button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

يزد في إيران: مدينة أبراج الرياح والنار الزرادشتية

ADVERTISEMENT

تقع مدينة يزد بين صحارى إيران المركزية ومحاطة بسلاسل جبلية، وهي تُعد تحفة زمنية خالدة. إنها مدينة لا يُحافظ فيها على التقاليد فحسب، بل تُعاش بكل تفاصيلها. من أزقتها المتشابكة، إلى أبراج الرياح العالية، وعمارتها المبنية من الطوب اللبن، وجذورها الزرادشتية العميقة، تبدو يزد وكأنها نافذة مفتوحة على عالمٍ آخر.

تتساءل كيف تمضي وقتك في هذه المدينة المُدرجة ضمن قائمة اليونسكو؟ هناك عدد لا يُحصى من الأشياء التي يمكنك القيام بها في يزد، من استكشاف الطقوس القديمة إلى احتساء الشاي تحت ضوء النجوم.

بواسطة ماريو - المصدر: بيكساباي

سبب تسمية يزد بهذا الاسم

ترجع تسمية "يزد" إلى الجذر الفارسي القديم "يزت" أو "يزدان"، والذي يعني "الإله" أو "المقدّس". ويُعتقد أن الاسم يعكس الأهمية الدينية والروحية التي ارتبطت بهذه المدينة منذ القدم، خاصة لكونها ملاذًا للزرادشتيين الذين وجدوا فيها موطنًا آمنًا لممارسة معتقداتهم بعيدًا عن الاضطهاد. كما أشار بعض المؤرخين إلى أن اسم المدينة ربما يرتبط بـ"يزدجرد"، أحد ملوك الساسانيين، الذي يُقال إنه أمر بتوسيعها. أياً كان الأصل، فإن الاسم يلائم تمامًا طابع المدينة التأملي والهادئ، ويعكس هويتها كواحة روحانية في قلب الصحراء.

ADVERTISEMENT

أشياء يمكنك القيام بها في يزد لمحبي التاريخ

للمهتمين بالتاريخ، تُعتبر يزد كنزًا حقيقيًا. فقد لعبت دورًا محوريًا كمركز تجاري على طريق الحرير، ويظهر ذلك جليًا في تصميمها المعماري وتخطيطها الحضري.

مجمع أمير جخماق

هو أحد أبرز المعالم في قلب يزد، وهو ساحة واسعة تعود إلى القرن الخامس عشر. يتميز المجمع بواجهته المزينة بأقواس متناظرة شاهقة تتلألأ مساءً بالأضواء، مما يمنح المكان طابعًا سحريًا خاصًا. كانت هذه الساحة مركزًا للاحتفالات الدينية والمناسبات الاجتماعية، ولا تزال حتى اليوم تُستخدم كملتقى ثقافي وسياحي. حول المجمع توجد متاجر تقليدية ومسجد تاريخي ومياه جارية، ما يجعله محطة مثالية لالتقاط الصور والاستراحة في جوّ تراثي أصيل.

متحف المياه في يزد

وهو متحف فريد يروي قصة أحد أعظم إنجازات الهندسة الإيرانية القديمة: نظام القنوات الجوفية المعروف بـ"القَناة". يشرح المتحف كيفية جلب المياه من أعماق الجبال إلى قلب المدينة الصحراوية، ويعرض أدوات حفر القنوات ومخططات هندسية قديمة. الطوابق السفلية من المتحف نفسها كانت جزءًا من قنوات نشطة في الماضي، مما يمنح الزائر تجربة واقعية ومثرية لفهم تحديات الحياة في الصحراء وعبقرية أهل يزد في التعامل معها.

ADVERTISEMENT

مسجد الجمعة في يزد أو "جامع يزد الكبير"

يُعد مسحج يزد الكبير تحفة معمارية إسلامية مذهلة، حيث يتميز هذا المسجد بمآذنه الشاهقة المغطاة بالبلاط الأزرق اللامع، والتي تُعد الأعلى في إيران. المدخل المقنطر المزين بالفسيفساء يعكس فن البلاط الإيراني في أبهى صوره. بُني المسجد على أنقاض معبد زرادشتي قديم، وهو شاهد حي على تعاقب الحضارات. عند دخولك، تأمل في القبة المزينة والزخارف الخطية التي تضفي على المكان هالة من السكينة والوقار. إنه موقع يختصر قرونًا من الفن والتاريخ والعبادة في آن واحد.

