يُعدّ البحث العلمي حجر الزاوية في التقدم البشري، إذ يُشكّل مصير الطب والتكنولوجيا وقرارات السياسات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، تتزايد المخاوف بشأن سوء السلوك العلمي، مما يُهدِّد نزاهة البحث. تُشير التقارير إلى ارتفاع في الأوراق البحثية المسحوبة، والبيانات المُزيفة، وتضارب المصالح، مما يدفع الباحثين وصانعي السياسات إلى التدقيق في أسبابه وتداعياته. ولكن ما الذي يُشكّل سوء السلوك العلمي تحديداً؟ يستكشف هذا المقال نشوء سوء السلوك العلمي، وتعريفه، وتنظيمه، وتداعياته المستقبلية.
عرض النقاط الرئيسية
تطور السلوك العلمي بالتزامن مع إضفاء الطابع الرسمي على المنهج العلمي. ظهرت المبادئ التوجيهية الأخلاقية في وقت مُبكِّر من القرن السابع عشر مع تأسيس الجمعيات العلمية مثل الجمعية الملكية (1660) وأكاديمية العلوم (1666). ومع إضفاء الطابع المؤسسي على البحث في الجامعات والهيئات الحكومية، تطورت معايير سلامة البيانات، ومراجعة الأقران، ودراسات التكرار، مما عزّز مصداقية المعرفة العلمية.
قراءة مقترحة
يشير السلوك العلمي إلى المعايير الأخلاقية والمنهجية التي تضمن مصداقية البحث. وتشمل مبادئه الأساسية ما يلي:
• الصدق: دقة الإبلاغ عن البيانات والأساليب والنتائج.
• الشفافية: الكشف عن تضارب المصالح ومصادر التمويل.
• إمكانية إعادة الإنتاج: تمكين الباحثين الآخرين من التحقُّق من النتائج.
• احترام المشاركين من البشر والحيوانات: الالتزام بالمبادئ التوجيهية الأخلاقية مثل تقرير بلمونت (Belmont) (1979) وإعلان هلسنكي (المنقح، 1964).
تلعب الحكومات والجامعات ومؤسسات البحث دوراً حاسماً في ضمان الالتزام بالسلوك العلمي من خلال آليات تنظيمية مختلفة:
• مجالس المراجعة المؤسسية (Institutional Review Boards IRBs): مراجعة مقترحات البحث لضمان استيفائها للمعايير الأخلاقية.
• سياسات جهات التمويل: تشترط منظمات مثل المعاهد الوطنية للصحة (National Institutes of Health NIH) والمجلس الأوروبي للبحوث (European Research Council ERC) الالتزام بمبادئ توجيهية أخلاقية صارمة.
• لجان الأخلاقيات: لدى العديد من الجامعات لجان أخلاقية مخصصة تُشرف على نزاهة البحث. • المجلات ومراجعة الأقران: يطبق الناشرون الأكاديميون عمليات مراجعة أقران صارمة للكشف عن الممارسات غير الأخلاقية وضمان موثوقية الدراسات المنشورة.
تشمل جهود تنظيم السلوك العلمي برامج تدريبية إلزامية، وسياسات لتبادل البيانات، وعقوبات صارمة على الانتهاكات الأخلاقية.
تشرف عدة مؤسسات على النزاهة العلمية وتُطبِّقها على المستويين الوطني والدولي:
• مكتب نزاهة البحث الأمريكي (Office for Research Integrity ORI): يُحقِّق في سوء السلوك البحثي ويُعزِّز السلوك المسؤول.
• المكتب الأوروبي لنزاهة البحث (European Research Integrity Office ERIO): يقدم إرشادات وأفضل الممارسات للباحثين في أوروبا.
• لجنة أخلاقيات النشر (Committee on Publication ethics COPE): تدعم الناشرين في التعامل مع الانتهاكات الأخلاقية في النشر العلمي.
• المؤتمر العالمي لنزاهة البحث (World Conference on Research Integrity WCRI): منتدى دولي يتناول أخلاقيات البحث ويعزز المعايير العالمية.
• مرصد الأخلاقيات العالمي التابع لليونسكو: يُطوّر أطراً لنزاهة البحث في جميع أنحاء العالم.
تتعاون هذه المؤسسات مع الجامعات والمجلات العلمية وصانعي السياسات للحفاظ على المصداقية العلمية وضمان المساءلة.
على الرغم من الرقابة الصارمة، ازدادت حالات سوء السلوك، لا سيما في المجالات شديدة التنافسية. كانت أول حالة موثقة جيداً هي خدعة رجل بلتداون (Piltdown Man hoax) (1912-1953)، حيث ضلّل دليل الحفريات الاحتيالي المجتمع العلمي لعقود. وتُبرز الحالات الحديثة، مثل سحب أكثر من 200 ورقة بحثية من قِبل طبيب التخدير يوشيتاكا فوجي (Yoshitaka Fujii)، استمرار سوء السلوك.
يشمل سوء السلوك العلمي الممارسات التي تنتهك معايير البحث الأخلاقية. ووفقاً لمكتب نزاهة البحث، تشمل الأشكال الرئيسية ما يلي:
• التلفيق: اختلاق البيانات أو النتائج.
