button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

الهيئة السعودية للأزياء تصدر ورقة عمل بعنوان ”تدوير الإحرام“ لتعزيز الحج المستدام

اتخذت هيئة الأزياء السعودية خطوةً ثاقبةً نحو مواءمة الروحانية مع الاستدامة بإصدار ورقةٍ بيضاء بعنوان "تدوير الإحرام: نسج تجربة حج وعمرة أكثر مراعاةً للبيئة". تُعد هذه المبادرة الأولى من نوعها، إذ تجمع بين مناسك الحج المقدسة والحاجة العالمية المُلحة للحفاظ على البيئة. وبينما يسافر ملايين الحجاج إلى مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة سنويًا، يهدف هذا البرنامج إلى الحد من الأثر البيئي لواحدٍ من أبرز وأهمّ ملابس الحج، وهو لباس الإحرام.

فهم الإحرام ورمزيته في التراث الإسلامي:

لباس الإحرام أكثر من مجرد ثوب؛ إنه رمزٌ روحي. يتكون من ثوبين أبيضين بسيطين غير مُخيطين للرجال، ويمثل الطهارة والتواضع والوحدة بين جميع المسلمين، بغض النظر عن العرق أو الوضع الاجتماعي. في كل عام، خلال الحج والعمرة، يرتدي ملايين المسلمين هذا الزي، مُجسّدين حالةً من التكريس والمساواة أمام الله. ومع ذلك، فإن البساطة الروحية للإحرام تُخفي قلقًا بيئيًا متزايدًا. فمع أداء أكثر من مليوني حاج فريضة الحج سنويًا، وملايين آخرين يؤدون مناسك العمرة، برزت كمية ملابس الإحرام المُهملة كعبء بيئي صامت.

الصورة بواسطة Muhammad Khawar Nazir , على pexels

لباس الإحرام البسيط يكرس المساواة

حجم المشكلة:

وفقًا لورقة العمل، فإن عدد ملابس الإحرام التي تُرمى سنويًا كبير، ومن المتوقع أن ينمو بالتزامن مع تزايد قدرة المملكة على استضافة الحجاج. وتشير التقديرات إلى أنه قد يتم التخلص من ما يصل إلى 100,000 طن من ملابس الإحرام بحلول عام 2030. معظم هذه الملابس مصنوعة من القطن البكر أو الألياف الصناعية، والتي تتطلب موارد ضخمة لإنتاجها ولا تتحلل بسهولة في مدافن النفايات. وتشير الورقة إلى أنه إذا استمر التخلص من هذه الملابس بدون إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها، فستكون العواقب البيئية وخيمة. وقد تؤدي نفايات المنسوجات المتوقعة إلى أكثر من 615 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول نهاية العقد الحالي. إدراكًا لحجم هذه المشكلة، أطلقت هيئة الأزياء السعودية مبادرة "إعادة تدوير لباس الإحرام" كنموذج للممارسات الدينية المستدامة وكجزء لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030.

الصورة بواسطة Rammaum على wikimedia

مع تزايد عدد الحجاج والمعتمرين تتفاقم المشكلة

من النفايات إلى خزانة الملابس - الحل الدائري:

تقدم المبادرة استراتيجية شاملة لجمع ملابس الإحرام المستعملة وإعادة تدويرها وتحويلها إلى منتجات جديدة صديقة للبيئة. يتضمن هذا النهج الدائري للأزياء عدة خطوات رئيسية:

1- الجمع والفرز:

بعد الاستخدام، تُجمع ملابس الإحرام من نقاط التجميع المحددة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ويضمن التعاون مع السلطات المحلية ومنظمي الحج والمنظمات غير الربحية شبكة جمع فعّالة.

2- إعادة التدوير وإعادة الاستخدام:

تُفرز الملابس حسب المادة والحالة. تُستخرج الألياف القابلة للاستخدام وتُعقم وتُغزل إلى خيوط جديدة. ثم تُستخدم هذه الخيوط في تصنيع المنسوجات التي يمكن تشكيلها على شكل ملابس وإكسسوارات ومنسوجات منزلية.

3- تطوير المنتجات:

بدعم من المصممين وخبراء الاستدامة، تُحوّل هذه المواد المُعاد تدويرها إلى منتجات قابلة للتسويق، تجمع بين التراث الثقافي ومبادئ التصميم الحديث.

4- المشاركة العامة والتثقيف:

تُشجع المبادرة الحجاج على المشاركة الفاعلة في جهود الاستدامة من خلال توعيتهم بفوائد إعادة التدوير وتقديم حوافز للتبرع بملابس الإحرام المستعملة.