الزرادشتية في يزد: من أقدم الديانات في إيران

تضرب جذور الديانة الزرادشتية في مدينة يزد منذ قرون طويلة، وتعد إحدى أقدم الديانات التوحيدية في العالم،. كانت يزد ملاذًا آمنًا لأتباع هذه الديانة خلال العصور الإسلامية، وما زالت حتى اليوم تحتفظ بمكانتها كمركز رئيسي للمجتمع الزرادشتي في إيران. تعكس المعابد والنقوش والطقوس اليومية هذا التراث الروحي العريق، وتمنح الزائرين فرصة نادرة لفهم معتقدات ارتبطت بالنور وعناصر الطبيعة.

ADVERTISEMENT
بواسطة إنغل باخ - المصدر: بيكساباي

أبراج الصمت: طقس الدفن السماوي

من أبرز المعالم الزرادشتية في يزد أبراج الصمت، وهي منشآت حجرية تقع على قمم تلال قاحلة خارج المدينة. تعود هذه الأبراج إلى عصور قديمة، حيث استخدمها الزرادشتيون في ما يُعرف بالدفن السماوي، وهو طقس مقدس يقوم على وضع الجثث في العراء لتتحلل بفعل الشمس والطيور، حفاظًا على نقاء عناصر الطبيعة الأربعة: الأرض، النار، الهواء، والماء. هذا الأسلوب في الدفن كان يعكس عمق الفلسفة البيئية للزرادشتية، حيث يُمنع تدنيس أي عنصر طبيعي بالجثث.

رمزية الأبراج وتجربة الزيارة

لم يعد هذا الطقس يُمارس اليوم، لكن لا تزال تلك الأبراج قائمة تشهد على عقيدة قديمة وأسلوب حياة غارق في الروحانية. تمنح زيارة الموقع شعورًا بالرهبة والتأمل، خاصة مع الصمت الذي يلف المكان. يمكن للزائر أن يصعد بسهولة إلى قمة الأبراج عبر ممرات ترابية، وهناك سيحظى بإطلالة بانورامية مذهلة على أفق المدينة القديمة وصحراء يزد الممتدة، ما يجعل الرحلة إلى أبراج الصمت تجربة ثقافية وروحية في آن واحد.

ADVERTISEMENT

تسلق الأبراج ومشهد بانورامي ساحر

زيارة أبراج الصمت لا تقتصر على التاريخ فقط، بل تقدم تجربة بصرية وروحية فريدة. يمكن الوصول إلى قمة الأبراج بسهولة عبر ممرات ترابية، وهناك ستُكافأ بإطلالة مذهلة على المدينة القديمة وصحراء يزد الممتدة في الأفق. الجو الهادئ في الموقع، مع الغروب الذهبي، يجعل من هذه الرحلة القصيرة لحظة لا تُنسى للتأمل والتقاط الصور. إنها لحظة تلامس فيها عظمة الماضي صمت الحاضر.رغم توقف هذا الطقس، تظل زيارة الأبراج تجربة روحية عميقة. يمكن الصعود إلى الأعلى بسهولة نسبيًا، وهناك ستُكافأ بإطلالة بانورامية ساحرة على أفق يزد الصحراوي.

مركز المجتمع الزرادشتي الحديث

بالرغم من أن الطقوس القديمة لم تعد تُمارس، إلا أن المجتمع الزرادشتي في يزد لا يزال حيًا ونشطًا. يمكنك زيارة المدارس الدينية والمعابد التي لا تزال تستضيف المناسبات الروحية. في المناسبات الخاصة مثل عيد النوروز، يُلاحظ تجمّع العائلات الزرادشتية في طقوس مبهجة تجمع بين المعتقدات القديمة وروح العصر الحديث. هذا التعايش بين التاريخ والحاضر يمنح المدينة طابعًا فريدًا من نوعه، ويعزز من شعور الزائر بالانفتاح على ثقافات متعددة تعيش بتناغم نادر في قلب الصحراء.

ADVERTISEMENT

التجوّل في المدينة القديمة: سحر الطوب اللبن

إن لم يكن لديك الوقت سوى لنشاط واحد، فاختر التجول في أزقة المدينة القديمة في يزد. إنها متاهة مثيرة من الممرات الضيقة المحاطة بجدران طينية وأبواب خشبية وقباب منحنية.

