button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

"كيف أصبح عبدالحليم حافظ أيقونة الغناء العربي الخالد؟"

ADVERTISEMENT

يزخر الفن العربي بنجوم لامعة، لكن قلّما يولد فنان يتحول إلى أيقونة وأسطورة خالدة. من بين هؤلاء، كان هناك صوت لا يشبه إلا نفسه، صوت ناعم كنسيم الفجر، عميق كجراح وطن، صوت ولد من رحم المعاناة، إنه عبد الحليم حافظ، أو كما يقال "العندليب الأسمر"، الذي لم يكن فناناً فحسب، بل حالة إنسانية وفنية نادرة. شق طريقه بصوته الفريد وإحساسه الصادق، ليصبح رمزاً خالداً للرومانسية والفن العربي، وصوتاً لجيل، وذاكرة لأمة، وقصة كفاح استثنائية من رحم المعاناة إلى ذروة المجد.

حياته ونشأته:

وُلد عبد الحليم حافظ في 21 يونيو 1929 بقرية الحلوات في محافظة الشرقية بمصر. اسمه الحقيقي عبد الحليم علي شبانة. نشأ في أسرة بسيطة تعيش في الريف المصري، وعاش طفولة صعبة مليئة بالتحديات. فمنذ ولادته، لم يكد يتذوق حلاوة الحياة حتى ذاق مرارتها، إذ فقد والدته بعد ولادته بأيام، ثم توفي والده وهو في سن صغيرة، مما جعله يتيمًا تحت رعاية خاله. عانى من الفقر والحرمان، ولكن رغم ظروفه الصعبة، كان عبد الحليم مولعًا بالموسيقى منذ الصغر، وكان يردد الأغاني القديمة التي يسمعها من الإذاعة المصرية. وقد تميز بصوته العذب الذي تميز به منذ الصغر، انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالمعهد العالي للموسيقى العربية، حيث درس العزف على آلة الأوبوا وتعمق في دراسة الموسيقى. لكن شغفه بالغناء كان أكبر من أي شيء آخر. في بداية مشواره، لم تكن البداية سهلة على عبد الحليم، فعمل كمدرس للموسيقى في عدة محافظات مصرية مثل طنطا والزقازيق. رغم ذلك، لم يتخل عن حلمه وشغفه بالغناء، وبدأ يظهر موهبته في الغناء من خلال حفلات الإذاعة والأماكن العامة. وعلى الرغم من صوته المميز الصافي، واجه في البداية رفضًا وانتقادات، لكنه أصر على المثابرة حتى نال التقدير والنجاح. نشأ عبد الحليم في بيئة مليئة بالتحديات، لكنه استخدم هذه التحديات كوقود ليشعل به فنًا ينبض بالمشاعر، مما جعل صوته يحمل في طياته عمقًا عاطفيًا فريدًا أثرى الأغنية العربية.

ADVERTISEMENT

اكتشاف الموهبة والصعود الفني:

لم يكن صعود عبد الحليم حافظ إلى القمة مجرد صدفة، بل كان ثمرة موهبة فطرية نادرة، وجهدًا مستمرًا، وإصرارًا على النجاح رغم الصعوبات والتحديات. فمنذ صغره، كان يعشق الموسيقى والغناء. وحين بدأ عبد الحليم الغناء، كانت الساحة الغنائية تسيطر عليها المدارس الطربية التقليدية بقيادة عمالقة مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. لكن عبد الحليم لم يكن يملك الصوت الجبار التقليدي، إلا أنه امتلك شيئًا أعظم: الأحاسيس والصدق والمشاعر. فاختار عبد الحليم حافظ طريقًا آخر؛ ففي وقت كانت الأغنية تُبنى على الاستعراض الصوتي، قدم عبد الحليم نموذجًا جديدًا للأغنية القصيرة ذات الكلمات القريبة من القلب. ومن هنا بدأ يلفت الانتباه والأنظار، ليس كمغنٍ فحسب، بل كصوت يعبر عن جيل جديد.

