على بعد حوالي ساعة بالسيارة غرب هانوي، بعيدًا عن الزحام المروري والمباني الشاهقة الحديثة في عاصمة فيتنام، يقع مكان يبدو أن الوقت فيه يسير ببطء. قرية دوونغ لام القديمة، التي يشار إليها غالبًا باسم ”المتحف الحي“ للحياة الريفية الفيتنامية، توفر للزوار نظرة نادرة على جذور ثقافة الأمة. بجدرانها المغطاة بالطحالب والطرق المتعرجة والمنازل المشتركة التي يعود تاريخها إلى قرون وتقاليد احترامالأجداد الراسخة، دوونغ لام ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي رحلة إلى جوهر الهوية الفيتنامية. نقدم في هذه المقالة لمحة عن هذه القرية.
تشتهر دوونغ لام بكونها واحدة من أوائل القرى القديمة المعترف بها رسمياً في فيتنام. على عكس المواقع التراثية التي أعيد بناؤها، دوونغ لام قرية حية لا تزال العائلات المحلية تسكن في منازلها التقليدية التي توارثتها الأجيال. يعود تاريخ العديد من هذه المنازل إلى أكثر من 300 عام، وهي مبنية من اللاتريت - حجر أحمر فريد من نوعه في المنطقة - وخشب مع أسقف من القرميد. عند السير في الأزقة الضيقة، ستصادف بوابات متآكلة، وآبارًا خدمت العائلات لقرون، وأشجار بانيان تظلل أفنية القرية.
قراءة مقترحة
أحد منازل القرية
في عام 2006، صنفت الحكومة دوونغ لام كموقع تراثي وطني، اعترافًا بأهميتها المعمارية ودورها في الحفاظ على الثقافة الفيتنامية التقليدية. بالنسبة للعديد من الزوار، تبدو القرية وكأنها فصل من التاريخ يستمر في الكتابة كل يوم.
القرية القديمة دوونغ لام
لا تشتهر دوونغ لام بهندستها المعمارية فحسب، بل أيضًا بتراثها التاريخي. القرية هي مسقط رأس اثنين من ملوك فيتنام: فونغ هونغ (القرن الثامن) ونغو كوين (القرن العاشر). يحظى نغو كوين، على وجه الخصوص، بالاحترام لقيادته الانتصار على القوات الصينية في معركة نهر باش دانغ عام 938 م، التي مهدت الطريق لإنهاء ألف عام من السيطرة الأجنبية وبداية دولة فيتنامية مستقلة.
توجد أضرحة مخصصة لهذين البطلين القوميين في دوونغ لام وحولها، ما يجعل القرية موقعًا مهمًا للزيارة والسياحة. من خلال زيارتها، لا يختبر المرء الحياة الريفية فحسب، بل يتعرف أيضًا على الجوانب الأعمق لنضال فيتنام من أجل السيادة والمرونة الثقافية.
في القرى الفيتنامية التقليدية، تعتبر المنازل الجماعية — أو đình— المركز الثقافي والروحي. تحتفظ دوونغ لام ببعض أقدم المنازل الجماعية في فيتنام، مثل منزل مونغ فو الجماعي، الذي بُني في القرن السابع عشر.
كانت هذه الأماكن هي المكان الذي يجتمع فيه القرويون لمناقشة الشؤون الجماعية والاحتفال بالمهرجانات. تعكس هندستها المعمارية الانسجام مع الطبيعة: عوارض خشبية منحوتة بزخارف معقدة، وأسقف قرميدية منحنية مثل الأمواج، وساحات مفتوحة مصممة لاستيعاب الناس والطقوس.
واليوم، لا تزال هذه المنازل الجماعية تستضيف المهرجانات والاحتفالات، محافظةً على التقاليد التي ربطت المجتمعات معًا لقرون.
أحد المنازل الجماعية في القرية
بالإضافة إلى المعالم التاريخية، ما يجعل دوونغ لام مميزة هو إيقاع الحياة اليومية. لا تزال العائلات تطهو وجباتها التقليدية على مواقد الحطب، ويعمل المزارعون في حقول الرز المحيطة، ويمارس الحرفيون الحرف القديمة.
من أبرز الأنشطة التي يمكن للزوار القيام بها تذوق تشي لام (كعكة رز مع الزنجبيل والفول السوداني)، وهي طعام محلي شهير يتم إعداده غالبًا خلال المهرجانات. ومن الأنشطة الأخرى شرب الشاي الأخضر مع العائلة أثناء الاستماع إلى قصص توارثتها الأجيال عن عادات القرية.
