فصاحة وفكاهة: كيف أخذ الأصمعي ذهباً يعادل عموداً من رخام؟

يتميز الأدب العربي، والشعر خاصة، بتنوع فريد ومميز؛ حيث برع الشعراء في استغلال ثراء اللغة العربية وقوتها. ولم يكتفوا بنوع واحد من أنواع الشعر، بل تميزوا بالدهاء والفصاحة، كما في قصة الأصمعي الذي استطاع أن يزن نفسه بالذهب، فكيف فعل ذلك بطريقة فكاهية؟

عرض النقاط الرئيسية

  • يوضح النص براعة الشعراء العرب في استخدام اللغة العربية وتعدد أشكال الشعر لديهم.
  • يتناول النص خدعة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي كان يدّعي أنه يعرف كل القصائد ليمنع الشعراء من الحصول على الذهب.
  • تمكَن الأصمعي، بذكائه وفطنة لسانه، من كشف حيلة الخليفة العباسي من خلال قصيدة معقدة وغريبة الألفاظ.
  • تخفى الأصمعي في هيئة أعرابي كي لا يتعرف عليه الخليفة، وألقى القصيدة التي أربكت الجميع ولم يستطيعوا حفظها.
  • اضطر الخليفة، بعد فشله في حفظ القصيدة، إلى إعطاء الأصمعي الذهب بوزن القصيدة المكتوبة على عمود رخام ضخم.
  • عندما كشف الخليفة هوية الأصمعي، دار بينهما حوار أسفر عن اتفاق على إعطاء الشعراء حقوقهم مقابل استعادة الذهب.
  • تُعد قصيدة "صوت صفير البلبل" مثالاً بارزًا على اللعب بالألفاظ وغرابة التركيب لدرجة تُصعّب حفظها من المرة الأولى.

ما قصة القصيدة التي اشتهر بها الأصمعي؟

يُقال إن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور كان من أذكى الخلفاء، وقد منحه الله ذاكرة قوية مكّنته من الإحتيال على الشعراء. فقد أعلن أنه من يأتي بقصيدة جديدة لم يسمعها من قبل، سيأخذ ذهبًا بوزنها. فكان إذا ما جاءه أحد الشعراء بقصيدة جديدة، حفظها من أول مرة وأعادها على مسامعه قائلًا بأنه يحفظها وأنها ليست جديدة كما يدعي صاحبها. حتى أنه كان يحضر خادمه الذي يستطيع حفظ القصيدة من المرة الثانية، والجارية تستطيع حفظها من المرة الثالثة. فتكون بذلك ألقيت أمامه ثلاث مرات: مرة من الشاعر، ومرة من الخليفة، ومرة من الخادم. وكان يستعين بهم الخليفة في إلقاء القصيدة ليؤكد فكرة أن هذه القصيدة ليست جديدة، وحتى الخادم والجارية يعرفونها.

كان كل شاعر يُلقي قصيدته أمام الخليفة المنصور يصيبه الذهول واليأس، ويتساءل كيف عرف الخليفة القصيدة التي سهر على تأليفها، ويستسلم لاعتقاده بأنه لا أحد يستطيع الفوز بالتحدي والحصول على الذهب.

سمع الأصمعي بهذا، وكان شاعرًا معروفًا في ذلك الوقت، فأدرك أن في الأمر حيلة. فكتب قصيدة بكلمات غريبة المعاني، ومنوعة ومتشابهة الألفاظ. ثم تنكر وذهب إلى الخليفة في هيئة أعرابي حتى لا يتعرف عليه الخليفة أبو جعفر المنصور. ثم ألقى القصيدة المتنوعة على الخليفة، ولكن لم يستطع حفظها من المرة الأولى لتشابه الكلمات ذات المعاني، حتى أن الخادم والجارية لم يستطيعا حفظها.

استسلم الخليفة، وقال له: أحضر ما كتبت عليه القصيدة لتأخذ بوزنه ذهبًا. فأخبره الأصمعي بأنه قد ورث من أبيه عمودًا من الرخام لا يستطيع حمله عشرة من الجنود، فأحضروه فوزن صندوقًا من الذهب. شك الخليفة في أمره، وطلب منه أن ينزع لثامه عن وجهه، فعرف أنه الأصمعي، فقال له: لم فعلت هذا؟ فأخبره بأنه لا يعطي الشعراء حقهم وقطع رزقه بحيلته. فأخذ الخليفة الذهب منه، ولكن اشترط عليه الأصمعي أنه سوف يعيده إليه مقابل أن يعطي الشعراء حقهم.

القصيدة

صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ ::: هَيَّجَ قَلبِي الثَّمِلِ

الماءُ وَالزَهرُ مَعًا ::: مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ

وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي ::: وَسَيِّدِي وَمَولى لِي

فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي::: غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي

قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ ::: مِن لَثمِ وَردِ لخَجَلِ

فَقالَ لا لا لا لا لا ::: وَقَد غَدا مُهَرولِ

وَالخُوذُ مالَت طَرَباً ::: مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ

فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت ::: وَلي وَلي يا وَيلَ لِي

فَقُلتُ لا تُوَلوِلي::: وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي

قالَت لَهُ حينَ كَذا ::: اِنهَض وَجد بِالنقَلِ

وَفِتيةٍ سَقَونَنِي ::: قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي

شَمَمتُها بِأَنَفي ::: أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ

فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي ::: بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي

وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي ::: وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي

طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب ::: طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي

وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي ::: وَالرَقصُ قَد طابَ لِي

شَوى شَوى وَشاهشُ ::: عَلى حِمارِ أَهزَلِ

يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ ::: كَمَشيَةِ العَرَنجلِ

وَالناسِ تَرجم جَمَلِي ::: فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ

وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع ::: خَلفي وَمِن حُوَيلَلي

لَكِن مَشَيتُ هارِباً ::: مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي

إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ ::: مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ

يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ ::: حَمراء كَالدَم دَمَلي

أَجُرُّ فيها ماشِياً ::: مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ

أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي ::: مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ

نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت ::: يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي

أَقولُ فَي مَطلَعِها ::: صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ

بعد معرفة قصة القصيدة وقراءتها، هل تستطيع حفظها من المرة الأولى؟

أكثر المقالات

toTop