لحن الخور: كيف أثرت البحيرات المالحة في الموسيقى العُمانية؟

في عُمان، لا تكتفي الطبيعة بصنع المنظر، بل تصنع معها الموسيقى. والخور، بملوحته وهدوئه، صار مصدر إلهام لأصوات عذبة لا تُنسى.

عرض النقاط الرئيسية

  • الخور في البيئة العُمانية هو خليج مالح صغير يلعب دورًا هامًا في حياة البحّارة والصيادين.
  • أصوات الموج وتلاطم المياه في الخور كانت مصدر إلهام مباشر لتكوين الفنون الموسيقية البحرية في عُمان.
  • الأغاني البحرية تُؤدى في مناسبات متعددة مثل العمل والإبحار وأوقات الراحة وحتى العودة من البحر، وغالبًا بجانب الأخوار.
  • الفنانون العُمانيون استخدموا الإيقاعات الطبيعية للخور في أعمالهم، مثل تكرار البحر والهدوء في الألحان والكلمات.
  • آلات موسيقية تقليدية مثل الربابة والطبل تُستخدم لتقليد أصوات الريح والماء، مما يعكس تأثير البيئة على الموسيقى.
  • الغناء بجانب الخور يُعتبر طقسًا روحيًا لدى بعض الفنانين، حيث يُشعرهم بالانسجام مع الطبيعة وحيوية المكان.
  • العلاقة العميقة بين الإنسان العُماني والخور تجسدت في الموسيقى لتُصبح جزءًا من الهوية والثقافة الشعبية التي لا تزال حية حتى اليوم.

ما هو الخور؟ وما علاقته بالموسيقى؟

الخُور في البيئة العُمانية هو خليج صغير أو بحيرة مالحة تتصل بالبحر. تكثر هذه الأخوار في المناطق الساحلية مثل صور، مرباط، وصُحار. يُعد الخور جزءًا من حياة الصيادين والبحّارة، ومكانًا للتأمل والجلوس، وسرعان ما أصبح أيضًا مصدر إلهام موسيقي.

في وقت كانت فيه الطبيعة هي كل ما يحيط بالناس، تحوّل صوت تلاطم الماء، وهدير الأمواج في الأخوار، إلى موسيقى تُحاكي وجدان الإنسان، فتكوّنت منها ألوان فنية مميزة.

الأغاني البحرية… بداية الحكاية

الموسيقى العُمانية تضم لونًا مميزًا اسمه الفنون البحرية، وهي أغانٍ تقليدية يُنشدها البحارة أثناء الإبحار، الغوص لصيد اللؤلؤ، أو انتظار المدّ والجزر.

وكان للخور دور كبير في هذه الفنون:

في أوقات الراحة: كان البحّارة يجلسون قرب الخور، يرددون أهازيج خفيفة مستوحاة من صوت الموج.

أثناء العمل: كانت الأغاني تُنسج وفق إيقاع المجداف، وصوت الماء العائد من الخور.

في المناسبات: مثل "الهبوت" أو "القوالب"، وهي طقوس غنائية تُقام عند العودة من البحر، وكان يتم أداؤها على ضفاف الأخوار.

تأثير الصوت الطبيعي على الإيقاع

الفنانون الشعبيون في عُمان كانوا حسّاسين جدًا لأصوات الطبيعة. وفي حالة الخور، كان لصوت الملوحة، وتكرار الأمواج، أثر مباشر على الإيقاعات:

  • الإيقاع البطيء والمتكرر يُحاكي الهدوء العميق للخور.
  • استخدام أدوات مثل الطبول والهاون، يُحاكي ارتداد الماء على الصخور.
  • تكرار الجمل الموسيقية يُشبه تكرار المدّ والجزر.

حتى في كلمات الأغاني، تُذكر مفردات الخور، الملوحة، النورس، والزبد، وكأنها رموز في القصيدة الصوتية.

آلات مستوحاة من البحر

في الموسيقى العُمانية، بعض الآلات تُستخدم خصيصًا في الفنون البحرية، منها:

  • الربابة: تُعزف بنغمة شجنية تُحاكي صوت الريح فوق الماء.
  • الكاسر والرحماني: طبلان يُستخدمان لإيقاع البحر، غالبًا في جلسات تقام قرب الأخوار.

وليس غريبًا أن بعض الفرق الموسيقية تؤدي عروضها حتى اليوم في مواقع طبيعية قرب الأخوار، للاستفادة من الصدى والجو العام.

الغناء قرب الخور… طقس روحي

بالنسبة لبعض الفنانين الشعبيين، الغناء قرب الخور ليس فقط أداء فني، بل طقس تأملي. يقول أحد كبار الفنانين في صور:

"إذا جلست على حافة الخور عند الفجر، وغنيت، تحس إن الطبيعة تغني معك… الطير يرد، والماء يرقص، والروح تهدأ."

وهذا الانسجام بين الطبيعة والموسيقى جعل هذه الفنون تبقى حية، تُنقل من جيل إلى جيل، وتُؤدى في المدارس والفعاليات والمهرجانات.

الخاتمة

لحن الخور ليس مجرد نغمة… هو صدى لعلاقة الإنسان العُماني بالطبيعة، وتحديدًا بالبحر والماء. ومن المدهش أن ملوحة الخور، وصوت المدّ، وحركة الطيور، كلها تحولت إلى موسيقى تعبّر عن حياة، وتراث، وهوية.

فإذا زرت عُمان يومًا، لا تنس أن تجلس عند خور هادئ، تغمض عينيك، وتستمع… فقد تسمع لحنًا لم يُكتب بعد.

أكثر المقالات

toTop