المغرب والجزائر: أخوّة وتنافس وتعاون

يتقاسم المغرب والجزائر تاريخًا غنيًا ومتشابكًا كدولتين متجاورتين في شمال إفريقية. وتتشكل علاقتهما بفعل قرون من التراث المشترك. وفي حين لا يمكن إنكار بعض التنافسات الجيوسياسية والخلافات غير المحلولة، إلا أن الروابط الثقافية واللغوية والدينية، تبقى هي الجامعة بينهما. ويبقى التعاون ولحظات التضامن بينهما قائمًا، وهناك حالات ومجالات يحدث فيها التعاون أو حدث بالفعل، وغالبًا ما يكون مدفوعًا بالتحديات الإقليمية المشتركة. تبيّن هذه المقالة نظرة عامة على المجالات الرئيسية التي تعاون، ويتعاون فيها المغرب والجزائر.

1- التعاون في مجال الأمن الإقليمي:

لدى المغرب والجزائر مصلحة راسخة في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار في المغرب العربي. فهناك تهديدات مشتركة تتمثّل في الجماعات المتطرفة والفصائل الإرهابية، ما يشكل خطرًا على كلا البلدين. كما أن كلا البلدين يشاركان في المنتديات الإقليمية والدولية مثل شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى، ويتعاونان تحت رعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لمعالجة التهديدات الأمنية الإقليمية. وعلى الرغم من وضع الحدود البرّية الآن، تبادلت الدولتان معلومات استخباراتية ونسقتا عمليات أمن الحدود لمكافحة الاتجار بالمخدرات وتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر. إن الطبيعة المسامية للحدود تجعل مثل هذا التعاون أمرًا بالغ الأهمية.

2- المشاركة الدبلوماسية في المنظمات المتعددة الأطراف:

بصفتهما عضوين في جامعة الدول العربية، تتعاون المغرب والجزائر أحيانًا في قضايا عربية أوسع نطاقًا، مثل دعم الحقوق الفلسطينية، ومعالجة الأزمات الإقليمية. كما أن المغرب والجزائر عضوان نشطان في الاتحاد الإفريقي، وعلى الرغم من بعض الاختلافات، فإنهما تعملان على أولويات مشتركة في إطار الاتحاد الإفريقي، مثل التنمية الاقتصادية، ومبادرات مكافحة الإرهاب، ومشاريع البنية الأساسية. من جهة أخرى، تساهم الدولتان في المناقشات العالمية حول قضايا مثل تغير المناخ والطاقة المتجددة والتنمية المستدامة في إطار الأمم المتحدة. وقد أدت مخاوفهما المشتركة بشأن التصحر وندرة المياه إلى تعاون في هذا الإطار.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

3- التعاون التجاري والاقتصادي:

صورة من wikimedia

في حين أن التجارة البرية بين المغرب والجزائر ضئيلة حاليًا، كانت هناك محطّات عديدة من التعاون. فمثلًا في مجال الطاقة، كانت الجزائر تزوّد إسبانية بالغاز الطبيعي، حتى عام 2021، عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي الذي يمرّ عبر المغرب. وهذا وحده يُظهر كيف يمكن للضرورة الاقتصادية أن تدفع بالتعاون إلى الأمام.

ثمّ إن البلدين يتمتعان بإمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة؛ فالمغرب رائد في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في حين تتمتع الجزائر بموارد شمسية وفيرة، وفيها مشاريع عملاقة.

على الرغم من عدم وجود مشاريع مشتركة كبرى، إلا أن التحديات البيئية المشتركة يمكن أن تمهد الطريق للتعاون في المستقبل. على صعيد السياحة، كانت السياحة عبر الحدود هامة. وغالبًا ما كان المواطنون المغاربة والجزائريون يزورون بلدَي بعضهم البعض، منجذبين إلى الثقافة المشتركة والروابط الأسرية. وبينما تضاءل هذا المجال الاقتصادي الآن، فإن هناك دعوات لإعادة إحياء هذا الشكل من التعاون.

