تونس الأثرية: جولة بين قرطاج وقرى الرومان وسحر المدينة العتيقة

ADVERTISEMENT

تونس، هذه الدولة الصغيرة بمساحتها الكبيرة بتاريخها، تحتضن على ترابها آثارًا تمتد من حضارة قرطاج العظيمة إلى القرى الرومانية المهيبة، وصولًا إلى المدينة العتيقة التي لا تزال نابضة بالحياة. إنها رحلة مثالية لمحبي الرحلات والسفر الباحثين عن عمق التاريخ وسحر المدن العربية المتوسطية.

تجمع تونس بين البحر والجبل والصحراء، لكنها تتميز قبل كل شيء بكونها متحفًا مفتوحًا لحضارات البحر الأبيض المتوسط. ستأخذك هذه الجولة بين آثار قرطاج المهيبة، وضخامة مدينة الجم الرومانية، وأزقة المدينة العتيقة في تونس العاصمة، حيث يتعانق الماضي بالحاضر في لوحة منسوجة بالعطر والتوابل والفن الإسلامي.

الصورة بواسطة Diego Delso عبر wikivoyage

أولًا: قرطاج – ذاكرة إمبراطورية تشرق من المتوسط

أسطورة قرطاج: ديدون وحنبعل

عند زيارتك لقرطاج، أنت تسير فوق أطلال مدينة أسطورية أسستها الملكة الفينيقية عليسة (ديدون) في القرن التاسع قبل الميلاد، والتي أصبحت لاحقًا إمبراطورية بحرية بسطت نفوذها على جزء واسع من المتوسط. يخلد التاريخ قرطاج بذكرى حروبها البونية ضد روما، خصوصًا أسطورة القائد حنبعل الذي قطع جبال الألب بأفياله ليدخل روما.

ADVERTISEMENT

المعالم الأثرية في قرطاج

  • الحي البونيقي: أقدم أجزاء قرطاج، حيث يمكنك مشاهدة آثار المساكن البونية ومخططات الشوارع الأولى.
  • الموانئ البونية: ميناء حربي دائري وآخر تجاري، يكشفان عبقرية قرطاجيين في بناء الموانئ المحصنة.
  • الآثار الرومانية: بعد دمار قرطاج في الحرب البونية الثالثة سنة 146 ق.م، أعاد الرومان بناءها كمدينة رومانية مزدهرة. ستجد هناك:
  • الحمامات الرومانية (حمامات أنطونيوس): من أكبر الحمامات الرومانية في أفريقيا، تطل على البحر بمنظر ساحر.
  • الحي الروماني: منازل أرستقراطية مرصوفة بالفسيفساء الجميلة.
  • المدرج الروماني: بقاياه تروي قصص المصارعين والعروض الشعبية.

متحف قرطاج الوطني

يقع فوق هضبة بيرصا حيث أسست ديدون المدينة. يحتوي المتحف على قطع أثرية نادرة من الفترة البونية والرومانية والمسيحية المبكرة، بينها توابيت حجرية ونُصُب جنائزية وتماثيل رائعة.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Agnieszka Wolskaعلى wikimedia commons

ثانيًا: مدينة الجم – الكولوسيوم الأفريقي الرهيب

روعة المعمار الروماني في شمال أفريقيا

إذا كنت مفتونًا بالعمارة الرومانية، فلن تكتمل جولتك دون زيارة مدينة الجم الواقعة في ولاية المهدية شرق تونس. هنا يقف المدرج الروماني في الجم شامخًا كأكبر أثر روماني محفوظ في أفريقيا وثالث أكبر مدرج في العالم بعد الكولوسيوم في روما ومدرج كابوا.

المدرج الروماني في الجم

البناء والوظيفة: بُني في القرن الثالث الميلادي بسعة 35 ألف متفرج، كان مسرحًا لمصارعات الوحوش والمبارزات الدامية. يتميز بدقة هندسته وصمود جدرانه وأقبية ممراته رغم الزلازل والحروب.

التجربة السياحية: يمكنك التجول داخل الممرات الحجرية والصعود إلى أعلى المدرج لالتقاط صور بانورامية للمدينة، أو زيارة المتحف الأثري الصغير القريب الذي يعرض فسيفساء رومانية ومجسمات تشرح بناء المدرج.

ADVERTISEMENT

مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية

في الصيف، يتحول المدرج إلى مسرح مفتوح للحفلات السمفونية العالمية. إن حضور حفل موسيقي ليلي في قلب هذا الأثر العريق تجربة تجمع الفن بالتاريخ وتبقى محفورة في الذاكرة.

ثالثًا: القرى الرومانية والمواقع الأثرية الأخرى

دقة: مدينة رومانية كاملة

مدينة دقة شمال غرب تونس من أفضل المدن الرومانية حفظًا في أفريقيا، أدرجتها اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي. عند زيارتها ستشاهد:

  • الكابيتول: معبد روماني ضخم بأعمدته الرخامية المنحوتة بدقة.
  • المسرح: يستضيف عروضًا موسيقية حتى اليوم.
  • المنتدى، القوس الروماني، الحمامات العامة: جميعها محفوظة بتفاصيلها وزخارفها الجميلة.

