button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

من ميكروفون بسيط إلى ذاكرة وطن: حكاية الإذاعة المصرية.

ADVERTISEMENT

في عالم لم يعرف الشاشات ولا الهواتف الذكية، كانت الإذاعة هي النبض الحي الذي يصل إلى كل بيت، تنقل الصوت والمعلومات، وتبني جسورًا من الوعي لدى الناس. ومن أبرز الإذاعات التي صنعت تاريخًا لا يُنسى، برزت الإذاعة المصرية، والتي تُعد من أعرق وسائل الإعلام في الوطن العربي. وقد لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الثقافي والسياسي للمجتمع المصري والعربي. فمنذ انطلاقها لأول مرة عام 1934، وصدح الأثير بعبارة "هنا القاهرة"، ظلت الإذاعة المصرية منذ تلك اللحظة حاضرة في كل لحظة فارقة من تاريخ الوطن، تحمل رسائل التنوير والفن والسياسة، وتواكب تطورات العصر حتى يومنا هذا، وساهمت في تكوين وجدان أجيال كاملة من المستمعين. في هذا السياق، نستعرض تاريخ الإذاعة المصرية منذ نشأتها وحتى حاضرها، لنكتشف مسيرتها وتأثيرها في الحياة المصرية والعربية.

ADVERTISEMENT

نشأة الإذاعة المصرية:

بدأت الإذاعة المصرية بثها المباشر في 31 مايو عام 1934، لتصبح أول إذاعة رسمية في مصر والوطن العربي. وقد انطلقت بالتعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، حيث كان يديرها فنيًا خبراء بريطانيون، بينما كانت الحكومة المصرية تشرف عليها إداريًا. انطلقت الإذاعة المصرية بكلمات لا تُنسى، حيث قال المذيع أحمد سالم "هنا القاهرة"، وأصبحت هذه الكلمة علامة مميزة في تاريخ الإذاعة والإعلام المصري. في البداية، كانت الإذاعة المصرية تبث لمدة خمس ساعات يوميًا، وتضم برامج متنوعة بين الأخبار والأغاني والخطب والمواضيع الثقافية والاجتماعية والدينية. لاقت الإذاعة المصرية اهتمامًا واسعًا بين الجماهير، لتصبح الوسيلة الأساسية لنقل الأخبار والمعلومات في وقت لم يكن فيه التلفاز ولا الهواتف قد انتشرا بعد. ساهمت شخصيات بارزة عديدة في نشأة الإذاعة المصرية وبناء هويتها، لتصبح أداة للتوعية والتأثير. وهكذا بدأت الإذاعة المصرية كحلم بسيط، تحول بسرعة إلى مؤسسة إعلامية ضخمة.

ADVERTISEMENT

الاستقلال والتطور الإداري للإذاعة المصرية:

بعد سنوات من التعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أدركت الدولة المصرية ضرورة امتلاك إدارة وطنية خالصة للإذاعة، تعكس إرادتها السياسية والثقافية المستقلة. وقد تحقق هذا التحول عام 1947، حيث استقلت الإذاعة المصرية عن الإشراف البريطاني وأصبحت تدار بشكل كامل تحت إدارة مصرية. تزامن هذا الاستقلال مع تنامي الوعي الوطني بعد الحرب العالمية الثانية، ومع ازدياد أهمية الإذاعة كوسيلة لتوجيه الرأي العام وبناء الهوية الوطنية. وفي عام 1954، تأسست الإذاعة المصرية كهيئة مستقلة ذات طابع رسمي ومهني، وأعيد تنظيمها إداريًا وفنيًا لمواكبة التطور المتسارع في وسائل الإعلام. وفي عام 1971، تم إنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون ليكون المظلة الرسمية التي تضم الإذاعة والتليفزيون تحت إدارة واحدة.

ADVERTISEMENT

العصر الذهبي للإذاعة المصرية:

يُطلق على الفترة من الخمسينات وحتى أوائل السبعينات اسم العصر الذهبي للإذاعة المصرية، حيث بلغت الإذاعة قمة تأثيرها وانتشارها، ليس فقط في مصر، بل في العالم العربي كله. وقد شهد هذا العصر تطورات سياسية كبرى في مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 وحكم جمال عبد الناصر، حيث أدركت الدولة أهمية الإعلام، وخاصة الإذاعة، كوسيلة للتواصل مع الشعوب.

