اكتشاف أول نجم ثنائي بالقرب من الثقب الأسود الهائل في مجرتنا

اكتشف فريق دولي من الباحثين نجمًا ثنائيًا يدور بالقرب من الثقب الأسود الهائل في مركز مجرتنا، والذي يُدعى Sagittarius A*، لأنه يقع في برج القوس. إنها المرة الأولى التي يتم فيها العثور على نجم ثنائي في جوار ثقب أسود هائل. يساعدنا الاكتشاف، الذي يستند إلى البيانات التي تم جمعها بواسطة التلسكوب العملاق جدًا التابع للمرصد الجنوبي الأوروبي(ESO's VLT)، على فهم كيفية بقاء النجوم في بيئات ذات جاذبية شديدة، وقد يمهد الطريق لاكتشاف كواكب قريبة هذا الثقب الأسود. يقول فلوريان بيسكر، الباحث في جامعة كولونيا بألمانيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلةNature Communications: "الثقوب السوداء ليست مدمرة كما كنا نعتقد". في هذه المقالة نبين هذا الاكتشاف وأهميته في علم الفلك عمومًا وفي نشأة النجوم على وجه التحديد.

عرض النقاط الرئيسية

  • اكتشف العلماء لأول مرة نظامًا نجميًا ثنائيًا، اسمه D9، بالقرب من الثقب الأسود الهائل Sagittarius A* في مركز مجرة درب التبانة.
  • يُظهر الاكتشاف أن النجوم الثنائية يمكن أن تتكون وتبقى موجودة مؤقتًا حتى في البيئة الجذبية القاسية قرب الثقب الأسود.
  • يتكون D9 من نجم شاب من نوع Herbig Ae/Be ورفيقه الأصغر، وكلاهما محاطان بالغاز والغبار، مما يشير إلى تكوين حديث.
  • تم التعرف على هذا النجم الثنائي باستخدام بيانات من التلسكوب العملاق VLT التابعة للمرصد الجنوبي الأوروبي وتحليل طيفي امتد لـ 15 عامًا.
  • يقترح الباحثون أن بعض الأجسام الغامضة المعروفة باسم أجسام G قد تكون أنظمة نجمية ثنائية غير مندمجة بعد أو ناتجة عن اندماج نجمي.
  • من المتوقع أن يندمج النجمين في D9 خلال مليون عام تقريبًا، مما يمثل فرصة لدراسة تطور الأنظمة الثنائية قرب الثقوب السوداء.
  • يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام البحث عن كواكب جديدة قرب مركز المجرة، حيث تتشكل الكواكب عادة حول النجوم الشابة.
From wikimedia صورة للثقب الأسود الهائل في قلب مجرتنا (Sagittarius A*)

النجوم الثنائية:

هي أزواج النجوم التي تدور أحدها حول الآخر، وهي شائعة جدًا في الكون، لكن لم يُعثر عليها من قبل بالقرب من ثقب أسود هائل، حيث يمكن للجاذبية الشديدة أن تجعل الأنظمة النجمية غير مستقرة. يُظهر هذا الاكتشاف الجديد أن بعض الثنائيات يمكن أن تزدهر لفترة وجيزة، حتى في ظل ظروف مدمرة. والنجم الثنائي المكتشف حديثًا، والذي أعطي اسم D9، اكتُشف فعلاً في الوقت المناسب كمثال على ذلك.

خصائص D9 :

يتكون D9 من نجمين شابين: نجم أولي تبلغ كتلته حوالي 2.8 مرة كتلة الشمس، ويُصنف على أنه نجم Herbig Ae/Be، ونجم مرافق ثانوي تبلغ كتلته حوالي 0.73 مرة كتلة الشمس. هذا النظام مغلف بالغاز والغبار، ما يشير إلى أنه في مرحلة مبكرة جدًا من تطور النجوم. في الحقيقة، كشفت الملاحظات عن وجود غاز وغبار يحيطان بالنجمين، ما يدل على تكوين حديث ضمن التأثير الجاذبي القاسي لـ Sagittarius A* حيث يُقدر عمره بحوالي 2.7 مليون سنة فقط.

