مدينة من ذهب: جولة في تراث سوق الهفوف الشعبي

وسط الحواري العتيقة، وتحت أسقف النخيل، ينبض سوق الهفوف الشعبي بالحياة… كأنه مدينة من ذهب، لا تنام.

سوق الهفوف... تاريخ حي

يقع سوق الهفوف في قلب محافظة الأحساء بالمنطقة الشرقية، ويُعد من أقدم وأشهر الأسواق التقليدية في المملكة. منذ أكثر من مئة عام، كان السوق مركزًا للتجارة والحياة الاجتماعية، يزوره الناس من كل مكان لشراء البضائع، وتبادل الأخبار، والالتقاء بالأصدقاء.

اليوم، لا يزال السوق محافظًا على طابعه التراثي، بل وأصبح وجهة سياحية بارزة يقصدها كل من يبحث عن الأصالة.

جولة بين المحلات… ذهب، قهوة، وعطر

أول ما تخطو داخل السوق، تُفاجأ بتنوع المحلات وروائح الطيب والعطور. أصوات الباعة تنادي، وروائح القهوة العربية تفوح من كل زاوية.

• سوق الذهب: هنا تُعرض أطقم ذهبية فخمة، بعضها بتصاميم تراثية خالدة، والآخر بلمسات عصرية.البائعون يُرحبون بك بابتسامة، ويشرحون لك كل تفصيلة وكأنك ضيف في بيتهم.
• محلات العطور: تكتشف عالماً من المسك والعنبر والعود. البعض يُركّب لك عطرًا خاصًا بإسمك.
• الدلالين: لا تزال الدلالات – وهنّ نساء خبيرات بالبيع – يُشاركن في السوق، ويُضفن طابعًا شعبيًا دافئًا للتجربة.

الحرف اليدوية... فن يروي الماضي

من أبرز ما يميز السوق هو وجود الحرفيين المحليين الذين يصنعون المنتجات أمام عينيك:

• القطان: يُصنعون البشوت والمشالح بخيوط ذهبية فاخرة.
• النجارون: يُبدعون في صناعة الأبواب الخشبية التقليدية بنقوش فريدة.

• الخرازون: يصنعون النعال الجلدية اليدوية (الزنوبة)، التي كانت رمزًا للراحة والفخامة.

وكل حرفة تُعلّمك شيئًا عن تاريخ الأحساء، وتُشعرك بأنك عدت قرونًا إلى الوراء.

الناس والضيافة

الشيء اللي يميّز سوق الهفوف أكثر من كل شيء؟ الناس.

أهل الهفوف معروفون بطيبتهم وكرمهم. كثير من الباعة يقدّم لك القهوة والتمر أول ما تدخل، ويقول لك: "خذ راحتك… السوق سوقك." وتشعر فعلًا أنك مو مجرد زبون، بل ضيف محل ترحيب.

المأكولات الشعبية

بعد جولتك، لا بد لك أن تتوقف عند محلات المأكولات الشعبية:

الكليجة، والقرص العقيلي، والتمر الحساوي، كلها تُباع طازجة.

مطاعم صغيرة تقدم المجبوس والخبز الأحمر، بنكهات تراثية ما تنساها.

الأكل هنا له نكهة خاصة، كأنه امتداد لحكايات السوق.

السوق في قلب التراث

سوق الهفوف ليس فقط مكانًا للبيع والشراء، بل هو قلب نابض بثقافة الأحساء. كثير من الشعراء والكتّاب ألهمتهم أجواؤه، واحتُفل به في أفلام وبرامج ثقافية. كما يُقام فيه مهرجان سنوي للحِرف والفنون الشعبية، يُضيف بُعدًا ثقافيًا وتجريبيًا للزائرين.

تاريخًا لا يُنسى

زيارة سوق الهفوف الشعبي ما هي مجرد تسوق… هي تجربة روحانية، ثقافية، وتراثية. هنا تتعرف على تاريخ بلدك، وتلمس حِرف الأجداد، وتشم عبير الأصالة.

في زمن السرعة والمولات، يظل سوق الهفوف مدينة من ذهب… تقف شامخة، تروي تاريخًا لا يُنسى.