تحليل إرث الكريكيت الخشبي في عالم متغير: أزمة مضرب الكريكيت وما تعنيه بالنسبة لشمولية الرياضة

من أين تأتي مضارب الكريكيت؟ ما هو الرابط بين الكريكيت والمناخ؟

في هذه المقالة نتحدث عن هذه اللعبة غير المعروفة كثيرًا في بلادنا العربية، وعن الدور الذي يلعبه المضرب فيها.

ما هي لعبة الكريكيت؟

نشأت لعبة الكريكيت في إنجلترا ولُعبت في البلدان التي احتلها الإنجليز، بما في ذلك في أمريكا، حيث تطورت هناك إلى لعبة البيسبول.

بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون أي شيء عن لعبة الكريكيت، هي لعبة تشابه البيسبول، ولكن مع نظام تسجيل نقاط أكثر تعقيداً بعض الشيء، بدون أن ندخل في التفاصيل. وعلى الرغم من أن قواعد اللعبة هي نفسها على مستوى العالم، إلا أن الطريقة التي تطورت بها الثقافة المحيطة باللعبة مختلفة تماماً في البلدان النامية شبه القارية مقارنةً ببلدان مثل إنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا.

فعلى سبيل المثال، في إنجلترا، ترتبط لعبة الكريكيت بالطبقة العليا المترفة، بينما في آسيا، تعتبر لعبة الكريكيت رياضة الجماهير، أي عامة الناس. في مومباي في الهند مثلاً، حيث المساحات الخضراء قليلة ومتباعدة، توقع أن تجد الأطفال (والبالغين) يلعبون الكريكيت على أي شبر مربع مما كان عشباً في السابق. وليست الهند وحدها هي التي تتباهى بشغفها الشديد برياضة الكريكيت، بل إن الدول المجاورة لها كذلك. في الواقع، من بين الدول العشرة الأوائل في تصنيف الدول العشر الأوائل في لعبة الرجال، تحتل دول شبه القارة الهندية وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا وأفغانستان نصف المراكز.

يؤثر هذا الطلب على سوق معدات الكريكيت، وقد تسبب مؤخراً في مشاكل على المستوى الشعبي في جميع أنحاء العالم. وهي أزمة مدفوعة بنقص في خشب الصفصاف، وهو الخشب المستخدم في صناعة مضارب الكريكيت ”الرسمية“.

نبذة تاريخية عن مضارب الكريكيت:

في التنس كانت المضارب الخشبية هي السائدة إلى أن ظهرت بدائل معدنية أخف وزناً وأرخص ثمناً في السوق. في البيسبول، على الرغم من أن الخشب لا يزال يُستخدم في المضارب على أعلى مستوى، إلا أن ما يقرب من 95% من المضارب المباعة مصنوعة من الألومنيوم.

ولكن مضارب الكريكيت تُصنع من خشب الصفصاف الإنجليزي. وعلى الرغم من وجود مضارب مصنوعة من البلاستيك، إلا أنه من المقبول على نطاق واسع أنها مخصصة للأطفال فقط، حيث يختار أي شخص جاد ولو قليلاً في اللعبة مضرب الصفصاف.

تقليدياً، ينمو الصفصاف الإنجليزي في إنجلترا. تحب الشجرة مزيجاً من درجة الحرارة والرطوبة التي يمكن العثور عليها هناك. ثم تُصنع هذه المضارب يدوياً في البلدان ذات العمالة الرخيصة، ومعظمها في الهند أو باكستان. وعلى الرغم من ذلك، فإنها باهظة الثمن للغاية، بسبب الندرة المتزايدة للصفصاف الإنجليزي، وتباع القطعة الواحدة منها بأكثر من 200 دولار في الهند، البلد الذي تُصنع فيه.

ومع ذلك، كان لدى الإنجليز بعد نظر لزراعة أشجار الصفصاف في الهند قبل طردهم من البلاد في عام 1947. ولم يكن بالإمكان القيام بذلك إلا في أقصى شمال البلاد، في كشمير، حيث كان المناخ الأكثر تشابهًا مع إنجلترا. وهكذا نمت أشجار الصفصاف في كشمير لتوفير خشب مضارب الكريكيت لتلبية الكثير من الطلب المحلي في آسيا، وهي سوق كانت أسعارها منخفضة بالنسبة للمضارب المصنوعة من الصفصاف الإنجليزي. ولكن كان يُنظر دائماً إلى المضارب المصنوعة من صفصاف كشمير على أنها أقل جودة من تلك المصنوعة من الصفصاف الإنجليزي.

