يُعتبر تاريخ البيتزا من المواضيع التي تثير اهتمام محبي الطعام حول العالم، إذ تتسم البيتزا بمذاقٍ لذيذ وتنوع كبير، مما جعلها إحدى أكثر الأكلات شهرةً وانتشارًا عالميًا. تُعد البيتزا بشكل أساسي طبقًا مكونًا من عجينة، صلصة، وطبقة متنوعة من الإضافات، وتتميز بتنوع مكوناتها حسب الثقافة والموقع الجغرافي. ورغم أن البيتزا ترتبط بشكلٍ وثيق بإيطاليا، وتحديدًا بمدينة نابولي، إلا أن هناك روايات أخرى تدعي أن أصولها قد تكون مستمدة من الصين. هذا التنافس بين إيطاليا والصين حول ملكية تاريخ البيتزا أثار فضول المؤرخين وعشاق الطهي على حدٍ سواء، فأيُّ منهما أتى بهذا الطبق الشهي أولًا؟ سنستعرض في هذا المقال أصول البيتزا، وتطورها عبر الزمن، بالإضافة إلى أبرز التأثيرات التي جعلتها واحدة من الأطباق الأكثر شهرةً.

تعود أصول البيتزا إلى عصور قديمة قبل الميلاد، حيث كان الناس يصنعون نوعًا من الخبز المسطح ويضعون فوقه مكونات متنوعة لتناوله كوجبةٍ سريعة. ويُعتقد أن الفراعنة في مصر القديمة كانوا من أوائل الشعوب التي استخدمت عجينة الخبز المسطح، حيث تم طهيها ووضعوا عليها إضافات بسيطة مثل الزيتون والتوابل. أما في اليونان، فقد عُرفت العجينة المسطحة المضاف إليها الزيت والأعشاب، وهو ما يشبه البيتزا التي نعرفها اليوم.

في إيطاليا، تطورت هذه الأكلة لتصبح أكثر قربًا من الشكل الحالي للبيتزا، حيث استُخدمت الطماطم بعد وصولها من أمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر. وكان هذا التحول هو بداية شهرة البيتزا في نابولي، إذ أصبحت طبقًا شائعًا بين الفقراء الذين كانوا يستخدمون مكونات بسيطة ومتاحة كالبندورة، الجبن، والأعشاب. ويُعزى إلى نابولي تطوير هذا الطبق بشكلٍ أكبر ليصل إلى الشكل الذي نعرفه اليوم.

الصورة عبر Wikimedia Commons

مع بداية القرن الثامن عشر، أصبحت نابولي مركزًا لصناعة البيتزا الحديثة، حيث أبدع الطهاة في هذه المدينة الإيطالية في تطوير هذا الطبق الشعبي ليصبح مناسبًا لكافة الأذواق. يُعد "بيتزا مارغريتا" مثالًا على هذا الابتكار، ويقال إنه صُنع لأول مرة تكريمًا للملكة مارغريتا زوجة الملك الإيطالي أمبرتو الأول في عام 1889. وأصبح طبق "مارغريتا" رمزًا للبيتزا الإيطالية بمكوناته البسيطة من الطماطم، الريحان، وجبنة الموزاريلا، والتي تمثل ألوان العلم الإيطالي.

سرعان ما انتشرت البيتزا من نابولي إلى بقية المدن الإيطالية ثم إلى أوروبا وأمريكا الشمالية مع هجرة الإيطاليين. وانتشرت البيوتزا بشكل كبير في نيويورك، حيث بدأت المطاعم بتقديم البيتزا لتلبي احتياجات المجتمع الإيطالي المهاجر، وسرعان ما أصبحت وجبة شهيرة بين مختلف الطبقات الاجتماعية. واليوم، نجد أن نابولي تُعتبر عاصمة البيتزا في العالم، وتضم مئات المطاعم التي تتنافس في تقديم أشهى أنواع البيتزا الأصيلة.

الصورة عبر Wikimedia Commons

تشير بعض المصادر إلى أن أصول البيتزا قد تكون مرتبطة بالصين. تُروى قصة شهيرة بأن المستكشف الإيطالي ماركو بولو، عند عودته من رحلته إلى الصين في القرن الثالث عشر، قد جلب معه وصفات عديدة من الأطباق الصينية، منها طبق يشبه البيتزا، يُدعى "بان كيك البصل الأخضر". كان هذا الطبق عبارة عن عجينة مقلية محشوة بالخضروات، وتشير الأسطورة إلى أن الطهاة الإيطاليين في نابولي قد استوحوا من هذه الفكرة وطوّروا بيتزا ذات طابع إيطالي خالص باستخدام مكونات محلية.

ورغم أن هذه الرواية تُعتبر من القصص الأسطورية، إلا أنها تضفي طابعًا مشوقًا على تاريخ البيتزا. فقد يكون من غير المؤكد بشكل قاطع أن ماركو بولو هو من أحضر فكرة البيتزا إلى إيطاليا، ولكن انتشار الأساطير حول هذه الرواية يبرز الروابط الثقافية بين مختلف الحضارات وتأثيرها المتبادل في عالم الطهي.

الصورة عبر Wikimedia Commons

مع تقدم الوقت، خضعت البيتزا لتعديلات مستمرة، حيث أصبحت اليوم متوفرة بأشكال متنوعة حول العالم. ابتكر الطهاة في كل بلد طريقتهم الخاصة في إعداد البيتزا، بدءًا من إضافة اللحوم والأسماك إلى الخضروات والصلصات المتنوعة. في أمريكا، على سبيل المثال، أضاف الطهاة الأمريكيون مكونات مثل البيبروني، الفطر، والأناناس، مما أدى إلى نشوء "بيتزا هاواي" و"بيتزا البيبروني". كما انتقلت البيتزا إلى اليابان حيث يتم إضافة المأكولات البحرية، وفي الهند يتم إضافة التوابل الهندية الغنية.

لا يزال المطبخ النابولي يحافظ على تقاليده في صنع البيتزا بشكل أصيل، لكن التنوع في طرق إعداد البيتزا حول العالم يعكس قدرة هذا الطبق على التكيف مع مختلف الثقافات والأذواق. ويعتبر هذا التنوع أحد العوامل التي جعلت البيتزا طبقًا عالميًا يتمتع بشعبية كبيرة.

الصورة عبر unsplash

تعد البيتزا اليوم رمزًا للتنوع الثقافي والتاريخي في عالم الطهي، حيث تجمع بين الأصول الإيطالية وقصص الأساطير الصينية، مما يجعلها جزءًا من التراث العالمي للطعام. إن تطور البيتزا على مر العصور يعكس قدرة الطهاة على التكيف مع مختلف الظروف والإبداع في تحويل المكونات البسيطة إلى طبق شهي وشهير. سواء كانت البيتزا في شكلها التقليدي أو بنكهة حديثة، فإنها تظل طبقًا محببًا يجمع الناس حول العالم، وتمثل رمزًا لتبادل الثقافات والتأثيرات بين الشعوب.