button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

رؤية الأحياء السعودية من خلال عيون المخرجين الناشئين

ADVERTISEMENT

في دار سينما خافتة الإضاءة في مدينة جدة السعودية، ينحني الجمهور إلى الأمام. لا تعرض الشاشة دراما تاريخية فخمة أو أفلامًا تجارية فاخرة، بل شيئًا أكثر حميمية: زوايا شوارع هادئة، ومحلات حلاقة عائلية، وإطلالات من أسطح المنازل على مناظر المدينة التي تتنفس وتتطور. هذه هي أحياء المملكة العربية السعودية من خلال عيون صانعي أفلام ناشئين. وفي قلب هذه الثورة الهادئة يكمن سؤال بسيط: كيف حيّك؟ نقدم في هذه المقالة نبذة عن برنامج "كيف حيّك" لتشجيع المخرجين الشباب.

على مدى السنوات القليلة الماضية، شهد المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية تحولًا جذريًا. دور السينما، التي كانت مغلقة لعقود، ترحب الآن برواد السينما في جميع أنحاء المملكة. وقد أشعل التعاون الدولي والمهرجانات المحلية، مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، شرارة نهضة في سرد القصص المحلية. وفي خضم هذا الزخم الثقافي، برزت مبادرة "كيف حيّك؟" كواحدة من أكثر المبادرات الشعبية تأثيرًا عاطفيًا، باستخدام لغة السينما لسرد قصص صغيرة بقلوب كبيرة.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة ssbotaru على pixabay

بكاميرات بسيطة يجري تصوير الحي...

هاتف، حي، قصة:

أُطلقت مبادرة "كيف حيّك؟" عام 2021، بالتعاون بين مؤسسة "فن جميل" ومؤسسة البحر الأحمر للأفلام، وهي تختلف عن معظم مبادرات الأفلام الأخرى؛ فهي لا تتطلب كاميرات فاخرة أو معدات متطورة، بل يُطلب من المتقدمين القيام بشيء واحد فقط: التجول في بيئتهم. باستخدام هواتفهم الذكية وفضولهم، يُوثّق المشاركون المختارون - ومعظمهم من الهواة أو صانعي الأفلام الجدد - أحياءهم، مستوحين من الحياة اليومية. تتوزع المبادرة على ثلاث مراحل:

1- دعوة مفتوحة: يُقدّم صانعو الأفلام الطموحون من جدة، ومؤخرًا من مكة المكرمة، مفاهيم أفلام وثائقية قصيرة متجذرة في أماكن محلية: مطاعم الفلافل المفضلة، والأزقة الضيقة، والمعالم المنسية.

2- التوجيه والتدريب: يحصل المتأهلون للنهائيات على توجيه عملي في سينما حيّ، المركز الثقافي الذي تديره فن جميل، حيث يتعلمون أساسيات سرد القصص السينمائية، من تأطير اللقطات إلى صياغة السرد.

ADVERTISEMENT

3- العروض العامة: تُعرض الأفلام المكتملة أمام لجنة تحكيم وجمهور مباشر. ثم تُعرض أفضل الأفلام في أيام البحر الأحمر للأفلام الوثائقية، المقرر إقامتها في أيار / مايو 2025. لكن تأثير المشروع يتجاوز التدريب التقني أو حفلات توزيع الجوائز، بل يتطرق إلى ما هو أعمق: الجغرافيا العاطفية والثقافية للمدن السعودية، كما يرويها سكانها.

الصورة بواسطة adiluggo على pixabay

... أو بكاميرات احترافية

تسليط الضوء على روح المكان:

ضمت مجموعة هذا العام، التي تألفت من 18 مخرجًا سينمائيًا ناشئًا، أصواتًا مألوفة وأخرى جديدة، بما في ذلك أول مشاركين من مكة المكرمة. عكست المشاركات طيفًا واسعًا من وجهات النظر، جميعها متجذرة في حقائق محلية بامتياز. من بين الأفلام البارزة:

فيلم "بين" لإياد الزهراني، الذي يرصد التوتر بين المباني والهوية، كاشفًا كيف يعكس النمو الحضري التحول الداخلي.

ADVERTISEMENT

فيلم "عالم بين المباني" لآسيا لجام وناد، يتأمل في المساحات المعمارية كشواهد صامتة على التاريخ والعاطفة.

كما أثّرت أفلامٌ مُفضّلة لدى الجمهور، مثل "حيّ الأكابر" و"من الزيتون إلى البحر"، على مشاعرهم الشخصية. والأخير هو تأملٌ رثائيٌّ في الانتماء في جدة وغزة، مُؤكّدًا كيف يُمكن حتى للأفلام القصيرة أن تكون بمثابة أوعيةٍ للذاكرة والهوية العابرة للحدود.

