button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

الحمام الزاجل: هل لا يزال له دور في العصر الحديث؟

يُعدّ الحمام الزاجل ساعي البريد الجوي في عصور ما قبل الحداثة. قد يصعب تصوّر أن هذا الحمام كان وسيلة التواصل بين الناس، خاصةً في عصرنا الحالي الذي يتيح إرسال الرسائل بضغطة زر.

مميزات الحمام الزاجل

يتميز الحمام الزاجل بنظام ملاحة فريد، إذ يعود دائمًا إلى موطنه. لا يزال السبب وراء هذه القدرة غير معروف تمامًا، لكن يعتقد الباحثون أنه يمتلك مهارة مشابهة للبوصة في تحديد الاتجاهات، وأن اتجاه أشعة الشمس يساعده في ذلك. ويرى البعض الآخر أنه يعتمد على حاسة الشم، بناءً على تجارب أجراها الباحثون.

استُخدم الحمام الزاجل قديمًا في إرسال الرسائل بين البلدان، حيث كانت تُربط الرسائل بقدم الحمامة لتعود بها إلى موطنها. تعتمد هذه العملية على تدريب خاص يُعرف بالزجالة، والشخص الذي يقوم بهذا التدريب يُسمى زجّالًا.

يستطيع الحمام الزاجل العثور على طريق العودة إلى المنزل في فترة زمنية قصيرة، إذ يمكنه قطع مسافة تصل إلى 1100 ميل بمعدل 50 ميلاً في الساعة، وقد تصل سرعته إلى 90 ميلاً في الساعة.

الحمام الزاجل ودوره قديما

لعب الحمام الزاجل دورًا مهمًا في الماضي، وخاصةً في أوقات الحروب، حيث استطاعت الدول من خلاله إيصال الأخبار بسرية. يُعتقد أن أول استخدام للحمام الزاجل كان في القرن الخامس قبل الميلاد في آشور وفارس، بينما يعود استخدامه في بلاد ما بين النهرين لحمل الرسائل إلى الجماعات المتحاربة إلى عام 2000 قبل الميلاد. واستُخدم أيضًا لنقل خبر فوز اللاعبين في الألعاب الأولمبية الأولى التي أقيمت عام 776 قبل الميلاد. وفي الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى إنشاء أول بريد جوي بالحمام الزاجل عام 1896.

الحمام الزاجل عند العرب

استخدم العرب كلمة "الزاجل"، أي "الراسل". ويقال إن كلمة "الزاجل" كلمة فارسية تعني "القائد العسكري". كما سماه العرب أيضًا "حمام الهدى". لم يكن الحمام الزاجل مجرد طائر عند العرب، بل كان له سجل حافل بالإنجازات. اهتموا بدراسته وتربيته وأنسابه، كما اهتموا بعلاجه والأمراض التي قد تصيبه، وألفوا فيه الكتب، مثل كتاب "الطير" الذي وضعه أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني في 250 هجري. وفي نهاية القرن السابع الهجري أيضًا، كتب محيي الدين بن عبد الظاهر كتاب "تمائم الحمام".

مع اتساع الخلافة الإسلامية والفتوحات، ازدادت الحاجة إلى نقل الأخبار من وإلى مركز الخلافة. لذلك استعان الأمراء والملوك في الخلافة العباسية بالحمام الزاجل لنقل الأخبار بسرعة فائقة مع ضمان دقته في الوصول وعودته لمكان انطلاقه. كانت الأخبار العسكرية تعلق في قارورة صغيرة من الورق الذهبي وتعلق في عنق الحمامة، وذلك لتكون خفيفة عليها. وكانوا يطلقون حمامة أخرى تتبعها في حالة ضياع الأولى للوجهة.

استُخدم الزاجل في مختلف الصراعات الإسلامية ضد البيزنطيين والروم والصليبيين والتتار وغيرهم. وعن طريقه، كان السلاطين والخلفاء، وكذلك عامة الناس، على علم بآخر الأخبار والمستجدات في ميادين الحرب. فعندما اقترب المغول من مدينة حماة سنة 659هـ، نصح أحد الأمراء نائبها قائلاً: "اكتب حالًا إلى السلطان، وأرسل الخبر على جناح طائر، وأعلمه بأن القوم ثمانون ألف مقاتل في القلب، منهم أربعة وأربعون ألفًا من المغول، وهم يهدفون إلى الاستيلاء على القلب، وأن ميمنتهم قوية جدًا، فليقوِّ ميسرة المسلمين، وليحتط على الرايات". فكتب النائب بذلك إلى السلطان. وقد وصلت هذه الأخبار إلى السلطان بيبرس الذي اتخذ احتياطاته، وتمكن المماليك من الانتصار على المغول مرة أخرى للعام الثاني على التوالي بعد معركة "عين جالوت". ثم "وصلت الرسائل محملة على أجنحة الزاجل إلى الرحبة (على نهر الفرات) بخبر النصر وهزيمة التتار. وكان أبغا (بن هولاكو) ملك التتار يحاصرها، فدُقّت طبول البشارة، وأُعلن النصر على الناس، فترك أبغا المدينة وتوجّه إلى بغداد"، فكان للحمام الزاجل الأثر البالغ في انتصار الجيش الإسلامي المملوكي.

طريقة التعامل مع الرسائل

ذكر القلقشندي الإجراءات المتبعة عند إرسال هذه "البطائق"، أي الرسائل المحمولة على أجنحة الحمام، وتحديدًا من كان يستقبلها وأنواعها. فإذا ما وصلت الحمامة بالرسالة، استلمها "البراج"، وهو الموظف المختص بالحمام، ثم وضعها في عنق حمامة أخرى لتصل إلى البرج الذي يليه، وهكذا حتى تصل إلى برج القلعة الخاص بالسلطان. فإذا كانت الرسالة مهمة، عُرضت على السلطان، أما إذا كان الأمر يسيرًا، فلا داعي لعرضها عليه. وقد ظهرت فكرة تخصيص موظف للحمام وإنشاء مؤسسة خاصة بالحمام الزاجل في عهد الفاطميين. ولم يقتصر دور الحمام الزاجل على إرسال أخبار الحرب والأسرار الهامة للدولة فقط، بل استُخدم كذلك بين العشاق وفي الرسائل العاطفية للمتحابين.

الحمام في العصر الحديث

تلك لمحة من لمحات الاتصالات في ذلك العصر القديم، حيث كان الحمام الزاجل يُستخدم كأسرع وسيلة للاتصال والتواصل بين الشرق والغرب. أما الآن، فقد أصبحت الرسائل الإلكترونية هي الأسرع، إذ تنتقل بين القارات في أقل من جزء من الثانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإيميلات، ولم تعد هناك حاجة لأن يطير الخبر لأيام مع احتمال وصوله أو عدمه. و

ومع ذلك، لا يزال الخبراء والباحثون يجرون التجارب والدراسات لاكتشاف السر وراء الحمام الزاجل، ذلك الرسول الخفي الذي لم يخطئ طريقه قط، وحامل السر بين السماء والأرض. هم يسعون لفهم كيف استطاع بهذه الموهبة الفريدة إنجاز هذه المهمة، وذلك للاستفادة من قدراته في توفير النفقات الباهظة التي تُنفق على الأجهزة والتقنيات الحديثة، مثل الأقمار الصناعية والطائرات وأجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء، حيث يمكن لحمامة واحدة أن تقوم بكل هذا.

toTop