button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

برسيبوليس "تخت جمشيد": عاصمة الإمبراطورية الفارسية القديمة

ADVERTISEMENT

في قلب السهول القاحلة جنوب إيران، تقع مدينة لا تزال تهمس بعظمة إمبراطورية عظيمة. مرحبًا بك في برسيبوليس" تخت جمشيد" أطلال مهيبة تجسد روعة وقوة ورؤية الإمبراطورية الأخمينية. برسيبوليس ليست مجرد حجارة قديمة، بل هي رحلة عبر الزمن حيث تُروى القصص من خلال النقوش العملاقة، والأعمدة الشاهقة، والقصور الملكية التي ما زالت تدهش الزائرين.

انضم إلينا في هذه المغامرة لاكتشاف واحدة من أعظم الوجهات السياحية في إيران وأكثرها إبهارًا.

بواسطة ماتياس إنغل باخ - المصدر: بيكساباي

أصل تسمية برسيبوليس " تخت جمشيد"

يعود اسم "برسيبوليس" إلى اللغة الإغريقية، ويعني حرفيًا "مدينة الفرس " (Perse Polis)، وقد أطلقه الإغريق على هذه العاصمة العظيمة بعد أن شاهدوها خلال فتوحات الإسكندر الأكبر. أما الاسم الفارسي الأصلي للموقع فكان "بارسه" (Parsa)، نسبة إلى الشعب الفارسي الذي أسسها وجعلها مركزًا احتفاليًا للإمبراطورية الأخمينية.

ADVERTISEMENT

وأما في التراث الإيراني الشعبي، فهي تُعرف باسم: "تخت جمشيد" أي "عرش جمشيد"، وهذا الاسم يعكس مزيجًا من التاريخ والأسطورة.
فـ"جمشيد" هو أحد الملوك الأسطوريين في الميثولوجيا الإيرانية القديمة كما ورد في الشاهنامه (كتاب الملوك) للفردوسي، ويُنسب إليه ازدهار الحضارة والفنون في فترات غابرة قبل التاريخ. ولذلك، عندما شاهد الإيرانيون أطلال برسيبوليس العظيمة، نسبوها إلى جمشيد واعتبروها عرشه أو قصره الملكي.

تاريخ برسيبوليس " تخت جمشيد": رمز الإمبراطوريةالأخمينية

تأسست برسيبوليس، أو بارسا كما كانت تُعرف قديمًا، حوالي عام 518 قبل الميلاد على يد الملك داريوس الأول، أحد أعظم حكام السلالة الأخمينية. لكنها لم تكن عاصمة عادية، بل كانت مركزًا احتفاليًا للإمبراطورية. تخيّل هذا المشهد: ملوك ومبعوثون من أقاصي الإمبراطورية – من الهند إلى مصر – يتوافدون إلى برسيبوليس كل عام حامِلين الهدايا، للمشاركة في احتفالات رأس السنة الفارسية ( النيروز ).

ADVERTISEMENT

واستمرت المدينة في الازدهار حتى جاء الإسكندر الأكبر في عام 330 قبل الميلاد، وأحرق جزءًا كبيرًا منها خلال غزوه. لكن حتى النار لم تستطع محو عظمتها. فبقاياها اليوم ما زالت تنبض بالجمال والهيبة.

روائع العمارة في برسيبوليس " تخت جمشيد"

يشبه دخولك إلى برسيبوليس مشهدًا سينمائيًّا ملحميًّا ، باستثناء أن كل شيء تراه هناك حقيقي.