الصورة بواسطة Callum Blacoe على unsplash

هنا نصور فيلمًا

أهمية المشروع:

دمقرطة السينما:

بتقييد الأدوات بالهواتف الذكية وتقديم الإرشاد المجاني، يُزيل مشروع "كيف حيّك؟"  الحواجز التقليدية لصناعة الأفلام. فهو يُتيح مساحةً لقصصٍ لا يرويها مُخرجون مُدرّبون أو شركات إنتاجٍ مُتميّزة، بل يرويها الطلاب وعمال الخدمات والمستقلّون، وأي شخصٍ لديه ما يُريد قوله.

سردٌ قصصيٌّ أصيل:

ADVERTISEMENT

يُصبح كل فيلم أرشيفًا مُصغّرًا للحياة اليومية: حدائق عامة، مطابخ عائلية، طقوس روحية، أحياء مهاجرين. هذه ليست دراما مكتوبة، بل تجارب معاشة، تُحوّل لحظات الحياة اليومية إلى شعر سينمائي.

منصة انطلاق للمواهب:

يستخدم العديد من المشاركين هذه المنصة كنقطة انطلاق، حيث يجدون طريقهم إلى المهرجانات الإقليمية، أو برامج الإقامة، أو المشاريع التعاونية. يربط العرض الذي توفره أيام البحر الأحمر للأفلام الوثائقية صناع الأفلام المحليين بصناعة متنامية تتوق إلى أصوات أصلية.

رؤية ثقافية وطنية:

يتماشى برنامج "كيف حيّك؟"  مع الجهود الوطنية الأوسع لتعزيز هوية سينمائية سعودية فريدة. تهدف مثل هذه البرامج، إضافةً إلى مسارات التدريب التي تقدمها هيئة الأفلام السعودية، وبرنامج "سعودية جديدة، سينما جديدة" في مهرجان البحر الأحمر، إلى صقل رواة القصص الذين يعكسون حداثة البلاد متعددة الطبقات والمعقدة.

ADVERTISEMENT

ما التالي؟

تتوسع طموحات البرنامج. يتصور المنظمون مستقبلاً يصبح فيه "كيف حيّك؟"  منصةً وطنيةً، تتجاوز جدة ومكة لتشمل أصواتًا من أبها والرياض والدمام والمدن الأصغر. تشمل الخطوات التالية المحتملة ما يلي:

إرشادٌ أعمق: دعم الخريجين على مدار دوراتٍ أطول، حتى بعد انتهاء المشروع.

وصولٌ إقليميٌّ أوسع: استضافة ورش عمل في المجتمعات المحرومة أو النائية.

التوزيع الرقمي: إتاحة الأفلام القصيرة عبر منصات البث أو هيئات البث الوطنية.

شراكاتٌ استراتيجية: التكامل مع مراكز الأفلام المدعومة حكوميًا وحاضنات الأعمال من القطاع الخاص لتوسيع نطاق الوصول. ولكن النمو يجلب معه تحدياته الخاصة.

التحديات والتوترات:

يُعدّ الحفاظ على خصوصية سرد القصص المجتمعية مع التوسع أمرًا في غاية الصعوبة. كيف يُمكن للإرشاد أن يظل شخصيًا عندما يتضاعف حجم البرنامج عشرة أضعاف؟ هل سيُضعف الانتشار الرقمي جوهر "كيف حيّك" المحليّ المُفرط؟ والأهم من ذلك، كيف يُحافظ هؤلاء المخرجون على مسيرتهم المهنية بعد خفوت التصفيق؟ بدون بنية تحتية طويلة الأمد تضمن الوصول إلى التمويل، وتطوير ما بعد المشروع، والتعرض للأوساط الدولية، يكمن الخطر في أن تظل هذه الأفلام القوية أعمالاً فردية. الأمل ليس فقط في بناء الشهرة، بل أيضاً في بناء ديمومة.

ADVERTISEMENT

الخاتمة:

"كيف حيّك؟"  ليس مجرد برنامج سينمائي، بل هو حركة متجذرة في ذاكرة المدن وفخر المجتمع، والشجاعة الإبداعية. بتحويل السعوديين العاديين إلى مؤرخين لأماكنهم الخاصة، يُعيد "كيف حيّك؟" تعريف صناعة الأفلام ليس فقط كفنّ، بل كأداة للتعاطف، وصناعة المكان، والاستمرارية الثقافية. في بلد يُعيد كتابة مستقبله السينمائي، يطرح "كيف حيّك؟"  السؤال الأكثر جوهرية وجذرية: ماذا ترى عندما تنظر حولك؟ وماذا يحدث عندما يراه العالم أيضًا؟

toTop