button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

اكتشف علماء الفلك ثقبًا أسودًا فائق القوة يتوهج بما يعادل 10 تريليون شمس مضاءة بتوهج الانفجار العظيم

ADVERTISEMENT

اكتشف علماء الفلك مؤخرًا نجمين عملاقين كونيين يُعيدان تشكيل فهمنا للكون المبكر. فباستخدام مرصد تشاندرا للأشعة السينية التابع لناسا ومصفوفة كارل جي. جانسكي الكبيرة جدًا (VLA)، رصد الباحثون نفثات أشعة سينية فائقة القوة تنبعث من ثقبين أسودين فائقي الكتلة، كل منهما يُشعّ بكثافة تعادل 10 تريليونات شمس. وما يزيد هذا الاكتشاف إثارةً للدهشة هو أن هذه النفثات ليست مرئيةً فقط بسبب طاقتها المُنتَجة، بل لأنها مُضاءةٌ بتوهج الانفجار العظيم - إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB). يقع هذان الثقبان الأسودان في الكوازارات J1610+1811 وJ1405+0415، الواقعتين على بُعد حوالي 11.6 و11.7 مليار سنة ضوئية، على التوالي. هذا يعني أننا نرصدها كما كانت عندما كان عمر الكون 3 مليارات سنة فقط - وهي فترة تُعرف باسم "الظهيرة الكونية"، عندما كانت المجرات وثقوبها السوداء المركزية تنمو بسرعة فائقة. يمتد كل نفث لمسافة مذهلة تبلغ 300,000 سنة ضوئية، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف قطر مجرة درب التبانة. يجعل حجمها وسطوعها من بين أقوى وأقدم الهياكل التي رُصدت على الإطلاق.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة NASA Hubble Space Telescope على unsplash

إضاءة الخلفية الكونية الميكروية

يكمن مفتاح اكتشاف هذه النفثات في تفاعل ملحوظ بين المادة وأقدم ضوء في الكون. إشعاع الخلفية الكونية الميكروي هو الإشعاع المتبقي الخافت المتبقي من الانفجار العظيم، وهو بحر من الفوتونات منخفضة الطاقة التي ملأت الكون بعد أن برد الكون بما يكفي لينتقل الضوء بحرية. في الوقت الذي تشكلت فيه هذه النفثات، كانت الخلفية الكونية الميكروية أكثر كثافة وطاقة مما هي عليه اليوم. عندما اندفعت الإلكترونات في النفثات نحو الخارج بسرعة تتراوح بين 92% و99% من سرعة الضوء، اصطدمت بفوتونات الخلفية الكونية الميكروية. هذه العملية، المعروفة باسم تشتت كومبتون العكسي، دفعت الفوتونات إلى نطاق الأشعة السينية، مما جعلها مرئية لأدوات تشاندرا. في جوهرها، تُحوّل هذه الثقوب السوداء ضوء الكون الأول إلى أشعة عالية الطاقة، مما يسمح لنا برؤية الماضي عبر مليارات السنين الضوئية. تُفسر هذه الآلية أيضًا سبب بقاء النفاثات مرئية على الرغم من قربها من نوى الكوازارات المبهرة. وكما وصفها عالم الفيزياء الفلكية جايا مايثيل: "يشبه الأمر البحث عن ضوء شمعة بالقرب من مصباح يدوي يتوهج نحونا". يمنح وهج الأشعة السينية للنفاثات، المُضخّم بواسطة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، علماء الفلك فرصة نادرة لدراسة نشاط الثقوب السوداء في بدايات الكون.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة NASA Hubble Space Telescope على unsplash

