كيف يمكن لمستعر أعظم قريب أن ينهي البحث عن المادة المظلمة

تعتبر المستعرات الأعظمية من أكثر الأحداث نشاطاً ودراماتيكية في الكون، فهي قادرة على إطلاق قدر من الطاقة في بضع ثوانٍ يعادل ما ستطلقه الشمس طوال عمرها. لا تُشكِّل هذه الانفجارات النجمية الكون فحسب، بل إنها تُقدِّم أيضاً أدلّة حول بعض الظواهر الأكثر مراوغة في الكون، بما في ذلك المادة المظلمة. يُعتقد أن المادة المظلمة، وهي شكل غامض من المادة لا ينبعث منها الضوء ولا تمتصه ولا تعكسه، تشكل حوالي 27٪ من محتوى الكون من الكتلة والطاقة. وبينما كرّسَت البشرية عقوداً من الزمن للبحث عن أدلة مباشرة على المادة المظلمة، فإن المستعر الأعظم القريب قد يؤثِّر بشكل عميق على هذا المسعى. في هذه المقالة، نستكشف طبيعة المستعرات الأعظمية القريبة وبيئتها، وتأثيرها المحتمل على البحث عن المادة المظلمة، والعواقب المُترَتِّبة على مثل هذا الحدث الكوني.

1. تعريف المستعر الأعظم القريب.

يشير مصطلح "المستعر الأعظم القريب" عادةً إلى انفجار نجمي يحدث على بعد بضع مئات من السنين الضوئية من الأرض. وفي حين أن المستعرات الأعظمية شائعة نسبياً في المجرات البعيدة، فإن الأحداث القريبة نادرة. على سبيل المثال، حدث المستعر الأعظم الذي أنشأ سديم السرطان في عام 1054 بعد الميلاد على بعد حوالي 6500 سنة ضوئية وكان مرئياً للعين المجردة. أما المستعر الأعظم الذي يقع على بعد 50-100 سنة ضوئية فمن شأنه أن يُخلِّف تأثيرات أعمق وخطيرة محتملة على الأرض.

2. تشكُّل المستعر الأعظم القريب وأصله.

صورة من wikipedia
صورة من wikipedia

أ. المستعرات الأعظمية الناتجة عن انهيار النواة (core): تنشأ هذه المستعرات نتيجة الانهيار الجاذبي للنجوم الضخمة (أكثر من ثمانية أضعاف كتلة الشمس) في نهاية دورة حياتها. تنهار النواة لتتحول إلى نجم نيوتروني أو ثقب أسود، وتُطلق كمية هائلة من الطاقة.

ب. المستعرات العظمى من النوع Ia: تحدث هذه المستعرات في الأنظمة النجمية الثنائية عندما يُراكم القزم الأبيض ما يكفي من المادة من قرينه لتجاوز حد شاندراسيخار (Chandrasekhar) (حوالي 1,4 كتلة شمسية)، مما يؤدي إلى انفجار نووي حراري.

من المرجح أن تنشأ المستعرات العظمى القريبة من مناطق ذات كثافة نجمية عالية، مثل المستوى المجري. وتُعد ّالنجوم مثل بيتلجوز (Betelgeuse) (على بعد حوالي 642 سنة ضوئية) مرشحة محتملة للمستعرات العظمى المستقبلية.

3. بيئة المستعرات العظمى القريبة.

صورة من wikipedia
صورة من wikipedia

تتميز البيئة المحيطة بالمستعر الأعظم القريب بما يلي:

موجات الصدمة: تنتشر موجات الصدمة عالية الطاقة عبر الوسط بين النجوم، مما يؤدي إلى تسريع الجسيمات إلى سرعات قريبة من الضوء.

الإشعاع: يمكن أن تؤدي الانفجارات الشديدة من أشعة جاما، والأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية إلى تأين المادة المحيطة.

المقذوفات: يتم طرد بقايا النجوم، بما في ذلك العناصر الثقيلة مثل الحديد والنيكل، إلى الفضاء المحيط بسرعات عالية، مما يُثري الوسط بين النجوم.

4. تأثيرات المستعرات العظمى القريبة على محيطها.

صورة من wikipedia
صورة من wikipedia

تمتد تأثيرات المستعرات العظمى القريبة إلى ما هو أبعد من المنطقة المجاورة مباشرة. ويمكنها أن تؤدي إلى ما يلي:

تعطيل الغلاف الشمسي: يمكن لموجة صدمة المستعر الأعظم أن تضغط على الغلاف الشمسي، أي الفقاعة الواقية للأرض ضد الإشعاع الكوني، مما يُعرِّض الكوكب لتدفق متزايد من الأشعة الكونية.

تغيير النظم البيئية المجرّية: تؤثر المستعرات العظمى على معدلات تشكُّل النجوم وتوزيع العناصر الثقيلة المهمة للتطور الكوكبي والبيولوجي.