From wikimedia موقع النجم الثنائي D9 بالقرب من Sagittarius A*

أهمية الاكتشاف:

لسنوات عديدة، اعتقد العلماء أن البيئة القاسية بالقرب من ثقب أسود فائق الكتلة تمنع النجوم الجديدة من التكون هناك. وقد دحض العديد من النجوم الشابة التي تم العثور عليها على مقربة من Sagittarius A*  هذا الافتراض. يُظهر اكتشاف النجم الثنائي الشاب الآن أنه حتى الأزواج النجمية لديها القدرة على التكون في هذه الظروف القاسية. يقول المؤلف المشارك ميخال زاجاتشيك، باحث في جامعة ماساريك في جمهورية التشيك وجامعة كولونيا، "يُظهر نظام D9  علامات واضحة على وجود الغاز والغبار حول النجوم، ما يشير إلى أنه قد يكون نظامًا نجميًا صغيرًا جدًا يجب أن يكون قد تشكل في محيط الثقب الأسود الهائل". تم اكتشاف النجم الثنائي المكتشف حديثًا في مجموعة عنقودية كثيفة من النجوم والأجسام الأخرى التي تدور حول Sagittarius A*، والتي تسمى عنقود S. تدور هذه النجوم بسرعات لا تصدق بفضل الجاذبية الهائلة لـ Sagittarius A*، والذي تبلغ كتلته حوالي 4.3 مليون مرة من كتلة شمسنا.

يمكن القول إن أكثر الأجسام غموضًا وإثارة للاهتمام في مجموعة النجوم S، هي أجسام  G، وهي أجسام تبدو وكأنها سحب من الغاز والغبار ولكنها تتصرف مثل النجوم. وفي الحقيقة، أثناء مراقبتهم لهذه الأجسام الغامضة، ومحاولتهم اكتشاف ماهيتها، كان أن وجد الفريق نمطًا مفاجئًا، هو النجم D9. وقد كشفت البيانات التي تم الحصول عليها باستخدام أداة ERIS التابعة لـلتلسكوب العملاق جدًا (VLT)، جنبًا إلى جنب مع البيانات الأرشيفية، عن اختلافات متكررة في سرعة النجم، ما يشير إلى أن D9 كان في الواقع نجمين يدوران حول بعضهما البعض. اعتقدوا في البداية أن تحليلهم كان خاطئًا، لكن النمط الطيفي غطى حوالي 15 عامًا، وكان من الواضح أن هذا الاكتشاف هو بالفعل أول نجم ثنائي يتم رصده في عنقود S.

تسلط النتائج ضوءًا جديدًا على ما يمكن أن تكون عليه أجسام G الغامضة. يقترح الفريق أنها قد تكون في الواقع مزيجًا من النجوم الثنائية التي لم تندمج بعد والمواد المتبقية من النجوم المندمجة بالفعل. تظل الطبيعة الدقيقة للعديد من الأجسام التي تدور حول Sagittarius A*، وكذلك كيف يمكن أن تتشكل على مقربة من الثقب الأسود الهائل، لغزًا. ولكن قريبًا، قد يغير ذلك ترقية مقياس التداخل VLTوبعض المقاريب قيد الإنشاء. وستسمح التقانات المحدّثة للفريق بإجراء مراقبات أكثر تفصيلاً لمركز المجرة، والكشف عن طبيعة الأجسام المعروفة وكشف المزيد من النجوم الثنائية والأنظمة الشابة بلا شك. بلإضافة إلى ذلك، سيسمح هذا الاكتشاف بالتكهن بوجود الكواكب، لأنها غالبًا ما تتشكل حول النجوم الشابة. يبدو من المعقول أن اكتشاف الكواكب في مركز المجرة هو مجرد مسألة وقت.

From unsplash هل يمكن أن نجد كواكب في مركز درب التبانة أيضًا؟

هل يمكن أن نجد كواكب في مركز درب التبانة أيضًا؟

مستقبل  D9:

نظرًا للقوى الجاذبية الشديدة التي يطبقها  Sagittarius A*، فمن المتوقع أن يندمج النجمان في D9 ليشكلا نجمًا واحدًا في غضون مليون عام تقريبًا. وهذا ما تتنبأ به المحاكاة. يوفر هذا الاندماج المتوقع فرصة فريدة لدراسة التفاعلات النجمية وتأثير قرب الثقب الأسود على الأنظمة الثنائية.

الخاتمة:

يمثل اكتشاف نظام النجم الثنائي D9 بالقرب من الثقب الأسود المركزي لمجرة درب التبانة تقدمًا كبيرًا في الفيزياء الفلكية. فهو يتحدى النظريات القائمة حول تكوين النجوم في البيئات المتطرفة ويفتح آفاقًا جديدة للبحث في التفاعلات المعقدة بين النجوم والثقوب السوداء الهائلة الكتلة.

أكثر المقالات

toTop