• التزوير: التلاعب بالبيانات أو عمليات البحث.
• الانتحال: استخدام عمل شخص آخر دون الإشارة إلى مصدره.
غالباً ما ينبع سوء السلوك من ضغوط الأنظمة وحوافز فردية، بما في ذلك:
• ضغط النشر: ثقافة "النشر أو الهلاك" السائدة في الأوساط الأكاديمية.
• الحوافز المالية: المنح والترقيات المرتبطة بإنتاج البحث.
• غياب الرقابة: ضعف إنفاذ اللوائح في بعض المؤسسات.
يتخذ سوء السلوك العلمي أشكالاً مختلفة، مثل:
• الكتابة بالنيابة: تقديم أعمال من تأليف أفراد غير معترف بهم وغير مذكورين في الأدبيات.
• التقطيع: نشر البحث نفسه في أوراق بحثية متعددة لزيادة الإنتاجية ولتضخيم الإنتاج العلمي.
• التلاعب بمراجعة الأقران: تقويض نزاهة عملية المراجعة.
إن آثار سوء السلوك العلمي عميقة، وتؤدي إلى:
• التضليل: تؤثر الدراسات الخاطئة على السياسات والعلاجات الطبية.
• تآكل ثقة الجمهور: تُضعف الفضائح الثقة في العلم.
• التكاليف الاقتصادية: تُهدر عمليات سحب الدراسات والتحقيقات ملايين الدولارات من تمويل الأبحاث.
• مثال: أدى سحب دراسات احتيالية حول كوفيد-19 إلى تعطيل سياسات الصحة العامة.
نفَّذت الحكومات ومؤسسات البحث تدابير متنوعة لمكافحة سوء السلوك:
• قواعد بيانات سحب الأبحاث: تتعقَّب منصات، مثل "مراقبة سحب الأبحاث"، الأوراق البحثية المسحوبة.
• حماية المُبلغين عن المخالفات: قوانين تحمي من يكشفون عن الاحتيال.
• تدريب أخلاقي إلزامي: تُلزم مؤسسات البحث العلماء الآن بتثقيف أخلاقي.
- مراجع وطنية ودولية لتنظيم سوء السلوك العلمي.
تُنظِّم عدة وثائق رئيسية النزاهة العلمية:
• سياسة سوء السلوك البحثي الفيدرالية الأمريكية (2000)،
• بيان سنغافورة بشأن نزاهة البحث (2010)،
• مدونة قواعد السلوك الأوروبية لنزاهة البحث (2017)،
تُشير الدراسات إلى ارتفاع كبير في حالات سحب الأبحاث:
• ازداد عدد حالات سحب الأبحاث من 40 حالة سنوياً في عام 2000 إلى أكثر من 600 حالة سنوياً بحلول عام 2020 (بيانات "مراقبة سحب الأبحاث").
• يعترف 10% من العلماء بانخراطهم في ممارسات بحثية مشبوهة.
تتصدر الصين والولايات المتحدة قائمة الدول التي تُسحب منها الأوراق البحثية، غالباً بسبب ضغوط النشر المنهجية (نيتشر، 2022).
وتهدف التطورات التكنولوجية وإصلاحات السياسات إلى الحد من سوء السلوك من خلال:
• الكشف عن الانتحال باستخدام الذكاء الاصطناعي: تستخدم المجلات العلمية التعلُّم الآلي للكشف عن الاحتيال.
• مساءلة مؤسسية أقوى: تتبنى الجامعات عمليات مراجعة أكثر صرامة.
• تحول ثقافي نحو شفافية البحث: يزيد النشر مفتوح المصدر من التدقيق وإمكانية إعادة الإنتاج.
يُشكل سوء السلوك العلمي تحدياً كبيراً لمصداقية البحث وثقة الجمهور بالعلم. وبينما يتزايد سوء السلوك بسبب الضغوط المنهجية، تتقدم أيضاً الجهود الرامية إلى تنظيم الممارسات غير الأخلاقية ومنعها. ومن خلال تعزيز الرقابة، وتشجيع الشفافية، والاستفادة من التكنولوجيا، يمكن للمجتمع العلمي أن يدعم النزاهة ويضمن موثوقية البحث للأجيال القادمة.
مصر وجنوب أفريقيا تهيمنان على مشهد المليونيرات في أفريقيا
استكشف ليريا: وجهة ساحرة تجمع بين التاريخ والطبيعة في البرتغال
وداعاً للاعتماد على الطاقة: اكتشاف ألاسكا 1100 تيراواط/ساعة وتداعياته على الطاقة العالمية
ورزازات: هوليوود المغرب وبوابة الصحراء الكبرى
قد تتغير قوانين الكون كما نعرفها جميعًا - بسبب جسيم غريب واحد
الإجهاد المناخي وكيف يمكن للذكاء الصنعي المساعدة في مكافحة التقاعس عن العمل
الحرية المالية: خطوات عملية للخروج من دوامة الراتب الشهري
الصحة النفسية والمال: كيف يؤثر التوتر المالي على حياتنا؟
عادات نمط الحياة اليومية التي تستنزف قوة إرادتك
منصات بيع السيارات أونلاين: هل الشراء الرقمي أكثر أمانًا أم مخاطرة؟