الزمن بُعد، لكنه ليس كالمكان

إن نسيج الزمكان (الزمن والمكان) رباعي الأبعاد، حيث يمثل الفضاء ثلاثة أبعاد، بينما يمثل الزمن بعدًا واحدًا فقط. ولكن الزمن يختلف تمامًا عن المكان. نستعرض في هذه المقالة مفهوم الزمكان، والفرق بين مكوّنيه: الزمن والمكان.

النظرية النسبية الخاصة:

وفقًا لنسبية أينشتاين، فإن الزمن والمكان ليسا كميتين مطلقتين يتفق عليهما جميع المراقبين، بل يعتمدان نسبيًا على حركة المراقب. وعلى الرغم من أن الرياضيات التي تحكم كليهما واضحة، إلا أن هناك بعض الطرق المهمة التي يختلف بها الزمن بشكل أساسي عن المكان. نعم، الزمن بُعد، لكنه ليس مثل الأبعاد الأخرى.

عندما يتعلق الأمر بالأبعاد، يفهم معظمنا بشكل حدسي فكرة أن الفضاء له أبعاد. يمكنك التحرك بأية جهة تريدها، وبأي مقدار تريده في أي من الأبعاد الثلاثة - لأعلى ولأسفل، أو لليسار ولليمين، أو للأمام وللخلف. ولهذا السبب، إذا أردت رسم مسار يصف أقصر مسافة بين أي نقطتين، فإنك ستعطي نفس الإجابة التي أعطاها أرخميدس قبل أكثر من 2000 عام: خط مستقيم. إذا أخذت ورقة مستوية ووضعت عليها نقطتين في أي مكان على الإطلاق، أمكنك وصل هاتين النقطتين بأي خط أو منحنى أو مسار هندسي يمكنك تخيله. وطالما بقيت الورقة مستوية وغير منحنية بأي شكل من الأشكال، فإن الخط المستقيم الذي يربط هاتين النقطتين سيمثل أقصر مسار ممكن. تصف هذه الإجابة البديهية بشكل صحيح كيف تعمل الأبعاد الثلاثة للفضاء في كوننا، وسنبدأ بالمستوي.

في المستوي، أقصر مسافة بين أي نقطتين هي خط مستقيم. وهذا صحيح بغض النظر عن كيفية تدوير أو توجيه أو وضع هاتين النقطتين. ولكن كوننا لا يمتلك ببساطة الأبعاد الثلاثة المألوفة للفضاء، بل يمتلك أربعة أبعاد للزمكان. من السهل أن ننظر إلى هذا ونقول، "حسنًا، ثلاثة منها هي الفضاء والرابع هو الزمن، ومن هنا نحصل على الزمكان"؛ وهذا صحيح، لكنه ليس كل شيء. ففي نهاية المطاف، إن أقصر مسافة بين حدثين في الزمكان ليست خطًا مستقيمًا على الإطلاق.

متى أدركت لأول مرة أن أقصر مسافة تربط بين أي نقطتين في الفضاء ستكون خطًا مستقيمًا؟ يتعلم معظمنا ذلك منذ الطفولة: عبور منطقة عشبية للقاء صديق أو أحد أفراد الأسرة، بدلاً من البقاء على المسارات أو الأرصفة (ذات الزوايا القائمة غالبًا) التي تتطلب وقتًا أطول وخطوات أكثر لعبورها. في الواقع، يأتي هذا الإدراك، فيما يتعلق بالمعرفة البشرية، من نظرية فيثاغورس.

نظرية فيثاغورس:

ربما تتذكر نظرية فيثاغورس في المثلثات القائمة، حيث تشير إلى أنه إذا قمت بتربيع كل من الضلعين القائمتين في مثلث قائم (a و b) وجمعتهما معًا، فإن ذلك يساوي مربع الوتر، أي الضلع الطويل (c)، وهو أقصر من مجموع a و b. وهذا يعني أنه إذا تحركت عبر أحد أبعادك المكانية بمقدار معين، ثم تحركت عبر بُعد مختلف عمودي بمقدار آخر، فإن المسافة بين حيث بدأت والمكان الذي انتهيت إليه أقصر من مجموع المسافتين العموديتين. وهذا لأن الجميع يتفق في جميع المواقع، وفي جميع الأوقات، وبغض النظر عن الحركة، على نفس جملة الإحداثيات.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

يمكننا بسهولة تعميم هذه العلاقة بين الأبعاد إلى الفضاء ثلاثي الأبعاد. إذا تحركت نقطة مقدار x في اتجاه، ومقدار y في الاتجاه العمودي عليه، ومقدار z في الاتجاه الثالث، العمودي على الاتجاهين السابقين، فستكون قد قطعت مسافة تساوي الجذر التربيعي لمجموع مربعات المسافات المقطوعة، أي: d = √(x² + y² + z²)، تمامًا مثل نظرية فيثاغورس.