التأثير على الكواكب القريبة: يمكن للإشعاع الشديد وتدفقات الجسيمات أن تؤدي إلى تآكل الغلاف الجوي الكوكبي، مما يشكل مخاطر وجودية لأي أشكال حياة.

حقل جاديس العميق: حدّد فريق من علماء الفلك الذين يدرسون بيانات جاديس حوالي 80 جسماً (محاطاً بدائرة خضراء) تغير سطوعها بمرور الوقت. معظم هذه الأجسام، المعروفة باسم الأجسام العابرة، هي نتيجة لانفجار النجوم أو المستعرات العظمى.

5. المادة المظلمة: التعريف والتشكُّل والأصل.

المادة المظلمة هي شكل مفترض من أشكال المادة التي تتفاعل في المقام الأول من خلال الجاذبية. لا تصدر الإشعاع الكهرومغناطيسي ولا تتفاعل معه، مما يجعلها غير مرئية لطرائق الكشف التقليدية. تشمل الأدلة على وجود المادة المظلمة ما يلي:

منحنيات دوران المجرات: تُظهر الملاحظات أن المناطق الخارجية من المجرات تدور بسرعة أكبر مما يمكن تفسيره بالمادة المرئية وحدها.

العدسة الجاذبية: يشير انحناء الضوء حول مجموعات المجرات الضخمة إلى وجود كتلة غير مرئية.

الخلفية الكونية للأمواج المكروية (Cosmic Microwave Background CMB): تشير الأنماط في إشعاع الخلفية الكونية للأمواج المكروية إلى وجود مادة غير باريونية.

يُعتقد أن المادة المظلمة نشأت أثناء الكون المُبكِّر، بعد وقت قصير من الانفجار العظيم. ويشتمل المرشحون الرئيسيون على الجسيمات الضخمة المتفاعلة بشكل ضعيف (Weakly Interacting Massive Particles WIMPs)، والأكسيونات (axions)، والنيوترينوات العقيمة.

6. البحث عن المادة المظلمة.

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

يستخدم الفيزيائيون طرقاً متعددة للكشف عن المادة المظلمة:

أ. الكشف المباشر: تهدف تجارب مثل LUX-ZEPLIN وXENON إلى الكشف عن تفاعلات WIMP مع المادة العادية.

ب. الكشف غير المباشر: ملاحظات أشعة جاما أو النيوترينوات الناتجة عن فناء المادة المظلمة أو تحلُّلها.

ت. تجارب المُصادِم: تهدف التجارب عالية الطاقة في منشآت مثل سيرن (Cern) إلى إنتاج جسيمات المادة المظلمة.

على الرغم من الجهود المكثفة، لم يتم العثور على دليل قاطع على المادة المظلمة، مما يترك طبيعتها لغزاً دائماً.

7. تأثير المستعر الأعظم القريب على البحث عن المادة المظلمة.

يمكن أن يؤثر المستعر الأعظم القريب بشكل كبير على جهود اكتشاف المادة المظلمة، وذلك من خلال:

زيادة الضجيج الخلفي: يمكن أن تطغى انفجارات الأشعة الكونية والنيوترينوات من المستعر الأعظم على أجهزة الكشف الحساسة، مما يخفي إشارات المادة المظلمة المُحتمَلة.

تلف أجهزة الكشف: يمكن للجسيمات عالية الطاقة أن تلحق فعلياً الضرر بالأجهزة.

فرص اكتشاف محسنة: على العكس من ذلك، قد تنتج بيئة الطاقة العالية للمستعر الأعظم إشارات عابرة للمادة المظلمة أو تخلق ظروفاً مواتية لدراسة تفاعلات المادة المظلمة.

تشير المحاكاة العددية إلى أن المستعر الأعظم يمكن أن يزيد من تدفق الأشعة الكونية بنسبة تصل إلى 300 ٪في غضون 30 سنة ضوئية، مما يَفرِض تحديات شديدة على تحجيب الكاشف ومعايرته.

يُمثِّل حدوث مستعر أعظم قريب تهديداً وفرصة في السعي لفهم المادة المظلمة. ورغم أن الطاقة الهائلة والإشعاعات الناجمة عن مثل هذا الحدث قد تُعطِّل التجارب الجارية وتُلحِق الضرر بالمعدات الحساسة، فإنها قد توفر أيضاً ظروفاً فريدة لاستكشاف تفاعلات المادة المظلمة. ومع الاستمرار في تعزيز فهم كلٍ من المستعرات الأعظمية والمادة المظلمة، فإن حماية استراتيجيات الكشف وتحسينها ضد الأحداث الكونية سيكون أمراً بالغ الأهمية. وفي السياق الأوسع، يؤكد التفاعل بين هذه الظواهر الكونية على الترابط بين الكون والسعي المستمر لكشف أعمق أسراره.

  • الحيوانات
  • إدارة وأعمال
  • الثقافة
  • الطعام
  • أسلوب الحياة
  • علوم
  • تقينة
  • الرحلات والسفر

    علوم

      المزيد من المقالات