مراكز قوة تعاونية:

يكمُن نجاح المبادرة في التعاون الاستراتيجي. وقد أقامت هيئة الأزياء السعودية شراكات مع جهات رئيسية مثل الشركة السعودية للاستثمار في إعادة التدوير و"تدويم"، وهي شركة ناشئة في مجال الأزياء المستدامة. تضمن هذه الشراكات الوصول إلى البنية التحتية لإعادة التدوير، والخبرة التقنية، والابتكار في التصميم. وقد شهدت المرحلة التجريبية في عام 2023 جمع 34 طنًا من ملابس الإحرام وإعادة تدويرها بنجاح، وهو مؤشر واعد على قابلية المشروع للتوسع. بالإضافة إلى ذلك، تم إشراك المؤسسات الأكاديمية، والقيادات الدينية، والمنظمات غير الحكومية البيئية لتقديم رؤى متعددة الأبعاد. يضمن هذا النهج الشامل أن يكون البرنامج ليس فعالًا بيئيًا فحسب، بل أيضًا محترمًا ثقافيًا ومتناغمًا روحيًا.

الصورة بواسطة Cergun62 , على Wikimedia

شعار هيئة الأزياء السعودية

التوافق مع رؤية 2030:

تحدد رؤية المملكة العربية السعودية 2030 طموحًا واسعًا لتنويع الاقتصاد وتعزيز مكانة المملكة العالمية، مع اعتبار الاستدامة حجر الزاوية. تُجسّد مبادرة الإحرام الدائرية هذه الرؤية، إذ تُظهر كيف يُمكن للتقاليد والابتكار أن يتعايشا لإحداث تأثير اجتماعي وبيئي مستدام. ومن خلال تحويل النفايات إلى مورد، وغرس الوعي البيئي في إحدى أقدس شعائر الإسلام، تُرسي المملكة سابقةً في نماذج الاستدامة القائمة على الإيمان. علاوةً على ذلك، يُسهم المشروع في التزامات المملكة العربية السعودية بموجب الاتفاقيات البيئية الدولية، مثل اتفاقية باريس. ويُبرهن على أن المسؤولية المناخية يُمكن، بل ينبغي، أن تُدمج في جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك الممارسات الدينية والثقافية.

نموذجٌ للعالم الإسلامي:

من جهة أخرى، تُمهّد الورقة لمبادرة الإحرام الدائرية الطريق لتكرارها في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ويمكن للدول الأخرى التي تستضيف أعدادًا كبيرة من الحجاج، مثل إندونيسيا وباكستان ومصر وتركيا، أن تستلهم من هذا النموذج. تفتح هذه المبادرة آفاقًا جديدةً للبيئة الإسلامية، حيث تُنسجم الممارسات المقدسة مع الأخلاقيات البيئية. للبيئة القائمة على الإيمان بصمة عالمية متنامية، مع مبادرات مثل حركة رمضان الأخضر والإعلانات الإسلامية حول تغير المناخ. تُعزز المبادرة السعودية هذا الزخم من خلال مخاطبة أحد أكبر التجمعات الدينية وأكثرها وضوحًا على وجه الأرض.

التحديات والطريق إلى الأمام:

على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته المبادرة، إلا أنها تواجه تحديات، لا سيما في توسيع نطاق الخدمات اللوجستية، وضمان استمرارية مشاركة المجتمع، والحفاظ على جودة المنتجات المُعاد تدويرها. كما تُثير هذه المبادرة مخاوف بشأن كيفية تحقيق التوازن بين الاحترام الروحي للإحرام وتحويله إلى سلع تجارية أو يومية. ولمواجهة هذه التحديات، تقترح هيئة الأزياء خارطة طريق متعددة المراحل تتضمن توسيع نقاط التجميع، والاستثمار في تقنيات إعادة التدوير، والعمل بشكل وثيق مع علماء الدين لوضع مبادئ توجيهية أخلاقية لإعادة استخدام الملابس المقدسة. علاوة على ذلك، ستكون الملاحظات المستمرة من الحجاج فعّالة في تحسين البرنامج.

الخاتمة:

يُمثل إصدار ورقة العمل "تدوير الإحرام" لحظة تحولية في رحلة المملكة العربية السعودية نحو التنمية المستدامة. فهي تُعيد تعريف دور الموضة في المجتمع من خلال دمج الوعي البيئي في تجربة روحية عميقة. من خلال التفكير المبتكر، والتنفيذ التعاوني، والاحترام العميق للتقاليد الدينية، تنسج هيئة الأزياء السعودية مستقبلاً تتشابك فيه الاستدامة والروحانية بسلاسة. وبينما يواصل ملايين الحجاج والمعتمرين أداء مناسكهم المقدسة، قد تحمل خطواتهم الآن رسالة عميقة: أن رعاية الأرض مسؤولية إلهية مشتركة بين الجميع.

toTop