قناة السويس: التاريخ والأهمية

يمتد تاريخ ربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر إلى العصور القديمة، حين بدأ الفراعنة محاولات شق القنوات. أول محاولة معروفة كانت في عهد نخاو الثاني بالقرن السادس قبل الميلاد، وجُددت لاحقًا في عهود الفرس والرومان. رغم الجهود، لم تنجح تلك القنوات في أداء المهمة على النحو المطلوب. التحول الحاسم جاء في القرن التاسع عشر عندما حصل المهندس الفرنسي فرديناند دي ليسبس على امتياز حفر قناة على مستوى سطح البحر. بدأ المشروع عام 1859 بمشاركة أكثر من مليون عامل، وافتُتحت قناة السويس رسميًا في 17 نوفمبر 1869، فأحدثت ثورة في النقل البحري العالمي.

أدركت بريطانيا وفرنسا الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس مبكرًا، واستحوذت بريطانيا على حصة في القناة عام 1875، فسمح لها ذلك ببسط نفوذها العسكري، لاسيما في حماية طرقها إلى الهند. بلغت التوترات ذروتها خلال أزمة السويس عام 1956 عندما أمم الرئيس جمال عبد الناصر القناة. رغم الهجوم الثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، أجبر الضغط الدولي هذه القوى على الانسحاب، فأثبت صعود القومية العربية وتراجع القوى الاستعمارية.

اليوم تُعد قناة السويس شرياناً رئيسياً لحركة التجارة العالمية، حيث تمر عبرها نحو 12 % من تجارة العالم سنويًا، فتوفر وقتًا وتقلل من تكاليف الشحن بشكل كبير. بلغت إيرادات القناة عام 2022 أكثر من 8 مليارات دولار. لتعزيز مكانتها، دشنت مصر مشروع التوسعة عام 2015 بإضافة مجرى ملاحي موازي، فانخفض زمن العبور وارتفعت القدرة الاستيعابية للسفن.

مع تسارع التغيرات البيئية والتقنية، تسعى مصر لتحويل قناة السويس إلى ممر أكثر استدامة وكفاءة عبر تطوير البنية التحتية، اعتماد الذكاء الاصطناعي، وتوسعة الممرات البحرية. تعمل أيضًا على إنشاء مناطق اقتصادية متكاملة حول القناة، لتتحول إلى مركز دولي للاستثمار والخدمات اللوجستية.