على مدى العقد الماضي، تحوّلت تربية النحل العضوية في المملكة العربية السعودية من ممارسة ريفية متواضعة إلى صناعة حديثة ومستدامة وعالية القيمة. بدعم من المبادرات الحكومية في إطار رؤية 2030، يستفيد هذا التحول من تربية النحل التقليدية، وأفضل الممارسات المتطورة، والشهادات البيئية لتلبية الطلب العالمي على عسل نظيف وقابل للتتبع. تُحلِّل هذه المقالة هذا التحول الذي تشهده المملكة العربية السعودية في جغرافيتها وديموغرافيتها واقتصادها، ومكانتها في المشهد العالمي لتربية النحل.
تغطي المملكة العربية السعودية مساحةً تُقارب 2.15 مليون كيلومتر مربع، وهي في مُعظمها أراضٍ صحراوية، مع حوالي 16% فقط من أراضيها الصالحة للزراعة أو المأهولة. يتركز معظم سكانها وزراعتها في مناطق أكثر برودةً وأكثر ارتفاعاً: غرب الحجاز وجبال السروات (مثل عسير والباحة والطائف). يعود تراث تربية النحل العريق في هذه المناطق إلى المناحل القديمة - مثل 1200 خلية حجرية في الخرافي بميسان على جبال السروات - التي بُنيت منذ أكثر من 1000 عام، مُستفيدةً من المدرجات والنباتات العطرية المحلية لإنتاج عسل السدر والسمرا وأنواعٍ أخرى عالية القيمة من العسل العربي.
قراءة مقترحة
يجذب نحل العسل في المناطق العليا من المملكة العربية السعودية حشوداً كبيرة، مما يجعل جبال سوداح، المغطاة بأشجار العرعر المحلية، أحد أكثر النماذج إثارة للاهتمام للسياحة المستدامة في الشرق الأوسط
منذ انطلاق مسيرتها المهنية في تربية النحل قبل أربع سنوات، حققت نورا الشمري نجاحاً باهراً، ولُقبت بـ"مربية نحل الشمال"
صناعة العسل
يبلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية حوالي 36 مليون نسمة، ويتركزون بشكل كبير في المناطق الحضرية مثل الرياض وجدة والدمام. أما المناطق الريفية الجبلية - مثل عسير والباحة وجازان والطائف - فتضم مناطق زراعية خصبة ومراكز لتربية النحل بفضل ارتفاعها (2200-1500متر)، ومعدلات هطول أمطار أعلى نسبيًاً (حوالي 350-200 ملم سنوياً)، وتنوع الحياة النباتية، مما يوفر ظروفاً مثالية لتربية النحل.
في حين لا تزال الهيدروكربونات تهيمن (حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي)، فقد مكّن التنويع الاقتصادي في ظل رؤية 2030 القطاعات غير النفطية - وخاصة الزراعة، التي تمثل حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي. تقدم وزارة البيئة والمياه والزراعة قروضاً بدون فوائد، وإعانات، ودعماً للبنية التحتية يهدف إلى تحديث المزارع وتعزيز الأمن الغذائي. منذ عام 2018، خصصت مبادرة للزراعة العضوية 200مليون دولار أمريكي لزيادة الإنتاج العضوي بنسبة 300%، مع إعطاء الأولوية لتربية النحل.
بلغ إنتاج العسل العالمي حوالي 1.9مليون طن في عام 2023. ومن أبرز الدول المنتجة الصين (حوالي 24%)، وتركيا، وإثيوبيا، وإيران. منذ ستينيات القرن الماضي، زاد عدد خلايا النحل المُدارة بنسبة 66% تقريباً، بينما زاد الإنتاج بنسبة 180% تقريباً، على الرغم من الانخفاض الإقليمي في أعداد المستعمرات، مما أثار القلق بشأن الاستدامة.
اعتباراً من 2024-2023:
• ارتفع الإنتاج المحلي من 2646طناً في عام 2020 إلى 3120 طناً في عام 2023 (بزيادة قدرها 41%)، مع هدف الوصول إلى 7500 طن بحلول عام 2026.