ولكن كل ذلك تغير الآن. فمع تنامي ثروة الهنود واهتمامهم المتزايد برياضة الكريكيت في جميع أنحاء العالم بسبب التغييرات التي طرأت على الأشكال والتمويل، أصبح الطلب على معدات الكريكيت، وخاصة المضارب، أعلى من أي وقت مضى. أُنتج أكثر من ثلاثة ملايين مضرب كريكيت في عام 2023 في كشمير وحدها، مدعوماً بقبولها واستخدامها من قبل لاعبي الكريكيت الدوليين في البطولات الأخيرة.

مشاكل تلوح في الأفق:

ولكن ما كل شيء يسير على ما يرام؛ فالمناخ المتغير يسبب زيادات سريعة في متوسط درجات الحرارة في كشمير والأجزاء الشمالية من الهند. ويتسبب عدم الاستقرار وفقدان المحاصيل الناجم عن ذلك في تحول المزارع من أشجار الصفصاف (التي تستغرق 15-20 سنة لتنمو) إلى أشجار ذات فترات نمو أقصر ومجموعة متنوعة من الاستخدامات، مثل الحور (الذي يستخدم في الخشب الرقائقي وأعواد الثقاب، على سبيل المثال).

ويتسبب هذا الأمر في نقص حاد في الصفصاف المستخدم في مضارب الكريكيت الأكثر فعالية من حيث التكلفة، وهو أمر حيوي للغاية بالنسبة للأشخاص المهووسين بالكريكت في جنوب آسيا، الذين لا يملكون الدخل المتاح لنظرائهم في إنجلترا أو أستراليا.

ولتوضيح الأمر، يُباع مضرب الكريكيت المصنوع من الصفصاف الإنجليزي بسعر يتراوح بين 300 و1000 دولار أمريكي، بينما يُباع مضرب الكريكيت المصنوع من الصفصاف الكشميري بسعر يتراوح بين 40 و60 دولارًا في نفس السوق. ولذلك كانت هناك زيادة في صادرات صفصاف كشمير إلى المملكة المتحدة وبلدان أخرى أكثر ثراءً، حيث يتم تصدير أكثر من 200,000 منها سنوياً الآن. وبما أن الصادرات هي الأكثر ربحاً، فقد كان النقص هو الأكثر تأثيراً على الطلب المحلي، لأنه سبب ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 600% على مدى ثلاثين عامًا (من 6 دولارات في أوائل تسعينيات القرن الماضي إلى 35 دولارًا حاليًا. وهذا ما يجعل من الصعب للغاية على معظم الناس تحمل تكاليفها دون تقديم تضحيات في أماكن أخرى.

ما الذي يخبئه المستقبل لمضارب الكريكيت؟

كيف ستتعامل الرياضة مع هذه الأزمة القادمة؟ تتمثل إحدى الأفكار في استخدام مادة مختلفة للمضارب. فقد كانت هناك محاولات لصنع مضارب من الخيزران المضغوط، والذي ينمو بشكل أسرع بكثير. ولكن مضارب الخيزران لا تزال غير قانونية في المسابقات.

تحتاج مضارب الكريكيت أيضاً إلى الاستبدال بشكل متكرر، وهذا يعتمد بالطبع على مدى استخدامك لها. وعادةً ما تستمر ضمانات الشركات المصنعة لمدة عام واحد فقط، على الرغم من أن اللاعبين على مستوى الأندية والمستويات الدولية يستبدلون مضاربهم بعد بضعة أيام بسبب كثرة استخدامها.

الخاتمة:

لقد خطت هذه الرياضة خطوات واسعة في السنوات الأخيرة لجعل اللعبة أكثر شمولاً، وعلى الأخص من خلال الاستثمار في الفرق والبطولات النسائية، ولكن ما الذي يمكن أن تفعله في مواجهة النقص الطبيعي الذي يؤثر على المناخ؟

ربما ستسير اللعبة في طريق البيسبول، مع استبدال المواد البديلة بالخشب التقليدي في المستويات الأدنى. ربما سيتم تطبيق تكنولوجيا لإعادة التدوير أو جعل المضارب تدوم لفترة أطول. المستقبل هو الذي سيحسم اتجاه التغيير.