لماذا لا تزال قطّة شرودنغر تمثل التجربة الفكرية الأكثر إثارة للجدل في العلوم؟

ربما تكون تجربة قطّة شرودنغر هي التجربة الفكرية الفيزيائية الأكثر شهرة على الإطلاق، وذلك لأنها تنطوي على مذبحة (افتراضية بحتة!)، ولأن تداعياتها على طبيعة الواقع في عالم الكم لا تزال تشكل تحدياً للطلاب والفيزيائيين، ولا تزال موضع نقاش ساخن بين الباحثين في كل مكان، وذلك بعد مرور ما يقرب من قرن على صياغتها. في هذه المقالة نشرح هذه التجربة بلغة مبسّطة، ونبيّن تبعاتها.

عرض النقاط الرئيسية

  • تُعد تجربة قطة شرودنغر من أشهر التجارب الفكرية في الفيزياء بسبب مفارقاتها الغريبة وتأثيرها العميق على فهم الواقع في ميكانيكا الكم.
  • التجربة صُممت لتوضيح فكرة التراكب الكمومي عبر سيناريو افتراضي تكون فيه القطة في وقتٍ واحد ميتة وحية حتى يتم فتح الصندوق.
  • الهدف من هذا النوع من التجارب ليس جمع البيانات، بل اختبار انعكاسات نظرية علمية من خلال أسئلة افتراضية وتسلسل منطقي.
  • مبدأ عدم اليقين في ميكانيكا الكم يوضح أن بعض الأمور تظل غير محددة بطبيعتها حتى لحظة القياس.
  • التفسير التقليدي لتجربة شرودنغر يشير إلى أن كامل النظام - بما فيه القطة - يُعامل كأداة كمومية في حالة تراكب قبل الملاحظة.
  • تعدد التفسيرات لنتائج قطة شرودنغر، مثل تفسير العوالم المتعددة، يكشف عن العمق الفلسفي المستمر لتلك المفارقة.
  • على الرغم من صعوبة تصور هذه الظواهر، فإنها تقود إلى تطورات تقنية ملموسة كالحوسبة الكمومية التي تستفيد من مبدأ التراكب.

ما هي التجارب الفكرية؟

التجربة الفكرية هي إحدى أهم الأدوات التي يستخدمها الفيزيائي النظري. فإذا كنت تدرس النسبية أو ميكانيكا الكم أو أي مجال من مجالات الفيزياء ينطبق على البيئات أو المواقف التي لا يمكنك (أو لا ينبغي لك) أن تضع نفسك فيها، فستجد أنك تقضي وقتًا أطول بكثير في العمل على سيناريوهات خيالية، بدلاً من إعداد الأدوات أو أخذ القياسات في المختبر. وعلى عكس التجارب الفيزيائية، لا تتعلق التجارب الفكرية بجمع البيانات، بل تتعلق بطرح سؤال خيالي والعمل من خلال تسلسل منطقي "إذا / فإن" لاستكشاف ما تعنيه النظرية حقًا. إن طرح سؤال "ماذا يجب أن يحدث إذا كانت النظرية صحيحة؟" أمر لا يقدر بثمن لتطوير الحدس وتوقع تطبيقات جديدة. وفي بعض الحالات، يمكن للتجربة الفكرية أن تكشف عن الآثار الفلسفية العميقة لنظرية ما، أو حتى تقديم ما يبدو أنه مفارقة غير قابلة للحل.

الإعداد التجريبي الأساسي لتجربة قطّة شرودنغر:

مرة أخرى، التجربة افتراضية بحتة، وتجري على النحو الآتي: تخيل أن لديك مادة مشعّة تبلغ احتمالات تفكّكها النووي 50% في فترة زمنية محددة (لنفترض ساعة واحدة). توضع هذه المادة في صندوق مع قارورة زجاجية صغيرة من السم وجهاز يكسر القارورة إذا تم الكشف عن أي تفكّك إشعاعي. وتوضع قطة حية في الصندوق نفسه، مع إغلاق الغطاء بإحكام لكيلا يتسرب من الصندوق أي صوت أو أية معلومة عن حالة محتوياته. تنتظر لمدة ساعة، ثم تفتح الصندوق مرة أخرى. وبناءً على هذا الإعداد، من السهل أن نستنتج أنه بما أن احتمال تفكّك الذرة وكسر القارورة وإطلاق السم هي 50%، أي إنك إذا كررت التجربة عددًا كبيرًا من المرات فستجد قطة حية في نصف المرات، وقطة ميتة في النصف الآخر (على افتراض أنك لا تعيد استخدام نفس القطة في كل مرة). وهذا يعني أن احتمال أن تكون القطة على قيد الحياة بعد ساعة هي 50%!