• ارتفعت صادرات العسل من 3.68مليون كيلوغرام (27 مليون دولار أمريكي) في عام 2021 إلى 3.46 مليون كيلوغرام (14.98 مليون دولار أمريكي) في عام 2023، مع وجود مشترين رئيسيين مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان، بالإضافة إلى أسواق عالمية بما في ذلك كندا والولايات المتحدة الأمريكية.
• يبلغ عدد مربي النحل حوالي 25737منحلاً في المحميات وحدها، إلى جانب أكثر من 10000 منحل تجاري تدعمهم شركة ريف السعودية للأعمال.
لا تزال الطرائق التقليدية تشمل خلايا النحل المصنوعة من جذوع الأشجار والحجر - العديد منها مُدرّجة وأخرى مبنية يدوياً - كما هو الحال في المواقع التاريخية مثل ميسان. وتتعايش الآن خلايا ومعدات حديثة من نوع لانغستروث جنباً إلى جنب مع هذه الأنظمة التراثية.
تتضمن تربية النحل العضوية ما يلي:
• الاقتصار على البحث عن الغذاء باستخدام النباتات الطبيعية الخالية من المبيدات الحشرية.
• استخدام مواد خلايا النحل المعتمدة عضوياً (مثل أساسات الشمع الخالية من المبيدات الحشرية).
• مكافحة الأمراض والآفات من خلال العلاجات الطبيعية - بدون معالجات كيميائية.
• الحفاظ على بيئات التنوع البيولوجي وبيئات التعشيش.
في المملكة العربية السعودية، تتوافق معايير الاعتماد مع كل من الهيئات التنظيمية المحلية والمعايير الدولية من خلال برامج اعتماد الأغذية الزراعية.
منذ تموز 2022، أنشأ برنامج منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ووزارة البيئة والمياه والزراعة ستة مناحل نموذجية عضوية في الباحة، وعسير، وجازان، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وحائل، موفرين خلايا نحل حديثة، وآلات استخلاص، وأدوات تربية ملكات، وأجهزة تدخين، وأساسات شمعية. يشمل التدريب مكافحة الآفات والأمراض، وتكاثر المستعمرات، وأفضل الممارسات العضوية. يستخدم نموذج الإرشاد بين النحالين "مربي نحل نموذجيين" محليين لتبادل المهارات وتوسيع نطاق التعلم بين الأقران.
يشارك سعوديون في دورة تدريبية صيفية لتربية النحل في منطقة الباحة
تُحدث تربية النحل العضوية تحولات هيكلية:
البعد والتأثير
القيمة الاقتصادية: تُقدّر قيمة سوق العسل العضوي بـ 19.8مليون دولار أمريكي (2024)، ومن المتوقع أن تصل إلى 44.8مليون دولار أمريكي بحلول عام 2033 (معدل نمو سنوي مركب 8.5%).
مجموعة من هواة تربية النحل يتعلمون كيفية صنع صناديق خلايا النحل خلال ورشة عمل في جدة، يقدمها رائد أعمال العسل أحمد بادغاهيش
حجم الإنتاج: نمو ملحوظ في الإنتاج المحلي، مما دفع الحكومة إلى استثمار 37 مليون دولار أمريكي عبر شركة ريف السعودية
صُدِّر 3.5 مليون كيلوغرام في عام 2023، مع خطوط إنتاج جديدة معتمدة عالية القيمة تُحسِّن الوصول إلى الأسواق
يصل برنامج سبل العيش الريفية إلى أكثر من 10580 مشاركاً ريفياً؛ تستضيف المحميات أكثر من 25700خلية نحل في 256 موقعاً.
الرعاية البيئية: تعزيز النباتات المحلية (أنواع الطلح والسدر)، والتلقيح الطبيعي، وتجديد مواطن النحل
صحة النحل: الحد من التعرض للمواد الكيميائية للنحل؛ مراقبة الأمراض عبر برنامج منظمة الأغذية والزراعة
يُسلّط مهرجان العسل والمنتجات الزراعية في منطقة تبوك، شمال غرب المملكة العربية السعودية، الضوء على دور النحالين
أ. سعر مميز - يمكن بيع العسل العضوي المعتمد بهامش ربح مضاعف.