4- الروابط الثقافية والإنسانية:

صورة من pexels

غالبًا ما يتعاون الموسيقيون والكتاب وصنّاع الأفلام من المغرب والجزائر، ما يعكس التراث الثقافي المشترك. على سبيل المثال، يتم الاحتفال بموسيقى الراي، التي نشأت في الجزائر، ويتم أداؤها على نطاق واسع في المغرب. وغالبًا ما تتميز المهرجانات المشتركة، وخاصة تلك التي تركز على الموسيقى الأندلسية، بفنانين من كلا البلدين. من جهة الروابط بين الناس، انقسمت العديد من العائلات عبر الحدود بسبب الهجرة التاريخية والفترة الاستعمارية. ومع ذلك، فإن الروابط الأسرية والاجتماعية القوية تعزز التعاون غير الرسمي والتبادلات بين السكان.

5- إدارة الموارد البيئية والمائية:

تواجه كل من المغرب والجزائر تحدي التوسع في التصحر، والذي يهدد الزراعة وسبل العيش الريفية. وتشارك كلا الدولتين في مبادرة الجدار الأخضر العظيم، وهي مبادرة بقيادة الاتحاد الإفريقي لمكافحة التصحر في جميع أنحاء منطقة غرب إفريقية. توجد أيضًا مخاوف مشتركة بشأن ندرة المياه وتغير المناخ، وهي تؤدي إلى التعاون بين البلدين من خلال المنتديات الدولية والمبادرات الإقليمية. من جهة ثانية، فإن البلدين يعالجان بعض القضايا البيئية عبر الحدود، مثل إدارة موارد المياه الجوفية أو منع إزالة الغابات.

6- الاستجابة للأزمات والمساعدات الإنسانية:

على الرغم من بعض الخلافات السياسية، أظهرت المغرب والجزائر تضامنهما في أوقات الأزمات. ففي عام 2023، وفي أعقاب زلزال مدمر في جبال الأطلس المغربية، أعرب العديد من الجزائريين عن تعاطفهم، وعرضت الحكومة الجزائرية المساعدات الإنسانية. وبالمثل، قدمت المغرب تعازيها ودعمها خلال حرائق الغابات الجزائرية والكوارث الأخرى. من جهة أخرى، واستجابة للوباء خلال جائحة كوفيد-19، شاركت الدولتان في الجهود الإقليمية لإدارة الأزمة الصحية، وخاصة من خلال المبادرات التي يقودها الاتحاد الإفريقي ومنظمة الصحة العالمية.

7- الإمكانات المتاحة للتعاون في المستقبل:

يقدر الخبراء أن التكامل الاقتصادي الأوسع بين بلدان المغرب العربي (مع تونس وليبية وموريتانية)، من شأنه أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير في مختلف أنحاء المنطقة، عن طريق تمكين التجارة والبنية الأساسية المشتركة وحرية تنقل الأشخاص. وهذا سيفتح الباب أمام فرص اقتصادية هائلة لكلا البلدين. من جهة ثانية، لطالما كان تطوير شبكات الطرق والسكك الحديدية عبر المغرب العربي حلمًا للمنطقة. وإذا تم التغلب على بعض العقبات، فيمكن للمغرب والجزائر التعاون في هذه المشاريع.

في حين أن التعاون بين المغرب والجزائر غير كافٍ حاليًا، فإن التاريخ والتحديات المشتركة، والأولويات الإقليمية تجمع بينهما. توجد فرص لزيادة التعاون في مجالات مثل الإدارة البيئية، والطاقة المتجددة، والأمن الإقليمي، والتكامل الاقتصادي. ولكن تحقيق هذه الإمكانات يتطلب إرادة من الطرفين. وعندها يمكن للبلدين الاستفادة بشكل كامل من تاريخهما ومواردهما المشتركة لصالح شعبيهما ولصالح منطقة المغرب العربي الأوسع.

المزيد من المقالات