحدة الناجمة عن ظهور الراديو والتلفزيون والسيارات؛ أما الآن، فيقلقون بشأن الهواتف الذكية. استعرضت ورقة بحثية نتائج عقدين من المسح الاجتماعي العام، وهو استطلاع رأي وطني يسأل الناس، من بين أسئلة أخرى، عن الأشخاص الذين يناقشون معهم "مسائل مهمة"، ووجدت أنه من عام 1985 إلى عام 2004 انخفض عدد الأسماء التي ذكرها المشاركون بنحو الثلث. والأمر الأكثر إثارة للصدمة هو أن نسبة المشاركين الذين لم يذكروا أيًا من المقربين تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا. لكن العديد من الباحثين سلّطوا الضوء على عيوب منهجية، بما في ذلك أخطاء في ترميز الحالات واحتمال إرهاق المُحاور والمُستجيب.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Mizzu Cho على pexels

الوحدة في العصر الحديث: هل أصبح الناس أكثر عزلة؟

في السنوات الأخيرة، أشارت بعض الدراسات التي تبدو قوية إلى أن الأمريكيين يقضون وقتًا أطول بمفردهم. وفقًا لمسح استخدام الوقت الأمريكي، انخفض وقت الفراغ الذي يقضيه الناس مع الآخرين بنسبة تزيد عن 20% بين عامي 2003 و2023. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الاستطلاع لم يأخذ في الاعتبار سوى الوقت الذي يقضيه الناس مع الآخرين وجهًا لوجه. فهو لا يأخذ في الاعتبار التواصل الافتراضي الذي يُعدّ بالغ الأهمية للكثيرين: ذوي الإعاقة؛ كبار السن؛ المراهقون المثليون المنبوذون؛ المهاجرون الجدد الذين يعيشون بمفردهم في بلد جديد؛ أي شخص يستمتع بإرسال أفكار عشوائية إلى مجموعات الدردشة العائلية أو الأصدقاء القدامى طوال اليوم، أو من يحب البقاء على اتصال مع أحبائه البعيدين. إن قياس العزلة ليس طريقة جيدة لتتبع الشعور بالوحدة. من السهل أن يشعر شخصٌ لديه الكثير من الصداقات غير المُرضية، أو يعيش حياة زوجية تعيسة، بالوحدة أكثر من شخص انطوائي يعيش وحيدًا ولديه بعض الأصدقاء المقربين. تطلب بعض استطلاعات الرأي من المشاركين التعبير عن مدى شعورهم بالوحدة، أو تستخدم مقياسًا يُسمى "مقياس الوحدة والذي يطلب من المشاركين تقييم، على سبيل المثال، مدى شعورهم بالاستبعاد، أو مدى شعورهم بأن "الناس حولهم وليسوا معهم". ولكن يُستخدم هذا المقياس في التجارب ذات العينات الصغيرة أكثر من استخدامه بشكل منهجي في الدراسات الطولية واسعة النطاق التي تهدف إلى تتبع الاتجاهات بمرور الوقت. وبالطبع، ونظرًا لندرة البيانات الموثوقة، من الصعب أيضًا الجزم بأن الوحدة لم تتفاقم. تختلف النتائج باختلاف الفترة التي تتناولها والفئة السكانية التي تتحدث عنها. و، يبدو أن الشباب يُبلغون عن شعورهم بالوحدة أكثر من ذي قبل.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Ensar * على pexels

الأولويات والتحديات في معالجة الوحدة

إذا أبلغ عدد كبير من الناس عن شعورهم بالوحدة، فهذه مشكلة بغض النظر عن كيفية مقارنة هذه المعدلات بمثيلاتها في فترات زمنية أخرى. المشكلة هي أنه ليس من الواضح تمامًا ما الذي يجب معالجته. وقد اتخذ استطلاع خطوة إضافية بسؤال المشاركين عن سبب شعورهم بالوحدة، وكانت الإجابات متنوعة. وصف بعض الناس شعورًا بالوحدة الوجودية: فهم لا يشعرون بالارتباط بوطنهم، أو لا يشعرون بأهمية مكانتهم في العالم. وقال بعضهم إنهم لا يستطيعون أن يكونوا على سجيتهم مع الآخرين. وقال آخرون إنهم لا يشعرون بالرضا عن ذواتهم. قد يبدو كل هذا مجرد نقاشٍ مُتشعب، لنأخذ السعادة على سبيل المثال: درس الباحثون ما يعنيه الناس عندما يقولون إنهم سعداء أو تعساء، وكيف يمكن أن تؤثر صياغة السؤال على إجابات الاستبيان، والظروف التي يُحتمل أن يجيب فيها الناس بطريقة أو بأخرى. في الوقت الحالي، ليس لدينا أي فكرة عما إذا كانت وحدة طالب في المدرسة الثانوية يشعر بالإقصاء هي نفسها الوحدة التي يشعر بها شاب في الثلاثين من عمره يفتقر إلى الشعور بالهدف، أو شاب في الخمسين من عمره يعيش زواجًا سيئًا، أو أرمل حديث الزواج يبلغ من العمر 85 عامًا. قد يكون لتحليل هذه الصعوبات المتنوعة أهمية كبيرة في إيجاد حلول مُصممة خصيصًا. إذا لم يكن الناس يرون أصدقائهم بما يكفي، فربما نحتاج إلى بنية تحتية اجتماعية أكثر شمولاً ليتمكنوا من الالتقاء بسهولة في الأماكن العامة. يمكن أخذ أكثر من تحدٍّ من هذه التحديات على محمل الجد في آنٍ واحد، لكن الوقت والموارد اللازمة لمواجهتها جميعًا محدودة: لا يمكن ابتكار سوى عدد محدود من المبادرات السياسية والنضال من أجلها وتمويلها. قد تكون الوحدة أولوية خاطئة تمامًا. فالبلاد لديها قضايا صحية عامة أخرى حقيقية للغاية تحتاج إلى اهتمام ومع تغير أنوماط التواصل الاجتماعي، يكاد يكون هناك دائمًا شيء مفقود. لكن عندما يتعلق الأمر بتحديد ما يُعانيه الوطن، قد لا يكون "الشعور بالوحدة" حلاً كافياً.

toTop