button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

سوق الحرف التقليدية في أبوظبي: صناعة بأصابع محلية

ADVERTISEMENT

عبق التراث في قلب العاصمة

في قلب أبوظبي، بعيدًا عن ناطحات السحاب ومراكز التسوق الفاخرة، ينبض مكان يحمل رائحة الماضي ونبض الحاضر: سوق الحرف التقليدية. هو أكثر من مجرد سوق، إنه متحف حيّ مفتوح، يمشي فيه الزائر بين أكشاك تروي حكايات الجدّات والجدود، وتتزين بجمال ما صنعته الأيادي الإماراتية عبر قرون.

في هذا السوق، لا تباع المنتجات فحسب، بل تُعرض الهوية، وتُحفظ الذاكرة، وتُروى القصص. كل قطعة تُعرض على طاولة صغيرة تمثل مهنة قديمة، وكل نقش على الفخار أو تطريز على قماش يحمل سرًا عائليًا انتقل من جيل إلى جيل.

الحرفة روح لا تنطفئ

أكثر ما يميز السوق هو الأصالة التي تُشع من كل زاوية. تجد النساء الجالسات بهدوء خلف منصاتهن وهنّ يطرزن بدقة، أو يصنعن سلال الخوص بحركات متكررة ومتقنة، وكأن الزمن توقف عندهن. تجد رجالًا يُعيدون تشكيل الفخار بعناية، ويشرحون لك كيف كانت الأواني تُستخدم لحفظ اللبن أو الماء، ويُظهرون لك فرق الصوت في كل نوع من الفخار المصنوع يدويًا.

ADVERTISEMENT

هؤلاء الحرفيون ليسوا مجرّد باعة، بل هم فنانون، وكل واحد منهم هو حارس الفن تقليدي. الأهم من ذلك، أنهم جميعًا يفتخرون بأن ما يصنعونه ليس مستوردًا، بل "صنع في الإمارات، بأيدٍ إماراتية".

الحرفة تلتقي بالحداثة

رغم أن السوق مستوحى من الطابع التراثي، إلا أنه لا ينفصل عن الحاضر. كثير من الحرف تطورت لتتناسب مع الذوق العصري. تجد مشغولات تقليدية بلمسة حديثة: حقائب من السدو بألوان معاصرة، عطور تقليدية تُقدّم بتغليف فاخر، وفناجين قهوة من الفخار نقش عليها بخط عربي حديث.

الشباب والشابات الإماراتيون الذين يزورون السوق لا يفعلون ذلك بدافع الحنين فقط، بل بدافع الفخر. فهم يقتنون منتجات السوق لارتدائها في حياتهم اليومية، أو لتقديمها كهدايا، أو حتى لبيعها إلكترونيًا عبر مشاريع صغيرة ناشئة.

ADVERTISEMENT

المدرسة التي لا تدرّس في الكتب

السوق ليس مجرد مكان لشراء الحرف، بل هو أيضًا مدرسة مفتوحة. فيه يتعلّم الأطفال كيف كانوا أجدادهم يعيشون، كيف كانوا يعملون بأيديهم، وكيف كان كل شيء يُصنع بشغف وصبر. بعض الأركان في السوق مخصصة لتعليم الأطفال هذه الحرف: من تشكيل الطين إلى نقش الحناء وصناعة الدخون.

الابتسامة التي تراها على وجه الطفل بعد أن يصنع شيئًا بيده، لا تُقدّر بثمن. تلك اللحظة هي بذرة ارتباط حقيقية مع الهوية، لا تزرعها الكتب، بل يزرعها التفاعل مع اليد والتراب واللون والرائحة.

الاستثمار في الماضي للمستقبل

الجميل أن حكومة أبوظبي ومؤسساتها الثقافية لم تغفل عن أهمية هذه السوق. هناك دعم حقيقي للحرفيين، من خلال تخصيص أماكن مجانية للبيع، وتوفير المواد الأولية، وتنظيم مهرجانات وفعاليات تُنعش السوق وتستقطب السياح.

ADVERTISEMENT

السياح الذين يزورون السوق لا يشترون فقط منتجات، بل يشترون تجربة. يقفون يتأملون الحرفيات وهنّ يعملن، يلتقطون الصور، ويعودون لبلادهم وهم يحملون قطعة من تراث الإمارات، صنعتها أنامل محلية.

الختام: أصابع تنسج ذاكرة وطن

في سوق الحرف التقليدية في أبوظبي، لا تباع البضائع فقط… بل تُباع الحكايات، وتُصاغ الذكريات، وتُغزل الهويّة. إنه المكان الذي تلتقي فيه صلابة اليد الإماراتية بدفء الذاكرة، ليخرج منها منتج يملأ العين والقلب.

وكلما حملت في يدك سلة خوص أو وعاء فخار أو قطعة سدو… تذكّر أن خلفها يدًا تحكي، وعينًا تتقن، وقلبًا ما زال ينبض بحب الوطن.

toTop