قصص السوق: لقاءات الناس وروائح الماضي في سوق المباركية

ADVERTISEMENT

حين تطأ قدماك أرض سوق المباركية، تشعر بأن الزمن قد تراجع خطوة إلى الوراء. تنساب رائحة الهيل والزعتر والقهوة المحمّصة من الدكاكين القديمة، فتسافر بك الذكريات إلى حياةٍ سكنت الجموع قبل عقود. هنا، لم يكن السوق مكانًا للتبادل المادي فحسب، بل مسرحًا للقاء القلوب، وبراحة الأصدقاء، ومحطة يومية يتبادل فيها الجميع التحايا والحكايات.

عرض النقاط الرئيسية

  • سوق المباركية يأسر الزائرين بإحساس العودة إلى زمنٍ ماضٍ من خلال عبق التوابل وتصميم الدكاكين التقليدي.
  • منذ تأسيسه في ثلاثينيات القرن الماضي، كان السوق نقطة التقاء بين حضارات البر والبحر وتجّار اللؤلؤ والقوافل.
  • يعكس السوق روح الضيافة الخليجية الأصيلة من خلال تفاصيل مثل مشروب اللبن الذي يقدمه السمسار قبل عملية البيع.
  • ADVERTISEMENT
  • مشاهد البائعين وهم يروّجون لبضائعهم بحيوية وأناقة، تجسّد فنون العرض وأساليب البيع التي توارثتها الأجيال.
  • اللقاءات العفوية التي تحدث بين مرتادي السوق تعكس دفء العلاقات القديمة وتعيد للزائرين ذكريات الطفولة والضحكات البسيطة.
  • في زوايا السوق، يتجلى عبق الماضي من خلال الكتب الصفراء والساعات اليدوية النادرة التي تنبض بإيقاع مختلف عن الزمن الآلي الحديث.
  • رغم التحديات العمرانية الحديثة، ما زال السوق يحافظ على طابعه التراثي عبر جهود الترميم وتنظيم الفعاليات الثقافية التي تربط الأجيال.

السوق في أيامه الأولى

تأسس سوق المباركية في ثلاثينيات القرن العشرين، وكان نقطة التقاء القوافل القادمة من الصحراء وسفن تجارة اللؤلؤ. اتسمت دكاكينه بالبناء الطيني والأسقف الخشبية، فيما كانت الأرصفة الخشنة تستقبل أقدام التجّار بحكايا البر والبحر. في تلك الفترة، كان السمسار يمد يده للسلام قبل المبادلة، ويُقدّم لك شرابًا من الماء أو اللبن كرمز للضيافة الخليجية الأصيلة.

ADVERTISEMENT

نبض الأسواق وروح التجار

لا تكتمل صورة السوق دون الاستماع لأصوات البائعين وهم ينادون على بضاعتهم: “يا طيب يا حر”! فتجد البائع يمد يده بذراعٍ من القماش الأحمر، ويعرض التمر المدني، أو ينشر أمامك مناديل الحرير المطرّزة. وفي الزاوية، يقف صاحب محل الحليّ، يرصّ الخواتم والقلائد بنفَس يضجّ بالتفاؤل. تلك اللحظات، يا طويل العمر، تجمع بين كرامة المشتري وفنّ العرض الذي ورثه الأجداد.

لقاءات لا تُنسى

من أجمل سمات السوق هي اللقاءات العفوية التي لا يُخطط لها. قد تلتقي بصديق درب منذ المدرسة، أو بصاحب مهنةٍ نادرة لم تعد تُمارس اليوم. وفي قلب السوق، يتبادل الأشخاص:

  • قصص الطفولة العابرة بين أروقة المحال
  • نصائح لافضل طرق حفظ التوابل والبهارات
  • قصصَ أسرية عن أول رحلة غوص على اللؤلؤ

تختلط الأصوات، فيتزاحم ضحكٌ بهيج مع بهاراتٍ تنقل الحواس إلى زمنٍ ماضٍ لا يعود.

ADVERTISEMENT

زوايا عبق الماضي

ليس البهارات وحدها ما يعبّر عن ذاكرة السوق؛ بل هناك بائعو الكتب القديمة الذين يعرضون مجلّدات صفراء الصفحات عن شعراء الكويت وروايات الرباط. وفي إحدى الزوايا، محلّ يبيع الساعات النادرة المصنوعة يدويًا، فتسمع رنين حركة التروس وهي تذكّرنا بأن الوقت هنا مختلف- أقرب إلى إيقاع القلوب منه إلى عقارب الساعة.

تناسق الحرف اليدوية

يتوسط السوق ركنٌ للحرف اليدوية: السدو والخوص والأواني الفخارية. ترى المرأة العجوز وهي تنسج النسيج بألوانٍ تقليدية، فتتلمّس الأيدي أنامل الزمن التي صنعت أغطية الجلسات وأكياس التمر بنسيجٍ متين. هذا الفنُّ، الذي ورثته الأجيال، يربط الماضي بالحاضر، ويظهر كيف تحولت الحرفة إلى رمز للاستقلالية والجمال.

السوق اليوم والتحديات

مع التطور العمراني، واجه سوق المباركية تحديات الحفاظ على طابعه التراثي. فقد اندثرت بعض المحال، واستبدلت بمعارض حديثة، لكن جهودًا كبيرة بُذلت للحفاظ على الأصالة: ترميم القناطر الخشبية، وتركيب أغطية تحمي من الشمس، وتنظيم فعاليات ثقافية تُحيي السوق ليلاً.

ADVERTISEMENT

وهكذا يبقى الحاضر متماسكًا مع الماضي، إذ يجد الزائرون اليوم سوقًا يعرض ماضيهم ويُحيي موروثهم، بينما يستمتعون بحداثة بعض المقاهي التي تقدّم القهوة العربية مع لمسة عصرية.

خاتمة بعطر البهارات

سوق المباركية ليس مجرد مكان للتسوق، بل هو مرآة للتاريخ، وموسوعة للقصص التي يرويها الناس بين الأبواب الضيقة. هناك، تصنع اللحظات الصغيرة والمتكررة في كل صباح قصة جديدة، تستحق أن تُسجَّل في ذاكرة الزائر. وبين رائحة الهيل وأصوات البائعين، تبقى القصص تنسج خيوط تواصل بين أجيالٍ مرت، وأخرى قادمة، يتعطّش قلوبهم لدفء اللقاء- وروائحٍ لا تغيب.

أكثر المقالات

toTop