الثقافةFeb 10,2025

أسطورة الضحّاك ملك الأفاعي

أطلق عليه الفارسيون اسم "بيوراسب"، وأسماه العرب "الضحاك" ولقبوه بــ"ملك الأفاعي" أو "الملك الأفعى"، وأطلق عليه الأوروبيون اسم "زوهاك". إنه الملك الخامس فى سلسلة ملوك إيران الأسطوريين، نحكي لكم أسطورة الضحاك الذي تنكّر له العرب والفرس من سوء سمعته وشره المستطير. أسطورته من أقدم الأساطير، وتم تناقلها عبر الأجيال جيلًا بعد جيلٍ، لتحكي عن عاقبة الاستماع لوسوسة الشياطين وعاقبة الظلم ولو بعد حين.

من هو الضحاك؟

جاء في تلك الأساطير أن الضحاك أو بيوراسب من أصل عربي، وهو ابن ملك يدعى "مرداس" من ملوك حمير باليمن، وهو رجل عابد تقى صالح، يؤمن بالله ويؤدى فروضه ويطيعه، لكن الشيطان تمكّن من إغواء ولده الضحاك بقتله والاستيلاء على الحكم من بعده، وقام الابن بتنفيذ الحيلة التي وسوس له بها إبليس وقتل أباه.

استنجاد أهل فارس بالضحاك

الصورة عبر wikimedia

فى الوقت الذي استولى فيه الضحاك على مُلك أبيه، كان "جمشید" الملك الإيراني قد تجبر وتكبر فانقلب عليه شعبه واستنجدوا بالضحاك الذي استولى على حكم إيران لمدة ألف عام سام فيها الناس ألوان العذاب حسب الأسطورة الفارسية.

استيلاء الضحاك على ملك فارس

تقول الأسطورة أن الضحاك استجاب لنداء أهل فارس ليخلصهم من ملكهم الظالم "جم" أو "جمشيد"، وقصده الضحاك الحميري المسمى بالفارسية بيوراسف من أرض اليمن في جيوش كثيفة وشوكة شديدة فانقض عليه انقضاض العقاب على الأرنب فهرب منه جم متنكرا، واستولى الضحاك على ملكه وحرمه ونعمه وخيله ورجله ودقه وجله، ولم يزل يتتبع أثره وينصب الأرصاد له حتى ظفر به فى بعض السواحل في أقبح صورة وأسوا حالة، فصاده كما يصيد الهر الفأر ونشره بالمنشار، ويقال إنه ألقاه إلى السباع حتى مزقته بأنيابها ومخالبها ثم رجع إلى مركز عزه وسرير ملكه وكانت مدة حكمه قد استمرت ما يقرب من 520 سنة.

الضحاك وخديعة الشيطان الثانية

الصورة عبر wikimedia

تقول الأسطورة أيضاً إن إبليس ظهر للضحاك بعد ذلك فى هيئة طباخ ماهر، وطلب منه أن يُقبّل كتفيه مكافأة له على حسن خدمته له ثم اختفى بعد ذلك، وبعدئذ ظهر ثعبانان من المكان الذي قبّله فيه، وكانا يؤلمانه بشدة، وكلما قطعهما كانا يظهران من جديد، ولم يعرف الأطباء علاجا له حتى ظهر إبليس ثانية فى هيئة طبيب وأخبره عن علاجه وهو إطعام الثعبانين بأدمغة الناس، فكان يقتل كل يوم شابين لهذا الغرض.

استشراء شر الضحاك وقتله الناس بغير وجه حق

استمر ظلم الضحاك وقتله للناس حتى كان يوم أخذ فيه رجال الضحاك شابًا هو ابن رجل حداد يدعى كاوه ليقتلوه ويطعموا الثعبانين، فجاء كاوه إلى بلاط الضحاك، واستغاث وصرخ من الظلم، فاضطر الضحاك إلى إطلاق ابنه ليشهد كاوه بعدل الضحاك أمام كبار المملكة الذين اجتمعوا للشهادة على عدله، ولكن كاوه يخرج من البلاط رافضاً ذلك.