الكوازارات ككبسولات زمنية كونية

تُعد الكوازارات من ألمع الأجرام وأكثرها طاقة في الكون، مدفوعةً بثقوب سوداء فائقة الكتلة تتغذى بنشاط على المادة المحيطة بها. مع اندفاع الغاز والغبار نحو الثقب الأسود، ترتفع درجة حرارتها وتُصدر إشعاعات كثيفة تشكل واحدة من أكثر الظواهر إشراقًا في السماء. في بعض الحالات، تُطلق هذه العملية أيضًا نفثات من الجسيمات بسرعات قريبة من الضوء، تمتد إلى ما هو أبعد من مجراتها المضيفة، مخترقةً الفضاء بين المجرات بعنفوان لا يضاهى. الكوازارات في هذه الدراسة – J1610+1811 وJ1405+0415 – ليست مجرد مصادر طاقة خارقة، بل هي أيضًا كبسولات زمنية كونية تسمح للعلماء بالغوص في ماضٍ بعيد. يتيح رصدها إلقاء نظرة مباشرة على حقبة تكوينية للكون، عندما كانت المجرات تتجمع والثقوب السوداء تنمو بسرعة مذهلة. من خلال دراسة كيفية تفاعل هذه النفثات مع بيئتها المحيطة، يمكن للباحثين فهم كيفية تأثير الثقوب السوداء على تكوين المجرات وتطورها البنيوي بشكل أفضل. تحمل النفثة الصادرة من J1610+1811 وحدها ما يقارب نصف طاقة الضوء المنبعث من المادة الحلزونية نحو الثقب الأسود، وهي ناتجة مذهلة تُبرز القوة الهائلة لهذه المحركات القديمة التي تعمل منذ عصور كونية سحيقة. في الوقت نفسه، تُضاهي النفثة الصادرة من J1405+0415 هذه القوة، حيث تنتقل جسيماتها بسرعة تتراوح بين 95% و99% من سرعة الضوء. تشير هذه النتائج إلى أن الثقوب السوداء في الكون المبكر ربما كانت أكثر نشاطًا وتأثيرًا على بيئاتها من أي تقديرات سابقة، مما يدعونا لإعادة التفكير في دورها الأساسي في تشكيل البنية الكونية الكبرى.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Aman Pal على unsplash

آفاق جديدة في الفيزياء الفلكية عالية الطاقة

هذا الاكتشاف أكثر من مجرد فضول علمي، بل يُمثل قفزة نوعية في الفيزياء الفلكية عالية الطاقة. يُظهر أن الثقوب السوداء في الكون المبكر كانت قادرة على إطلاق نفثات قوية لدرجة أنها تظل مرئية عبر الخلجان الكونية، بفضل تفاعلها مع إشعاع الخلفية الكونية الميكروي. هذه النفثات ليست مجرد آثار لنشاط قديم، بل هي أيضًا مُشاركة فعّالة في تشكيل بيئاتها المجرية، وربما في كبح أو تعزيز تكوين النجوم في تلك المناطق. وتداعيات ذلك عميقة، إذ قد تغير فهمنا لدور الثقوب السوداء في رسم ملامح الكون المرئي. مع استمرار تمدد الكون وتلاشي إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، ستصبح مثل هذه الملاحظات نادرة بشكل متزايد، مما يُعزز قيمة كل اكتشاف جديد باعتباره نافذة نادرة إلى مراحل مبكرة من عمر الكون. تؤكد النتائج، التي تم قبولها للنشر في مجلة الفيزياء الفلكية، على أهمية الجمع بين بيانات الأشعة السينية والراديو للكشف عن الديناميكيات الخفية للثقوب السوداء. علاوة على ذلك، يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة للاستكشاف. يمكن للبعثات المستقبلية إعطاء الأولوية لرصد الأطوال الموجية الطويلة للكوازارات البعيدة، باستخدام أدوات مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي ومراصد الأشعة السينية من الجيل التالي، وربما تطوير أجهزة مخصصة لرصد آثار التفاعل بين النفاثات الكونية وإشعاع الخلفية بدقة أعلى. من خلال دراسة المزيد من هذه النفاثات القديمة، يأمل علماء الفلك في تحسين نماذج نمو الثقوب السوداء وتكوين النفاثات ودور التغذية الراجعة في تطور المجرات. وكما أشار مايثيل، "هذه الكوازارات أشبه بكبسولات زمنية كونية. إذا فهمناها، يمكننا أن نفهم كيف كانت تؤثر على نمو مجراتها والبيئة التي كانت تعيش فيها". وبعبارة أخرى، هذه النفاثات ليست مذهلة فحسب، بل هي أدلة أساسية في قصة نشأة الكون وتاريخه المبكر.

toTop