سُلَّم الأبادانا الكبير

يُعد سلم الأبادانا الكبير أحد أبرز المعالم المعمارية في برسيبوليس، وهو المدخل الرئيسي المؤدي إلى قاعة الأبادانا الكبرى، حيث كانت تُعقد الاحتفالات والاستقبالات الملكية. يتميز السلم بتصميمه العريض والمنخفض الزاوية، ما يتيح للوفود الصعود بسهولة حتى أثناء ركوب الخيل أو الجِمال. على جانبي السلم، توجد نقوش مذهلة تُصوّر موكبًا ضخمًا لوفودٍ من مختلف أقاليم الإمبراطورية، يرتدون ملابسهم المميزة ويحملون هدايا رمزية. هذه النقوش ليست مجرد زينة، بل وثيقة بصرية تنقل رسائل عن القوة، والنظام، والتعددية الثقافية داخل الدولة الأخمينية. كل درجة من درجات السلم تحكي قصة من قصص العظمة الفارسية.

ADVERTISEMENT

قصر تاشارا (قصر داريوس الأول)

يُعتبر قصر تاشارا أو "قصر داريوس الأول" من أقدم القصور التي شُيدت في مجمع برسيبوليس، ويتميّز بأسلوبه المعماري المتين ونقوشه شديدة الدقة. تم بناؤه باستخدام حجر داكن اللون، ويُعتقد أنه كان يُستخدم كمقر خاص للملك داريوس الأول لعقد الاجتماعات الرسمية الصغيرة واستقبال الشخصيات المقربة. ما يميز القصر هو الحالة الممتازة للنقوش والزخارفالتي لا تزال واضحة حتى اليوم، والتي تُظهر مشاهد من الحياة الملكية، وحراس القصر، وخدم البلاط. كما أن الأبواب والإطارات الحجرية الباقية تعكس براعة المهندسين المعماريين في العصر الأخميني. زيارة تاشارا تجربة حقيقية لاستكشاف أناقة السلطة في أوج مجدها.

بواسطة شيما عبيدينزاده - المصدر: بيكساباي

معالم برسيبوليس الأخرى لعشاق التاريخ

إن كنت تخطط لزيارة الموقع، فإليك أهم معالم برسيبوليس السياحية التي يجب ألا تفوّتها:

ADVERTISEMENT

القبور الملكية في برسيبوليس

تقع القبور الملكية في برسيبوليس على منحدرات صخرية شاهقة خلف الموقع الأثري الرئيسي، وقد نُحتت مباشرة في جدران الجبال بطريقة مهيبة تثير الإعجاب والرهبة. تعود هذه القبور لملوك عظماء من السلالة الأخمينية مثل داريوس الأول، وداريوس الثاني، وكسركسيس (خشايار)، وتتميز بواجهات ضخمة مزخرفة بنقوش ملكية تُظهر الملوك وهم يقدمون القرابين أو يستقبلون البركات الإلهية. يُعرف هذا الموقع أيضًا باسم "نقش رستم"، ويُعد من أبرز المعالم التاريخية في إيران. زيارته تمنح شعورًا عميقًا بالعظمة الملكية وارتباط الملوك القدامى بالعالم الآخر، ويُعد نقطة جذب رئيسية لعشاق التاريخ والآثار.

متحف برسيبوليس

يقع متحف برسيبوليس داخل مبنى تاريخي كان في الأصل جزءًا من قصر الحريم التابع للملك الأخميني خشايار الأول. رُمّم هذا القصر في القرن العشرين ليصبح متحفًا صغيرًا، لكنه غني بالمحتوى والكنوز الأثرية. يعرض المتحف مجموعة مختارة من القطع التي تم اكتشافها في الموقع، من أدوات فخارية وأختام ملكية إلى أجزاء معمارية مزخرفة وتماثيل منحوتة. كما يحتوي على معلومات تشرح تفاصيل الحياة الملكية في برسيبوليس، وتاريخ بناء القصور والنقوش. ورغم صغر حجمه، يوفّر المتحف تجربة ثقافية مكثفة تساعد الزائرين على فهم عميق لتاريخ الموقع وأهميته الحضارية.

ADVERTISEMENT

استكشاف بوابة كل الأمم

عند مرورك من تحت بوابة كل الأمم، ستشعر بعظمة القوة الفارسية القديمة. هذا الصرح العملاق كان بوابة استقبال الوفود الرسمية من 28 مقاطعة إمبراطورية.