ثقافة احترام الأجداد وتكريمهم متجذرة بعمق هنا. وهي ممارسة تعكس القيم المتمثلة في الاحترام وبرّ بالوالدين والاستمرارية بين الأجيال.
أحد طرقات القرية
تعد المهرجانات في دوونغ لام تعبيرًا حيويًا عن روح المجتمع. وأهمها هو المهرجان السنوي في نغو كوين، حيث يحتفل القرويون بانتصار الملك البطل ويصلون من أجل الازدهار. وتجمع الألعاب التقليدية والأغاني الشعبية والهدايا القرية معًا بطرق تعكس الممارسات القديمة التي تعود إلى قرون مضت.
هذه المهرجانات ليست مجرد عروض للغرباء، بل هي تقاليد حية تعزز الهوية الجماعية وتوفر الغذاء الروحي للسكان. بالنسبة للزوار، فإن المشاركة في هذه الأحداث أو حتى مشاهدتها توفر انغماسًا حقيقيًا في الحياة الثقافية الفيتنامية.
بينما تُعتبر دوونغ لام موقعًا تراثيًا عزيزًا، فإنها تواجه أيضًا بعض التحديات. فالتحديث ومتطلبات الحياة المعاصرة تتعارض أحيانًا مع جهود الحفاظ على التراث. قد ترغب العائلات المحلية في تجديد منازلها بمواد حديثة، بينما تسعى سلطات التراث إلى الحفاظ على الأصالة.
إن تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث واحتياجات المجتمع مهمة مستمرة. ومع ذلك، يفخر العديد من القرويين بدورهم كحراس للتقاليد، حيث يرحبون بالزوار ويشاركونهم أسلوب حياتهم. وتوفر السياحة، عندما تدار بشكل مسؤول، الدعم الاقتصادي الذي يساعد في الحفاظ على الناس والتراث.
زيارة دوونغ لام ليست مجرد زيارة سياحية، بل هي رحلة للتواصل. التواصل مع المناظر الطبيعية لريف فيتنام، بحقول الرز وأشجار البانيان. التواصل مع التاريخ، من خلال إرث الملوك وحكمة كبار السن. والتواصل مع أسلوب حياة يقدّر البساطة والاحترام والانسجام.
للمسافرين الذين يبحثون عن أكثر من مجرد صخب هانوي أو عظمة خليج ها لونج، تقدم دوونغ لام شيئًا مختلفًا: روح فيتنام، المحفوظة في الجدران الحجرية والطقوس المجتمعية وإيماءات الضيافة اليومية.
قرية دوونغ لام القديمة هي رحلة في جذور الثقافة الفيتنامية، ولقاء مع التاريخ والعمارة والتقاليد والمجتمع الحي. إنه مكان لا يُحصر فيه الماضي في المتاحف، بل يُنسج في الحياة اليومية. من خلال السير في أزقتها، وتناول الشاي مع سكانها، والتأمل في أبنيتها، يختبر الزوار فيتنام ليس فقط كدولة، بل كسلسلة متصلة من الذكريات والنضال والفخر الثقافي.
في عصر التغيير السريع، تقف دوونغ لام لتذكرنا بأن الهوية تُبنى على الجذور، وأن الحفاظ على تلك الجذور لا يثري الأمة فحسب، بل الإنسانية ككل.
لماذا يحظى الشاعر السوري المعاصر نزار قباني بشعبية كبيرة في العالم العربي؟
أفضل 10 صناع محتوى عرب عن عام 2024
الغردقة: وجهة البحر الأحمر لعشاق الشمس والمغامرات
السوسن الأخضر: تجسير الهوة بين الفن والنشاط لمواجهة التحديات البيئية في الأردن
قرية شاموني: تجربة جبال الألب الفرنسية بأسلوب فريد
ما مدى تأثير انفجار المركبة الفضائية على الغلاف الجوي؟
أحمد آباد مدينة تراثية عالمية في مدينة حديثة
مدينة الأقصر ... صاحبة ثلث آثار العالم
التراث الإنساني: الحفاظ على تدمر (سوريا) والبتراء (الأردن)
رشا هشام شربتجي: مخرجة سورية معروفة في الدراما العربية