تبدو هذه المنطقة المسجلة لدى اليونسكو وكأنها متحف حي. و ستصادف أثناء تجوالك، أفنية خفية، وأفران خبز محلي، وسكانًا يجلسون في الزوايا الظليلة يتبادلون الحديث. دع حواسك ترشدك نحو رائحة ماء الورد والهال.

لا تنس أن تتوقف في بازار خان للتسوق، إنه سوق تاريخي يمكنك فيه شراء الأقمشة الحريرية، والأواني النحاسية، والسجاد اليدوي، وحلويات يزد التقليدية مثل القُطّاب. هذه المدينة ليست فقط للرؤية، بل للإحساس.

بواسطة نيسيك220 - المصدر: بيكساباي

أبراج الرياح في يزد: التكييف الطبيعي عبر القرون

لا يمكن زيارة يزد دون الإعجاب بـ أبراج الرياح (بادغير)الشهيرة فيها. هذه الهياكل المعمارية العالية تمثل نظام تكييف طبيعي ذكي، حيث تلتقط نسيم الصحراء وتوجهه إلى داخل المنازل لتبريدها.

ADVERTISEMENT

أفضل مكان لمشاهدتها هو حديقة دولت آباد، حيث توجد أطول برج رياح في إيران بارتفاع 33 مترًا. تضم الحديقة أيضًا نوافير وأشجار سرو وقصرًا أنيقًا بنوافذ زجاجية ملوّنة.

اصعد إلى أحد المقاهي على أسطح المنازل القريبة عند الغروب، وشاهد الأفق وهو يتحول إلى بحر من أبراج الرياح. إنها أكثر من معمار، إنها قصيدة تكنولوجية.

معبد النار والتراث الزرادشتي في يزد

لازالت هناك بعض آثار المعابد الزرادشتية القديمة التي كانت منتشرة ف بلاد فارس ، ولعل من أشهرها معبد النار الزرادشتي (آتشكده)، حيث تحترق شعلة مقدسة بحسب المعتقد الزرادشتي منذ أكثر من 1500 عام، وقد نُقلت من معبد قديم في الهند.

تُعرض النار خلف لوح زجاجي ويُشرف عليها كهنة زرادشتيون. تمثل النار في المعتقد الزرادشتي النقاء والصراع الأبدي بين النور والظلام. إن هدوء المكان ورمزيته يمنحان شعورًا بالتأمل العميق.

ADVERTISEMENT

بجانب المعبد، يوجد متحف زرادشتي صغير يعرض أزياء تقليدية، ونصوص دينية، وأدوات يومية للمجتمع. زيارة تحترم التنوع وتثري الفهم الثقافي.

الطعام المحلي وأشياء يمكنك القيام بها في يزد ليلاً

عندما يحل الليل، تنبض يزد بإيقاعٍ جديد: هادئ، مضاء، ولذيذ.

ابدأ بعشاء تقليدي يشمل طبق شولي، وهو حساء أعشاب وعدس خفيف، أو قيمة يزدي، يخنة بنكهة الليمون المجفف. لا تنس شرب كأس بارد من دوغ (شراب الزبادي)، وأنهِ وجبتك بحلوى بقلاوة يزدية أو قطّاب ساخن.

بعدها، توجه إلى مقهى على سطح المنزل لتناول شاي الزعفران تحت النجوم. العديد من هذه المقاهي تُقدم موسيقى حية وإطلالات خلابة على قباب المدينة وأبراجها.

ليالي يزد هادئة، ملهمة، ومثالية للتمشية أو التصوير أو حتى التأمل في سماء الصحراء.

بواسطة نابافييه - المصدر: بيكساباي

خاتمة: يزد، حيث تتنفس الصحراء تاريخًا

ADVERTISEMENT

يزد ليست مجرد مدينة؛ إنها حوار دائم بين الزمن والعمارة، بين الدين والبقاء. تهمس لك قصصًا من خلال جدرانها الطينية، وتدعو للتأمل في وهج نارها المقدسة، وتلطفك بنسائم موجهة بإبداع.

سواء كنت من محبي التاريخ أو من عشّاق الثقافات أو من الباحثين عن الروح، ستجد الكثير من الأشياء التي يمكنك القيام بها في يزد، وكلها تترك أثرًا في القلب لا يُنسى. ادخل المدينة بعينين مفتوحتين، وغادرها بقلب ممتلئ، وذكرى معطّرة بماء الورد تحملها معك.

toTop