button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

شامبليون وحجر رشيد: العقل الذي قرأ صمت الفراعنة

جون فرانسوا شامبليون، الأكاديمي واللغوي وعالم الآثار الفرنسي، تمكن عام 1822 من فك رموز الهيروغليفية المنقوشة على حجر رشيد. لُقِّب بـ "الصغير، المصري، أبو علم المصريات، المصرولوجي، كاشف أسرار الفراعنة"، واشتهر بكونه من وضع الأسس الأثرية لدراسة علم المصريات، فطغى إنجازه الأثري على إنجازات العالم "توماس يونغ" الذي قاد أولى محاولات فك الرموز قبل عام 1819.

المولد والنشأة

ولد جون فرانسوا شامبليون في 23 ديسمبر/كانون الأول 1790، في حارة لابودوسكوري في مقاطعة فيجاك الفرنسية. وكان الأصغر بين إخوته، ويدعى والده جاك شامبليون، وينتمي لمقاطعة الدوفينيه، أما والدته فرنسواز جاليو فكانت من أصول بورجوازية لكنها كانت أمية.

الدراسة والتكوين العلمي

كان شامبليون يقضي ساعات طويلة في مكتبة والده وكان ميالا للشعر، كما تمتع بذاكرة بصرية قوية، وأتقن الرسم بمهارة. تباطأ والده في تعليمه رغم بلوغه السادسة في ذلك الحين، ولم يتلق تعليما يتناسب مع إمكاناته الذهنية، فتولى شقيقه مسؤولية تعليمه.

في نوفمبر/تشرين الثاني 1798، ألحق بمدرسة البنين الأولية، لكنه لم يكن سعيدا ولا ناجحا، فوصفه الأساتذة بـ "التلميذ البليد والسيئ".

وكان شامبليون يكره الحساب، وضعيفا في الإملاء مما عرضه للعقوبة، كما تسبب خطه السيئ رغم بلوغه العاشرة في التوبيخ المستمر من شقيقه، ولم يكن قادرا على التعبير عن نفسه بسهولة.

وعام 1799 غادر المدرسة، وبدأ التعلم على يد قس، وكان مشدودا لمادتي النبات والنجوم، لكنه برع في اللغات القديمة. وتعلم تلك الفترة مبادئ اللاتينية والإغريقية، وبعضا من العبرية، بالإضافة إلى التاريخ الطبيعي والفلك، كما قرأ في سن التاسعة أعمال "هوميروس" و"فرغليوس".

ونهاية مارس/آذار 1801، أصبح شامبليون تحت وصاية أخيه في غرونوبل، فأوكل تعليمه لمدرس خاص، ثم أشرف على تعليمه في مكتبته الخاصة، حيث كان الصبي يمضي ساعات كل يوم وسط كتب كان معظمها قديما ومكتوبا باللغات الشرقية. وعمل آنذاك على تحسين أسلوبه في الحديث، وعلمه الترجمة الفرنسية واللاتينية، ثم مبادئ القواعد الفرنسية، مع بعض القصص الشعرية للأديب الفرنسي "جان دو لافونتين".

وتتلمذ شامبليون على يد "الأب دوسار" من نوفمبر/تشرين الثاني 1802 حتى صيف 1803، ودرسه العبرية والعربية والآرامية والسريانية، وقرأ كتاب "فيفان دونان" حيث وجد البردية المشهورة (لوحة رقم 128) التي ستكون فيما بعد إحدى أدوات عمله.

وربيع 1804 تم قبوله بمنحة دراسية في ثانوية الإمبراطور (ثانوية ستاندال حاليا) حيث درس اللاتينية والعلوم الرياضية، وكان في تلك الفترة تلميذا متذبذب المستوى ومهملا لدروسه، كما تظهر نتائجه المحفوظة في الأرشيف العائلي.

ثم توقف السنتين الأخيرتين عن مواصلة تعليمه، وفي 21 أغسطس/آب 1807، غادر الثانوية بسبب نظامها الصارم، لكنه حصل على شهادة دراسية، وأخرى بحسن السيرة والسلوك، في سبتمبر/أيلول من السنة نفسها. وعام 1810، حصل على الدكتوراه في الآداب بمرسوم إمبراطوري.