المفارقة:

عندما وصف إروين شرودنغر التجربة الفكرية لألبرت أينشتاين في عام 1935، كان يريد تسليط الضوء على نتيجة واضحة لنظرية الكم والتي بدت لكلا العالمين وكأنها هراء تام: فكرة أنه قبل أن تفتح الصندوق، تكون المادة المشعّة في حالة تراكب بين حالة متفكّكة وحالة غير متفكّكة، ما يعني ــــــ عندما نُسقط ذلك على القطة ـــــ أنها هي الأخرى في حالة تراكب: حية وميتة في نفس الوقت. في نهاية المطاف، يتلخص الأمر في مبدأ عدم اليقين في ميكانيكا الكم.

إروين شرودنغر – جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933 From wikimedia

مبدأ عدم اليقين:

على عكس الميكانيكا التقليدية (الميكانيكا التي توصّف تجاربنا اليومية)، في ميكانيكا الكم، يبدو أن هناك عدم يقين أساسيًا مدمجًا في طبيعة الواقع. عندما تقلب عملة معدنية (حدث تقليدي)، يكون ذلك "عشوائيًا" فقط لأنك لا تتابع بعناية كافية جميع الحركات والقوى الداخلة في العملية. إذا كان بإمكانك قياس كل شيء على الإطلاق، فيمكنك التنبؤ بالنتيجة في كل مرة - إنه أمر حتمي.

ولكن في النسخة الميكانيكية الكمومية من رمي العملة، التفكّك الإشعاعي، لا يمكن لأي شيء تقيسه أن يخبرك بالنتيجة قبل حدوثها. وبقدر ما يتعلق الأمر بمراقب خارجي، حتى يحدث قياس رمي العملة الكمومية، ستتصرف الجملة وكأنها في كلتا الحالتين في وقت واحد: الذرة متفكّكة وغير متفكّكة. هذا التراكب ظاهرة حقيقية في ميكانيكا الكم، وفي بعض الأحيان يمكننا حتى استخدامها لصالحنا. فمثلاً، تعتمد الحوسبة الكمومية على فكرة أن بت الكمبيوتر الكمومي (أو كيوبت)، بدلاً من أن يكون مجرد واحد أو صفر، يمكن أن يكون في تراكب واحد وصفر، ما يزيد بشكل كبير من قدرة الكمبيوتر على إجراء العديد من الحسابات المعقدة في وقت واحد. في حالة قطة شرودنغر، فإن الاستنتاج السخيف على ما يبدو بأن القطة حية وميتة يأتي من اعتبار الجهاز بأكمله - الذرة، وجهاز الزناد، وقارورة السم، والقط - جملةً كميةً واحدة، كل عنصر منها موجود في حالة تراكب. الذرة متفككة وغير متفكّكة، والجهاز يعمل وهو خامل، والقارورة مكسورة وسليمة، ومن ثمّ فإن القطة ميتة وحية في نفس الوقت، حتى لحظة فتح الصندوق. ما إذا كان هذا الاستنتاج سخيفًا حقًا هو سؤال مفتوح. ما استنتجه كل من شرودنغر وأينشتاين هو أن عدم اليقين الأساسي الكمومي لا يمكن ببساطة أن ينطبق على العالم الحقيقي العياني.

هل يمكن أن تكون القطة حية وميتة معًا؟ From pixabay

/

التفسيرات المتعددة:

في هذه الأيام، يقبل معظم الفيزيائيين أن عدم اليقين حقيقي، على الأقل بالنسبة للجسيمات دون الذرية، ولكن كيف "ينهار" عدم اليقين هذا عندما يتم إجراء قياس لا يزال محل نقاش. في أحد التفسيرات، فإن أي قياس يتم إجراؤه يغير الواقع بشكل أساسي - على الرغم من أنه يُزعم عادةً أن جهاز التحفيز، أو على الأقل القط نفسه، يوفر قياسًا لهذا الغرض. في تفسير آخر، يسمى العوالم المتعددة، يكرر الكون بأكمله نفسه في كل مرة يتم فيها رمي عملة كمية، ويخبرك القياس ببساطة ما إذا كنت في عالم القطة الميتة أو القطة الحية من الآن فصاعدًا.

أحد التفسيرات هو انقسام الكون إلى كونين From wikimedia

ورغم أننا لا نستطيع أن نقول كم من الوقت سوف يستغرق الأمر قبل أن نفهم بشكل كامل ما يجري حقا في الصندوق الأسود للتراكب الكمومي، فإن تطبيقات نظرية الكم تجلب لنا بالفعل تقدما تقانيًا لا يصدق، مثل أجهزة الحواسيب الكمومية. وفي الوقت نفسه، تسمح لنا التجارب الفكرية الذكية باتباع فضولنا، دون المخاطرة بقتل أي قطط.

أكثر المقالات

toTop