يحيط بالبوابة تمثالان ضخمان لمخلوقات أسطورية تُعرف بـ"لاماسو" ، برأس إنسان، وجسد ثور، وأجنحة نسر. رموز للقوة والحكمة والحماية الإلهية. كانت مهمتها تخويف الأعداء وطمأنة الأصدقاء.

في الداخل، توجد نقوش بثلاث لغات: الفارسية القديمة، والعيلامية، والبابلية، تقول: "أنا خشايار، الملك العظيم". لا شيء يضاهي الثقة الملكية!

بواسطة بيليف - المصدر: بيكساباي

أفضل وقت لزيارة برسيبوليس

مناخ إيران الصحراوي قد يكون قاسيًا في الصيف، حيث تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية. لذا، يُعد أفضل وقت لزيارة برسيبوليس هو خلال فصل الربيع (مارس – مايو) أو الخريف (سبتمبر – نوفمبر) عندما يكون الطقس لطيفًا والشمس تنعكس بلون ذهبي ساحر على الأحجار ، مثالي لعشاق التصوير.

ADVERTISEMENT

حاول أن تصل في الصباح الباكر أو قبل الغروب لتجنّب الحر والزحام. ولا تنس إحضار الماء، والقبعة، وواقي الشمس، وحذاء مريح للمشي ، فالموقع ضخم وستمشي كثيرًا!

معالم برسيبوليس السياحية التي لا تُفوّت

هناك زوايا في برسيبوليس غالبًا ما يغفلها الزوار، لكنها تستحق الاكتشاف:

قصر حدیش (قصر حديس)

قصر حدیش كان مقر الإقامة الخاص بالملك الأخميني خشايار الأول، ويقع على مستوى أعلى من بقية قصور برسيبوليس، ما يعكس مكانته الملكية. يتميز القصر ببساطته النسبية مقارنة بالقصور الاحتفالية، لكنه يكشف الكثير عن الحياة اليومية للعائلة الملكية. لا تزال أساسات القصر وبعض الأعمدة قائمة، ويمكن للزائر أن يلاحظ التخطيط المدروس لغرف الاستقبال، والنوم، والمساحات المخصصة للخدم. تُظهر النقوش والزخارف المتبقية اهتمامًا بالخصوصية والراحة، مما يعطي لمحة إنسانية عن الجانب غير الرسمي لحياة الملوك. زيارة قصر حدیش تتيح استكشاف زاوية هادئة من حياة أحد أقوى حكام الإمبراطورية الفارسية.

ADVERTISEMENT

تريبيلون (قاعة المجلس)

تُعد قاعة المجلس أو "تريبيلون" من المعالم المميزة في برسيبوليس، وقد استخدمت كمكان لاجتماعات الملك مع حاشيته وقادة الأقاليم. تتكوّن القاعة من ثلاث مداخل رئيسية تُشير إلى أهميتها الرمزية كمركز للتخطيط والتوجيه الإمبراطوري. ما يميز تريبيلون هو النقوش الجدارية الرائعة التي تُظهر حرس الملك والوفود الممثلة لمناطق مختلفة من الإمبراطورية، يرتدون أزياءهم التقليدية ويحملون هداياهم الخاصة. تُعَد هذه النقوش وثيقة فنية وتاريخية مذهلة تُجسّد التنوع الثقافي داخل الدولة الأخمينية. تريبيلون ليست مجرد قاعة، بل مرآة حقيقية لتعددية الإمبراطورية وحكمها المنظم.