نقطة تحول في حياة شامبليون

في سن الـ 15 من عمره، سافر شامبليون إلى باريس عام 1807، وهناك تعلم -على يد كبار علماء ذلك العصر- العبرية والعربية والفارسية والسريانية والكلدانية والقبطية.

وكان يتابع بانتظام المحاضرات العامة في "كوليج دو فرانس" (مدرسة اللغات الثلاث) ومدرسة اللغات الشرقية، مع تركيزه على لغة الأقباط بشكل خاص، من خلال النصوص التي نقلت إلى باريس من مكتبة الفاتيكان في روما.

كما تواصل -بمساعدة من شقيقه- مع العالم جوزيف فورييه سكرتير البعثة العلمية التي رافقت حملة نابليون بونابارت على مصر، مما ساهم في دفع شامبليون لدراسة علم المصريات والتاريخ.

وكانت المجموعة الأثرية المصرية الخاصة بـ "فورييه" وبحوثه العلمية مثار فضول وإعجاب شامبليون، وقادته للاهتمام بتاريخ مصر ولغتها.

كما أدرك -على يد الراهب "دون رافاييل دي موناشيس" أستاذ العربية في باريس- أن القبطية مفتاح تفسير لغة المصريين القدماء، فأخد دروسا خصوصية في نطقها والتخاطب بها، على يد القس القبطي المصري يوحنا الشفتشي.

فك الرموز وكشف السر

كان المستشرق الفرنسي "سلفستر دي ساسي" أول من حاول فك رموزها ولم ينجح، فسلمها إلى تلميذه شامبليون.

منذ تلك اللحظة، جعل شامبليون "حجر رشيد" مهمة حياته، وشكلت الحروف الهيروغليفية تحديا جديدا شغله، فحاول فك شفرة حديث الآلهة الفرعونية، التي تمثل اللغة القبطية الصدى الصوتي لها.

وظل شامبليون في باريس لمدة 7 سنوات، يحاول الكشف عن خبايا وأسرار الحجر الذي تم اكتشافه بمدينة رشيد عام 1799، على يد جندي بحملة نابليون على مصر، وهو عبارة عن نصب تذكاري من البازلت الأسود.

وعام 1822، اكتشف شامبليون ختما ملكيا مأخوذا من معبد أبو سمبل، واستطاع من خلاله أن يميز اسم الملك رمسيس. وكان حجر رشيد يحتوي على نقش لمرسوم ملكي يعود إلى عام 196 ميلادي، وصدر بمدينة منف تخليدا للحاكم بطليموس الخامس.

وكتب الكهنة هذا النقش ببـ 3 لغات: الهيروغليفية (اللغة الرسمية في مصر القديمة) والتي أساسها الرسم والصور، والديموطيقية (الكتابة الشعبية في مصر القديمة) والهيراطيقية أو اليونانية القديمة (لغة الطبقة الحاكمة).

واستفاد مفسر لغة سكان مصر القدماء من معرفته باليونانية في مقارنة هذه النصوص الثلاثة، وتوصل إلى قراءة لغوية وصوتية للنص وترجمته، وساعدته دراسته للقبطية التي اعتبرها أكثر قربا للغة المصرية القديمة.

ثم درس أيضا نص "معبد جزيرة فيلة" المكتوب بالخط (الهيراطيقي) وتحته مقدمة باليونانية إلى بطليموس وكليوباترا. وأثبت أن الهيراطيقية اختصار للهيروغليفية بدليل الإشارات الموجودة في اسم بطليموس على حجر رشيد، وفي نص فيلة، وحين قارن بينهما استخرج 3 أحرف صوتية جديد.

وتمكن بتطبيقها من قراءة المزيد من الأختام الملكية، واكتشف أنها تحتوي على أسماء الملوك الإغريق والقياصرة الرومان. وكانت النتيجة المهمة -التي ساعدته على فك رموز اللغة كاملة- هي برهانه بأن الهيروغليفية لها خاصية إصدار أصوات وفق نظام دقيق معقد، وهذا ما أغفله الباحثون قبله.