أشهر البرامج الإذاعية في تاريخ الإذاعة المصرية:

شهد تاريخ الإذاعة المصرية العديد من البرامج التي أصبحت علامات بارزة في الذاكرة الجمعية المصرية والعربية. تنوعت هذه البرامج بين الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والترفيهية، ومن أبرزها: على الناصية، لغتنا الجميلة، كلمتين وبس، أغرب القضايا (دراما بوليسية)، ساعة لقلبك، قال الفيلسوف. وقد شكلت هذه البرامج ركيزة أساسية للثقافة العامة لدى المصريين، وتميزت بتقديم محتوى هادف وممتع، مما ساهم في رفع الوعي وتوسيع المدارك وتقديم القدوة الحسنة.

ADVERTISEMENT

من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تطور الإذاعة:

أحمد سالم: يُعتبر أول مذيع في الإذاعة المصرية، وصاحب العبارة الشهيرة "هنا القاهرة". له بصمة لا تُنسى في تاريخ الإعلام المصري.

صفية المهندس: من أوائل المذيعات الرائدات في مصر. عُرفت بصوتها الدافئ وقدرتها على توصيل المشاعر للمستمعين.

فهمي عمر: أحد أعمدة الإذاعة المصرية. عمل كمذيع ومنتج، وله إسهامات كبيرة في تطوير الإذاعة وتنظيمها.

آمال فهمي: مذيعة برامج اجتماعية شهيرة، خاصة برنامج "على الناصية" الذي كان يعكس مشاكل وقضايا المواطن المصري ببساطة وصدق، مما جعلها من أشهر الأصوات النسائية في الإذاعة.

فاروق شوشة: شاعر ومقدم برنامج "لغتنا الجميلة". أسهم بشكل كبير في نشر الوعي باللغة العربية وجماليتها.

فؤاد المهندس: اشتهر كممثل، ولكنه كان من المذيعين البارزين في الإذاعة، وقدم برامج مثل "كلمتين وبس" الذي جمع بين الفكاهة والنقد الاجتماعي.

ADVERTISEMENT

ليلى رستم: مذيعة وممثلة شهيرة، أدخلت روحًا فنية وإنسانية في الإذاعة.

أثر الإذاعة في المجتمع والثقافة:

كانت الإذاعة منبرًا لنشر الثقافة والوعي، وذلك من خلال برامجها الشهيرة والمتنوعة التي غطت الأدب والشعر والفلسفة والتاريخ. ساهمت هذه البرامج في توسيع مدارك المستمعين ورفع مستوى التعليم غير الرسمي، خاصة في الوقت الذي كانت فيه وسائل التواصل الأخرى محدودة. لعبت الإذاعة دورًا مهمًا في بناء الهوية الوطنية المصرية من خلال بث الأغاني الوطنية والبرامج التي سلطت الضوء على تاريخ مصر وحضارتها، كما دعمت القضايا القومية العربية. قدمت الإذاعة برامج ناقشت قضايا المجتمع المتنوعة مثل التعليم والصحة وحقوق المرأة، وقد أثرت إيجابيًا على السلوكيات والقيم الاجتماعية. كان للإذاعة دور في توحيد المجتمع المصري عبر بث برامج مشتركة ومناسبات وطنية، كما ساعدت في توصيل صوت مصر للخارج، مما عزز مكانتها الثقافية والإعلامية على المستويين العربي والدولي.

ADVERTISEMENT

تظل الإذاعة المصرية شاهدًا على تطور المجتمع والثقافة في مصر، ومرآة عكست نبض الشارع المصري والعربي لعقود طويلة. فمنذ انطلاقها وحتى يومنا هذا، استطاعت الإذاعة أن تحتفظ بمكانتها كوسيلة إعلامية لها أثر عميق في تشكيل الوعي وصناعة الرأي العام، وبث القيم والمعرفة. وتستمر في أداء دورها التنويري والثقافي مستندةً إلى تاريخ عريق ورصيد من الشخصيات والبرامج التي حفرت أسماءها في وجدان الأجيال.

toTop