في خمسينيات القرن العشرين، بدأ عبد الحليم يتحول من مجرد صوت واعد إلى نجم تتهافت الجماهير على سماعه. أصبحت أغانيه تُذاع في كل بيت، وتُطلب في كل حفلة، وتُباع في كل مكان. كان يقدم حفلاته الكبرى في قصر النيل وفي دار الأوبرا المصرية، ثم امتد تأثيره إلى الوطن العربي فغنى في بيروت ودمشق والرباط وتونس. في تلك الفترة، دخل عالم السينما وبدأ يقدم أفلامًا غنائية ناجحة جمعت بين فنه وصورته، مثل: لحن الوفاء، أيامنا الحلوة، بنات اليوم، الوسادة الخالية، وأبي فوق الشجرة. بعد هذه الأفلام، أصبح له قاعدة جماهيرية كبيرة، ليتحول إلى أسطورة عربية. كان كل ظهور له يحدث ضجة، وكانت حفلاته تجذب الملايين. لقد احتل القلوب بصوته ومشاعره، والشاشة بكاريزمته وإحساسه، فأصبح حديث الصحف والنقاد.

ADVERTISEMENT

أهم أعماله الغنائية والسينمائية:

قدم عبد الحليم حافظ خلال مسيرته الفنية حوالي 230 أغنية تنوعت بين الرومانسية والدرامية والوطنية، من أشهرها:

أهواك، جانا الهوى، زي الهوى، سواح، قارئة الفنجان، بالأحضان، احلف بسماها، صورة.

لم تقتصر مسيرته الفنية على الغناء فقط، بل كانت له بصمة

في السينما المصرية، حيث قدم حوالي 16 فيلمًا سينمائيًا، من أشهرها:

لحن الوفاء، الوسادة الخالية، شارع الحب، أبي فوق الشجرة، معبودة الجماهير.

مرضه ووفاته:

أُصيب عبد الحليم منذ شبابه بمرض مزمن، وهو داء البلهارسيا الذي كان شائعًا في مصر آنذاك. أثّر المرض عليه بشكل كبير، إذ أصاب الكبد وتسبب بنزيف متكرر وخطير على مدار 20 عامًا عاش عبد الحليم بجسد مريض وخضع للعديد من العمليات الجراحية وجلسات العلاج في مصر وخارجها، خصوصًا في لندن وباريس. ورغم جسده المنهك وحالته الصحية المتقلبة، إلا أنه لم يتوقف عن الغناء والمشاركة في الحفلات. في أواخر مارس عام 1977، سافر عبد الحليم إلى لندن ليخضع لعلاج عاجل بعد إصابته بنزيف حاد في المريء. ورغم كل المحاولات والجهود الطبية، إلا أن حالته لم تتحسن، وفي 30 مارس عام 1977 أُعلن رسميًا عن وفاة عبد الحليم حافظ عن عمر يناهز 47 عامًا.

ADVERTISEMENT

كانت هذه اللحظة صادمة ومحزنة لجمهوره في مصر والوطن العربي، فوفاته أبكت العالم العربي. لم يكن الحزن مجرد حالة عاطفية مؤقتة عند الجمهور، بل تحول إلى صدمة لدى الكثيرين، خاصة جيل الشباب الذي ارتبط به ارتباطًا وجدانيًا. وسط ذلك الحزن، نقلت الصحف وقتها، خصوصًا في مصر والمغرب وتونس ولبنان، أخبارًا عن حالات انتحار وقعت عقب وفاته، خاصة لدى الفتيات المراهقات، حيث لم يكن أحد يتوقع رحيل عبد الحليم بهذه السرعة وهو في قمة عطائه الفني.

شهدت شوارع القاهرة في جنازته جنازة شعبية هائلة تُعد من أكبر الجنازات في مصر، حيث حضرها أكثر من 2.5 مليون شخص. دُفن عبد الحليم في البساتين في القاهرة، لكنه بقي حيًا في قلوب محبيه بفنه وصوته وروحه وأغانيه التي لا تزال تتردد حتى الآن.

toTop