سبيطلة: ملتقى الرومان والبيزنطيين

في ولاية القصرين تقع سبيطلة، مدينة رومانية بيزنطية غنية بآثارها:

  • الكنائس البيزنطية القديمة: بزخارفها الحجرية البديعة.
ADVERTISEMENT
  • أعمدة المعابد الثلاثة: مخصصة لجوبيتر وجونو ومينيرفا، وتعد رمزًا معماريًا لتونس.
  • الحمامات والأقواس الرومانية: شاهدة على الحياة اليومية زمن الإمبراطورية.

أوذنة: مدينة رومانية خارج درب السياح

تبعد عن العاصمة 30 كم جنوبًا، وتضم:

  • مدرجًا رومانيًا صغيرًا.
  • معبد زيوس.
  • بقايا منازل وأسوار، وتتميز بهدوئها البعيد عن زحام المواقع الأثرية الكبرى.

رابعًا: المدينة العتيقة في تونس العاصمة – روح الشرق في قلب المتوسط

متاهة الأزقة والأسواق القديمة

المدينة العتيقة في تونس العاصمة مدرجة ضمن مواقع التراث العالمي. تأسست في القرن السابع الميلادي، وهي مزيج من الفنون الإسلامية العربية والعثمانية والأندلسية. عند دخولك باب البحر أو باب الجديد، تبدأ رحلة ساحرة بين الأزقة الضيقة والقباب البيضاء والأبواب المزخرفة بالألوان.

أبرز معالم المدينة العتيقة

ADVERTISEMENT
  • الجامع الزيتونة: أقدم جامعة إسلامية في شمال أفريقيا، شُيّد في القرن الثامن الميلادي وتزينه الأعمدة الرخامية والأقواس المزخرفة.
  • الأسواق التقليدية: مثل سوق العطارين للعطور، وسوق البلاغجية للأحذية التقليدية، وسوق الذهب.
  • القصبة وقصر الحكومة: تحفة عثمانية بقببها وأسوارها العالية.
  • البيوت التقليدية (الديار التونسية): مثل دار بن عبد الله ودار حسين ودار لازروق، تحولت بعضها إلى متاحف ومعارض للفن التقليدي.
  • الحمامات القديمة: لا تزال تعمل حتى اليوم، وهي فرصة للتمتع بتجربة الاسترخاء العربية الأصيلة.

تجربة المقهى التونسي

لا تنس التوقف في مقهى الشواشين أو مقهى المرابطين، حيث يمكنك تذوق الشاي الأخضر بالنعناع أو القهوة التركية، وتأمل مشهد جامع الزيتونة ومآذن المدينة.

الصورة بواسطة Wildtunis على wikimedia commons

خامسًا: السياحة الثقافية في تونس – كنوز تتجاوز الرمال والشواطئ

ADVERTISEMENT

رغم شهرة تونس بشواطئ الحمامات وسوسة وجربة، فإن ثراءها الأثري يجعلها من أهم وجهات السياحة الثقافية في شمال أفريقيا. تجمع آثارها بين حضارة قرطاج العريقة والحضارة الرومانية الواسعة والحضارة الإسلامية التي أنتجت مدارس العلم والفنون في مدنها العتيقة.

نصائح لرحلتك الأثرية في تونس

  • أفضل وقت للزيارة: الربيع (مارس-مايو) أو الخريف (سبتمبر-نوفمبر) لتجنب حرارة الصيف المرتفعة.
  • اللباس: ملابس مريحة وأحذية جيدة للمشي في المواقع الأثرية الوعرة.
  • الدليل السياحي: يُفضل حجز جولة مع مرشد معتمد لفهم التاريخ الغني للمواقع.
  • التصوير: أغلب المواقع تسمح بالتصوير مجانًا، لكن بعض المتاحف تفرض رسومًا رمزية للكاميرات الاحترافية.
  • المواصلات: يمكنك استئجار سيارة للتنقل بين المواقع الأثرية بسهولة، خاصة بين الجم ودقة وسبيطلة.

خاتمة: تونس – فسيفساء الحضارات

ADVERTISEMENT

بين آثار قرطاج المهيبة، ومسرح الجم الروماني، وقرى الرومان المتناثرة في الشمال الغربي، وأزقة المدينة العتيقة في العاصمة، ستكتشف أن تونس ليست مجرد شاطئ جميل على المتوسط، بل هي مكتبة مفتوحة للتاريخ الإنساني. لكل من يهوى السياحة الثقافية والتاريخية، هذه البلاد تحمل له قصصًا لم تروها بعد كتب التاريخ كاملة، لكنها حُفرت على حجارة مسارحها وأعمدة معابدها وأبواب مدينتها العتيقة، لتبقى خالدة أبد الدهر.

أكثر المقالات

toTop