والزمن؟

ولكن ماذا سيحدث عندما نُدخل الزمن، كبُعد، في المعادلة؟ قد تفكر، "حسنًا، إذا كان الزمن مجرد بُعد أيضًا، فإن المسافة بين أي نقطتين في الزمكان ستعمل بنفس الطريقة" على سبيل المثال، إذا مثلنا بُعد الزمن على أنه t ، فقد تميل إلى الاعتقاد أن المسافة بين أي نقطتين ستكون الخط المستقيم الذي يربط بينهما بنفس الطريقة تمامًا: من خلال الأبعاد المكانية الثلاثة بالإضافة إلى بُعد الزمن. أي، رياضيًا، d = √(x² + y² + z²+ t²). فهذا هو نفس التغيير الذي أجريناه عندما انتقلنا من بعدين مكانيين إلى ثلاثة أبعاد مكانية، غير أننا هذه المرة ننتقل من ثلاثة أبعاد إلى أربعة أبعاد. تبدو خطوة معقولة للمحاولة، وهي تصف بالضبط كيف كان ليبدو الواقع لو كان لدينا أربعة أبعاد فضائية. ولكن حقيقة أن لدينا ثلاثة أبعاد فضائية وبُعدًا آخر للزمن تتطلب منا النظر إلى اللغز بشكل مختلف.

الفرق بينهما هو "الفرق":

صورة من wikimedia

هناك اختلافان أساسيان بين الزمن، باعتباره بُعداً، والأبعاد الفضائية. أولهما بسيط ولكنه واضح: لا يمكنك وضع الفضاء (الذي هو مقياس للمسافة، بوحدات مثل الأمتار) والزمن (الذي هو مقياس للزمن، بوحدات مثل الثواني أو السنوات) على قدم المساواة. يجب أن توجد طريقة ما لتحويل أحدهما إلى الآخر (في الحقيقة يمكن ذلك باستعمال ثابت أساسي هو سرعة الضوء في الخلاء).

ولكن هناك أيضاً اختلافًا ثانيًا جوهرياً بين الزمن والمكان. وهذا الاختلاف الثاني يتطلب قفزة هائلة لفهمه. والواقع أن هذا الاختلاف أفلت من عقول العديد من أعظم العقول في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وفكرته الأساسية هي أن كل الأشياء تتحرك عبر الزمن، حتى لو كانت ثابتة في مكانها. وعلاوة على ذلك، يتبين أنه كلما زادت سرعة حركتك عبر الفضاء، كانت حركتك عبر الزمن أبطأ. لا يوجد بعد آخر يتمتع بهذه الخاصّة؛ فالأبعاد المكانية ليست كذلك على الإطلاق. وهذا هو السبب الأساسي وراء أنك عندما تتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء، تبدأ في تجربة ظواهر مثل تمدد الزمن وتقلّص الأطوال.

إذا تعاملنا مع الزمن باعتباره بُعداً، وضربناه بسرعة الضوء، وتعاملنا معه كما لو كان كمية رياضية تخيلية، وليس كمية حقيقية، استطعنا أن نحدد مجالًا زمكانيًا، بنفس الطريقة التي حددنا بها فاصل المسافة في وقت سابق. ولكن بدلاً من إضافة الحدّ "+ t²" إلى المعادلة لتحديد فاصل زمكاني رباعي الأبعاد، علينا أن نطرح الحدّ المرتبط بالزمن (مع عامل التحويل المرتبط بسرعة الضوء)، ومن ثمّ يصبح المجال الزمكانية: d = √(x² + y² + z² - c² t²).

في الحقيقة، من أنجز هذا البناء الرياضي هو مينكوفسكي، أستاذ أينشتاين السابق. ولكن التفسير الفيزيائي العميق الذي لم ينتبه له أحد قبل أينشتاين، والذي منحه شهرته العالمية هو أن المقدار الثابت الوحيد ليس المسافة وليس الزمن، بل هو المجال الزمكاني، بالإضافة إلى ثبات سرعة الضوء.

المزيد من المقالات