وفي صباح يوم 14 سبتمبر/أيلول 1822، إلى مكتب شقيقه ليخبره أنه وجد حل شفرة الهيروغليفية التي ظلت عصية عن القراءة طيلة 1500 عام، ثم انهار في حالة من الإغماء

حياة مليئة بالإنجازات

وعام 1808، تم تعيينه لاكتشاف أسرار الهيروغليفية، وعضوا مراسلا لأكاديمية العلوم والفنون بغرونوبل، وبدأ في دراسة برقيات مكتوبة بالخط المرسل، وتأليف كتاب القواعد المصرية (القبطية) والذي أنهاه في مارس/آذار 1809، وعكف على دراسة نسخة من "حجر رشيد".

في 20 يوليو/تموز 1809، عين أستاذا مساعدا في مادة التاريخ القديم بكلية آداب غرونوبل، واستمر في التدريس هناك حتى عام 1815، عندما تم إغلاقها. وعام 1812، عين مساعدا في مكتبة غرونوبل، وأمينا عاما لكلية الآداب.

وعام 1816، دفع شامبليون ثمن مساندته لنابليون أثناء ما يعرف بـ "أزمة الـ 100 يوم" فخسر وظيفة التدريس، ثم عاد إليها عام 1817، واستأنف أبحاثه، وأصبح مديرا للمدرسة اللاتينية في هونفلور عام 1819.

وعام 1821، اشترك في انتفاضة الطلبة، وهرب من محاكمة بتهمة الخيانة العظمى، فغادر إلى باريس بعد أن حرم من جميع وظائفه، وكرس وقته لبحث فك شفرة الهيروغليفيات.

وعام 1826، خاض رحلة إلى ليفورون بتكليف ملكي، في مهمة لتقدير قيمة آثار "مجموعة سولت" وفي 14 مايو/أيار من العام نفسه، أصدر شارل العاشر أمرا ملكيا بإنشاء "الجناح المصري" في متحف اللوفر، وعين شامبليون أمينا عاما له، تقديرا لجهوده ومناداته بإنشاء متحف للآثار المصرية.

ومن أغسطس/آب 1828 إلى ديسمبر/كانون الأول 1829، شارك في بعثة علمية إلى مصر، وكُرم بوسام جوقة الشرف من رتبة فارس. وفي مايو/أيار 1830، حصل على عضوية أكاديمية العلوم والفنون، ونال عضوية كثير من الهيئات العلمية، مثل الجمعية الآسيوية الفرنسية، المعهد الألماني للآثار، الأكاديمية الملكية الهولندية للفنون والعلوم، الأكاديمية الروسية للعلوم، الأكاديمية الملكية السويدية للتاريخ والآثار.

وفي 12 مارس/آذار 1831، عين بمنصب أستاذ كرسي في دراسات تاريخ مصر القديم (علم المصريات) في (كوليج دو فرانس).

الوفاة

توفي شامبليون في باريس بالرابع من مارس/آذار 1832، عن عمر ناهز 41 عاما، ودفن في مقبرة بير لاشيز، وأقيمت بجوار قبره مسلة على الطراز الفرعوني من الحجر الرملي.

ورفضت عائلته السماح بتشريح الجثة، لكن دراسة التقارير عن حالته دفعت الطبيب إلى استخلاص بعض الاستنتاجات حول وفاته. وكتب أن مصطلح "السكتة الدماغية" يستخدم في حالة وفاته بالمعنى العام، بدلا من التشخيص الطبي الرسمي، فأثناء وجوده في مصر، لم يكن شامبليون يعاني من مرض ليمفاوي أو حمى، لكن في وقت لاحق من حياته، عانى من ضعف العضلات وشلل الأطراف، وفي الأسابيع الأخيرة من حياته لم يكن قادرا على الكلام.

وهذا ما قاد الطبيب إلى استنتاج أنه مصاب بالتصلب الجانبي الضموري أو شلل تام في عضلاته، وفي النهاية لم يستطع التنفس، ولم يكن يعاني من أمراض القلب أو نقص في تدفق الدم.

كما توجد أسباب عديدة للاعتقاد بأن وراء اعتلال صحة هذا العالم -الشغوف بالأحجار المنقوشة- شربه من ماء النيل، والمحنة المناخية لدى عودته من مصر، وكان أصعبها تعرضه لثلج محجر تولون الصحي في فرنسا شتاء ذلك العام.

toTop