بسكرة، المدينة التي تُلقب بـ"بوابة الصحراء"، لا تشبه أي مكان آخر في الجزائر. فهي ليست مجرد مدينة تقع عند سفوح جبال الأوراس، بل هي واحة ساحرة تنبض بالحياة وسط القفار. يتقاطع فيها التاريخ مع الطبيعة، حيث تمتد غابات النخيل، وتتفجر الينابيع الساخنة من أعماق الأرض، وتعبق الأجواء بعبير الماضي وثقافة الجنوب الغنية.
لمن يبحث عن تجربة سفر فريدة تدمج بين الاسترخاء، المغامرة، والتاريخ، فإن بسكرة تقدم كل هذا وأكثر.
يُعد النخيل رمزًا خالدًا لبسكرة، فهو لا يغيب عن أي مشهد طبيعي فيها. تنتشر واحات النخيل بكثافة، حيث تمتد أشجارها باسقة لتصنع مشاهد خلابة تجمع بين الخُضرة ورمال الصحراء الذهبية. وتشتهر بسكرة بإنتاجها لواحدة من أجود أنواع التمر في العالم: تمر دقلة نور، والذي لا يزال يُصدّر إلى مختلف أنحاء العالم.
تجربة التجوال بين نخيل بسكرة ليست مجرد نزهة، بل هي فرصة لاكتشاف ثقافة زراعية عمرها مئات السنين، حيث ما زال الفلاحون يستخدمون تقنيات تقليدية في رعاية النخيل وجني ثماره.
بسكرة غنية بالينابيع الحارة ذات الفوائد العلاجية، وتجتذب هذه العيون الطبيعية الزوار من جميع أنحاء البلاد. أشهر هذه الينابيع:
حمام الصالحين: يقع في بلدية الحامة، ويعد من أقدم الحمامات في الجزائر. مياهه الكبريتية الدافئة مثالية لعلاج الروماتيزم، أمراض الجلد، والتعب العضلي.
عين الناقة وعين بن عزوز: تتميز بدرجات حرارة متفاوتة وتحيط بها مناظر طبيعية ساحرة.
زيارة هذه الحمامات لا تقتصر على الجانب العلاجي فقط، بل تمنح الزائرين تجربة استرخاء فريدة وسط أجواء هادئة وخلابة.
عرفت بسكرة تعاقب حضارات عدة، ما زالت آثارها ماثلة إلى اليوم. الرومان تركوا بصماتهم في بعض المعالم، ولا تزال بعض البنايات القديمة في الحامة وجبال الأوراس تشهد على وجودهم. كما مرّ بها العرب المسلمون، فازدهرت في العصر الإسلامي، وخاصة خلال حكم الحفصيين.
داخل المدينة، يمكن للزائر أن يستكشف القصبة القديمة، حيث الأزقة الضيقة، والبيوت المبنية من الطين، والأبواب الخشبية المزخرفة. إنها مساحة تحفظ نبض الحياة التقليدية وتعكس روح الجنوب الجزائري. الجلوس في أحد المقاهي الشعبية هناك هو تجربة لا تقدر بثمن، حيث يمتزج صوت الشاي المغلي مع حكايات الكبار عن أيام زمان.
يحب المسافرون خوض مغامرات قصيرة بين واحات بسكرة، حيث يمكن استئجار خيول أو جمال والانطلاق في رحلة عبر الرمال والنخيل، مع توقفات لالتقاط الصور أو تناول وجبات تقليدية في خيم بدوية. إنها تجربة فريدة تشبه رحلات الأسلاف عبر الصحراء.
محبو الطبيعة والمغامرة يمكنهم التوجه إلى سفوح جبال الأوراس القريبة، حيث تنتظرهم مناظر بانورامية ومسارات مشي طويلة بين الصخور والمغارات. الشتاء معتدل، والربيع يزهر في هذه المنطقة، ما يجعلها مثالية للتنزه واستكشاف الحياة البرية والنباتات المحلية.