ب. فرص التصدير - يفتح أسواق دول مجلس التعاون الخليجي/الاتحاد الأوروبي/الولايات المتحدة الأمريكية للمنتجات العضوية الحلال القابلة للتتبع.
ت. التنوع البيولوجي - يدعم التنوع النباتي في المناطق البيئية الجبلية، مما يساعد على مرونة النظام البيئي.
ث. تثمين التراث - يحافظ على أنواع النحل الأصلية (Apis mellifera jemenitica) ومواقع خلايا النحل القديمة.
ج. التنمية الريفية - يُتيح التدريب على المهارات فرص عمل في تربية النحل، والسياحة الزراعية، وتصنيع العسل - بما يتماشى مع رؤية 2030.
• مذكرة تفاهم بين أرامكو السعودية وجمعية النحالين التعاونية (حزيران 2023): دعم 600 نحال بالأدوات والتدريب وتربية 10000ملكة نحل و4000 مستعمرة.
• استثمارات ريف السعودية (37مليون دولار): تمكين أكثر من 10580 نحالاً ريفياً؛ ارتفع الإنتاج بنسبة 41%ليصل إلى 3120 طناً في عام 2023.
• مناحل المحمية الملكية (محمية الإمام تركي بن عبد الله): أكثر من 25700 خلية نحل موزعة على 256 موقعاً، مما يعزز السياحة البيئية وفرص العمل.
منحل تاريخي يضم خلايا تقليدية لدجاج النحل السعودي من نوع Apis mellifera jemenitica، والذي احتفظت به نفس العائلة في الطائف لأكثر من 500 عام
• الإنتاج المستهدف: زيادة إنتاج العسل إلى 7500 طن بحلول عام 2026 من خلال توسيع نطاق الأساليب المعتمدة.
• توسيع نطاق الاعتماد: المزيد من المناحل العضوية؛ تربية النحل من خلال سبع محطات مُخطط لها لتربية ملكات النحل المُحسّنة.
• توسيع السوق: الاستفادة من أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، والحلال، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة العضوية؛ مكافحة تقليد العسل المُلقّح من خلال تقنية التتبع.
• البحث والابتكار: بحث وتطوير مستمر في مجال صحة النحل، ومقاومة تغير المناخ، وتربية نحل العسل Apis mellifera jemenitica.
• التكامل السياحي: تجمع المحميات الجبلية بين الحفاظ على البيئة، وتربية النحل، والسياحة الريفية لتوسيع مصادر الدخل.
تُجسّد تربية النحل العضوية في المملكة العربية السعودية مساراً تحولياً، بدءاً من وضع خلايا النحل في عصر القوافل القديمة على سفوح الجبال المُدرّجة، وصولاً إلى شبكات العسل العضوي المُعتمدة اليوم، المدعومة بتربية مُتقدّمة، وسياحة بيئية، واستثمارات حكومية، وتقنيات معالجة حديثة. يجمع هذا النهج بين النمو الاقتصادي، والتمكين الريفي، والرعاية البيئية، والحفاظ على التراث الثقافي. ومع اقتراب المملكة من تحقيق أهداف رؤية 2030، يُقدّم نموذج تربية النحل العضوية نموذجاً قابلاً للتكرار للأعمال الزراعية المستدامة التي تُوازن بين التقاليد والابتكار.
الحياة تزدهر في أعماق الأرض
لماذا يُعتبر مطار دبي الدولي مطاراً صامتاً؟
كيف يمكن لمستعر أعظم قريب أن ينهي البحث عن المادة المظلمة
8 مراحل يتطور كيان الأسرة من خلالهم
8 أطعمة غنية بالبروتين تعزز نمو العضلات
الجمال المذهل في قرية تيلويت البربرية، المغرب
عادل إمام: الزعيم المصري العملاق بأكثر من 150 عملًا فنيًا من الكوميديا إلى الدراما
كتب علمية جذابة للقراءة قد تغير حياة الإنسان إلى الأبد
زعمت شركة ناشئة أن جهازها قادر على علاج السرطان. لكن هذا لم يكن ممكنًا.
أسبوع الفن في الرياض: مركز الموسى يجمع بين الفنانين الرواد والناشئين