اجتماع الناس حول كاوه

الصورة عبر wikimedia

اجتمع أهل فارس على كاوه، وبدأ هو في دعوة الناس إلى العدل، ورفع قطعة الجلد التي كان يضعها على صدره عند العمل على رأس رمح، ودعا الناس إلى مساعدته والذهاب لاستدعاء أفريدون ليقضى على الضحاك، وعندما رأى أفريدون تلك الراية سُر بها وأطلق عليها "درفش کابیان" والتي تعني "راية الملوك"، وسار معهم حتى هزم الضحاك، وقيده في الأغلال وحبسه في جبل (دماوند) في مغارة فهو فيها يعذب إلى يوم القيامة حسب الأسطورة.

من هو أفريدون؟

أفريدون أو فريدون هو أحد أحفاد طهمورث (الملك الأسطوري الثالث في الأساطير الفارسية)، وقد كانت أمه أخفت حملها عن الضحاك الذي كان يقتل أطفال الملوك السابقين بسبب رؤيا رآها وهالته كثيرًا بأن أحد أبناء الملك الذكور سيقتله حينما يكبر. هربت أمه وهي حبلى وعندما وضعته سماه أبوه أفريدون، ونقله مع بقرة له تسمى "الغالية" إلى إحدى القرى المجهولة حفاظًا عليه.

هزيمة الضحاك على يد أفريدون

لما اشتد البلاء على الناس من الضحاك وبلغت قلوبهم الحناجر وعظمت عليهم المصائب في أبنائهم المذبوحين من أجل الحيتين جعلوا يتربصون به الدوائر فيدعون الله عليه ويتسلون ويتعللون بما يرجون من الفرج في خروج أفريدون الذي بشرت به الآثار وتظاهرت بملكه الأخبار، وكان رجل حداد يقال له كاوه قد فجع بأحد ابنيه لطعمة الحيتين وأخذ ابنه الباقي ليذبح فمزق ثيابه وطرح التراب على رأسه وصاح واستغاث وجعل الجلدة التي كان يغشى بها ركبتيه عند الضرب في الحديد المحمي على رأس خشبة واستنفر الناس، فتبعه خلق كثير ولبسوا الأسلحة ونصبوا الأعلام ونفروا خفافاً وثقالاً، وتزايدوا وتعاضدوا وانضم إليهم الرؤساء والكبراء فارتفعت الصيحة ووقعت الواقعة فانخذل الضحاك وهمَّ بالركوب في حاشيته للإيقاع بهم وإطفاء نائرتهم فكع وجبن عن ذلك وتخاذلت قواه ونصب كاوه رايته بين يدي أفريدون وساروا في الأسلحة إلى قصر الضحاك وقتلوا من ببابه من الحرس والأعوان وكبسوه وهجموا عليه، ووصل إليه أفريدون.

ربط أفريدون للضحاك في جبل دنباوند

قطع أفريدون من جلده وترأ وشده به وحمله إلى جبل دنباوند وحبسه في بئر هناك. وفى بعض الروايات أنه قتله.

يدّعي المجوس أن الضحاك مازال في الأحياء بجبل دنباوند، وأنه من المنظرين كإبليس إلى يوم الوقت المعلوم.

أصل اسم الضحاك

الصورة عبر wikimedia

ذكر الضحاك في الأفستا - كتاب الزردشتيين المقدس - باسم «اژی دهاك(Agi - dahaka) ، وذكر اسم في المصادر الفارسية والعربية «اژدهاق» و «أزدهاق». وهذه الأسماء هي أصل كلمة «ضحاك» التي تأتي في الشاهنامة وكتب التاريخ الأخرى. وقد ذكر الطبري سبب هذ التغيير في الاسم فقال في تاريخه " والعرب تسميه الضحاك فتجعل الحرف الذي بين السين والزاي في الفارسية ضاداً والهاء حاء والقاف كافاً".