تزخر بسكرة بعدد من الزوايا الصوفية القديمة مثل زاوية الهامل، التي كانت ولا تزال مركزًا دينيًا وتعليميًا يقصده الزوار للتأمل والاطلاع على التراث الروحي للمنطقة. كما توجد أضرحة بعض الأولياء الذين لهم مكانة خاصة في ذاكرة السكان المحليين.
الطعام في بسكرة يعكس تنوع البيئة المحلية وثراء الثقافة. أبرز الأطباق التي يُنصح بتجربتها:
بالإضافة إلى ذلك، لا تفوّت فرصة تذوق التمر الطازج مباشرة من المزرعة، خاصة في موسم الجني (أواخر الصيف إلى بداية الخريف).
يُعد من أهم الفعاليات التي تقام سنويًا في بسكرة، ويجمع بين العارضين، الفلاحين، والصناعات المحلية المرتبطة بالنخيل. يُقدم فيه الزوار مختلف أنواع التمور، بالإضافة إلى عروض فنية تقليدية وندوات ثقافية.
تنظم البلديات المحلية مهرجانات موسيقية وثقافية طوال السنة، حيث يمكن مشاهدة عروض الفرق الشعبية، رقصات الدبكة، الشعر الملحون، وفنون الأمازيغ والعرب الذين يشكلون فسيفساء ثقافية في بسكرة.
أفضل الأوقات لزيارة بسكرة هي بين أكتوبر وأبريل، حين يكون الجو معتدلاً والأجواء مثالية للتجول والاستمتاع بالينابيع الحارة. أما في الصيف، فقد ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير، ما يجعل التجول في فترات النهار مرهقًا، وإن كانت الينابيع والمسابح تظل خيارًا مناسبًا.
بسكرة متصلة بشكل جيد بباقي مناطق الجزائر، ويمكن الوصول إليها:
بسكرة ليست فقط مدينة، بل تجربة حسية وروحية متكاملة. إنها وجهة تجمع بين الجمال الطبيعي، الغنى الثقافي، والهدوء النفسي. سواء كنت تبحث عن مغامرة في الصحراء، أو عن استرخاء في الينابيع، أو تود استكشاف التراث العريق، فإن بسكرة تفتح لك أبوابها بكل دفء.
في زمن تتشابه فيه الكثير من الوجهات السياحية، تبقى بسكرة متفردة، تهمس في أذنك بلغة النخيل، وتدلك على دروب الراحة والتجدد.
هل فكرت يومًا أن تكون وجهتك القادمة هي بسكرة؟ بعد هذا المقال، قد يكون الوقت قد حان لحزم حقائبك والانطلاق إلى واحة الجزائر الساحرة.
كيف بُنيت الأهرامات: لغز تم حله أخيرًا؟
جمال المصري
سوق eSIM في الشرق الأوسط ينمو 20٪ مع ازدهار السفر والتكنولوجيا
حمزه
مباني تاريخية جميلة في دمشق
عبد الله المقدسي
العقل العقلاني والقلب الحدسي: اتخاذ قرار حاسم في الحياة
عبد الله المقدسي
انخفاض الغطاء السحابي يسرع من ارتفاع درجة حرارة الأرض
جمال المصري
منطقة حائل في السعودية تكشف عن 23 فرصة استثمارية لتحفيز النمو الاقتصادي
حكيم مرعشلي
الصيام في رمضان مع مراعاة الصحة في الوقت نفسه
شيماء محمود
ستاربكس تتوسع في الشرق الأوسط بـ 500 فرع جديد وتوفر 5,000 وظيفة
حمزه
ازدحام جوي: تزايد حركة إطلاق الصواريخ في منصات إطلاق الصواريخ الأمريكية
جمال المصري
بلوفديف: اكتشف أقدم مدينة مأهولة في أوروبا وسحرها الثقافي
ياسر السايح