الخزانة الملكية

كانت الخزانة الملكية في برسيبوليس القلب الاقتصادي للإمبراطورية الأخمينية، حيث كانت تُخزن فيها الهدايا والكنوز القادمة من جميع أنحاء الإمبراطورية، من الذهب والمجوهرات إلى الأسلحة الفاخرة والقطع الفنية. تم بناء الخزانة بطريقة محصنة وذكية، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذه البناية. لكن في عام 330 ق.م، قام الإسكندر الأكبربنهبها أثناء غزوه، وكانت ثرواتها الهائلة دليلاً واضحًا على مدى قوة الإمبراطورية وثروتها. اليوم، لا تزال الأساسات وبقايا الجدران تحكي قصص الثراء والسلطة، وتدعو الزائر للتفكر في الزمن الذي كانت فيه برسيبوليس مركزًا اقتصاديًا عالميًا.

ADVERTISEMENT
بواسطة بيغي شوكير - المصدر : بيكساباي

تل المشاهدة (تل برسيبوليس)

يقع تل المشاهدة خلف الموقع الرئيسي لبرسيبوليس، ويُعد من أفضل الأماكن للحصول على نظرة بانورامية شاملة على المدينة الأثرية. صعود التل سهل نسبيًا ويمنح الزائرين فرصة فريدة لرؤية التخطيط الهندسي المتقن للقصور والساحات، كما يظهر مدى اتساع الموقع من علٍ. يُنصح بالزيارة في الصباح الباكر أو وقت الغروب، حيث يضفي ضوء الشمس الذهبي لمسة ساحرة على الأعمدة والنقوش. المكان مثالي لعشاق التصوير ولمن يريدون لحظة تأمل وهدوء بعيدًا عن الزحام. من هذا التل، يمكنك أن تستشعر عظمة المدينة التي كانت يومًا مركزًا لحضارة حكمت نصف العالم.

الهدايا التذكارية والثقافة المحلية والمعالم القريبة

رغم أن برسيبوليس لا تحتوي على سوق تقليدي داخلها، إلا أن البائعين بالقرب من المدخل يعرضون تماثيل صغيرة، وكتب دليلية، ومصنوعات يدوية رائعة. المساومة شائعة هنا ، استمتع بها!

ADVERTISEMENT

تبعد مدينة شيراز الجميلة حوالي ساعة فقط بالسيارة، وتُعدّ قاعدة مثالية لزيارة برسيبوليس. شيراز مشهورة بشعرائها وحدائقها وروائح الزهور المنتشرة في الهواء. يمكنك الإقامة فيها والاستمتاع بأسواقها ومقاهيها التقليدية.

وإذا كنت من عشاق الآثار، فلا تفوّت زيارة نقش رستم، على بُعد 12 كيلومتر فقط. هناك، سترى قبور ملوك محفورة في الجبال، إلى جانب نقوش ساسانية تخلّد معارك ومراسم ملكية.

إرث برسيبوليس اليوم

برسيبوليس ليست مجرد موقع أثري، بل هي رمز للهوية الثقافية الفارسية. بالنسبة للإيرانيين، تمثل هذه المدينة عصرًا كانت فيه حضارتهم في ذروة القوة والفن. وبالنسبة للزائرين، هي تذكير حيّ بأن التاريخ لا يُدفن ، بل يُروى بالحجارة التي نمشي عليها، والنقوش التي نُعجب بها، والقصص التي نأخذها معنا.

عندما تغادر برسيبوليس، لا تأخذ صورًا فقط... بل تحمل دهشة تدوم.

ADVERTISEMENT

ختامًا

زيارة برسيبوليس تشبه دخول عالم من السحر التاريخي. عظمة أطلالها، وعبقرية بنائها، وغنى قصصها يجعل منها تجربة سياحية لا تُنسى. سواء كنت من محبي التاريخ، أو هواة التصوير، أو فقط من عشاق الحضارات القديمة ، فإن برسيبوليس ستأسر قلبك.

احزم حقيبتك، وخذ كاميرتك، واستعد للانبهار. فـمعالم برسيبوليس السياحيةليست مجرد حجارة ، إنها رواية من العبقرية والمجد والجمال لا تزال تبهر العالم بعد مرور 2500 عام.

المزيد من المقالات

toTop