معنى اسم الضحاك في اللغة الفارسية

الضحاك في المصادر الفارسية التي تعود إلى ما قبل الإسلام، كالأفستا والكتب البهلوية الأخرى، مخلوق شيطاني الجزء الأول من اسمه وهو «اژی» يعنى الثعبان بلغة الأفستا، والجزء الثاني وهو «دهاك» بمعنى المخلوق الشيطاني، وحسب الروايات الفارسية فقد خلقه أهريمن الشيطان طبقا لهذه الروايات وسلطه على العالم المادي ليدمر عالم الخير، وهو يتسبب في الضرر والفتنة والفساد. وتصوره الروايات في هذه الكتب فى صورة الوحش الشيطاني الخطير الذي له ثلاثة أفواه وثلاثة رؤوس وست عيون، وهذه الصورة من بقايا الأساطير التي كانت للشعب الآرى فى موطنه الأول قبل التشعب وهجرة بعضه إلى الهضبة الإيرانية. كما أنه في بعض الروايات روح شريرة أو شيطان يمنع ماء السحاب من النزول إلى الأرض. ثم يتحول الضحاك بعد ذلك إلى ملك شرير، ومن أجل التوفيق بينه وبين الصورة القديمة للثعبان ذى الرؤوس الثلاثة نجد قصة ظهور الثعبانين على منكبيه بعد أن قبّلهما الشيطان.

الضحاك في المصادر العربية والإسلامية

أما المصادر الإسلامية فإنها تجعل الضحاك ملكا عربيا يتمثل فيه كل الشر، وهناك أقوال كثيرة فى نسب الضحاك وأصله وسيرته، نجد هذه الروايات في كتب مثل: عيون الأخبار لابن قتيبة والأخبار الطوال للدينوري وتاريخ الطبرى والبلعمى ومروج الذهب والتنبيه والإشراف للمسعودى وسنى ملوك الأرض لحمزة بن الحسين الأصفهاني وغرر أخبار ملوك الفرس للثعالبي والآثار الباقية للبيروني وشاهنامة الفردوسى وكامل التواريخ لابن الأثير. وما ذكره الطبري في تاريخه عن ذلك نموذج لما ذكره المؤرخون المسلمون. يقول الطبري: " قال واليمن تدعيه حدثت عن هشام بن محمد بن السائب فيما ذكر من أمر الضحاك هذا قال والعجم تدعى الضحاك وتزعم أن جما كان زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته وملكه على اليمن فولدت له الضحاك. قال واليمن تدعيه وتزعم أنه من أنفسها وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج، وأنه ملَّك على مصر أخاه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج وهو أول الفراعنة، وأنه كان ملك مصر حين قدمها إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام.

اختلاف نسب الضحاك بين المصادر العربية والفارسية

وأما الفرس فإنها تنسب الازدهاق هذا غير النسبة التى ذكر هشام عن أهل اليمن وتذكر أنه بيوراسب بن اروند اسب بن زينكاو بن ويروشك بن تاز خرواك بن سيامك بن مشا بن جيومرت ومنهم من ينسبه هذه النسبة غير أنه يخالف النطق بأسماء آبائه فيقول هو الضحاك بن أندر ماسب بن زنجدار بن وندريسج بن ثاج بن فرياك بن ساهمك بن تازى بن جيومرت والمجوس تزعم أن ثاج هذا هو أبو العرب ويزعمون أن أم الضحاك كانت ودك بنت ويونجهان وأنه قتل أباه تقرباً بقتله إلى الشياطين وأنه كان كثير المقام ببابل وكان له ابنان يقال لأحدهما سرهوار وللآخر نفوار. وقد ذكر عن الشعبي أنه كان يقول هو قرشت مسخه الله از دهاق.

  • الحيوانات
  • إدارة وأعمال
  • الثقافة
  • الطعام
  • أسلوب الحياة
  • علوم
  • تقينة
  • الرحلات والسفر

    الثقافة

      المزيد من المقالات