في عام 1665، عندما طبعت مجلة Philosophical Transactions of the Royal Society ما يُعتبر على نطاق واسع اليوم أول مجلة علمية، لم يكن بإمكان سوى حفنة من العلماء المساهمة في الأدبيات العلمية العالمية أو حتى قراءتها. اليوم، يُنشر ما يقرب من 4 ملايين ورقة علمية كل عام في عشرات الآلاف من المجلات. تظهر الأبحاث الجديدة بسرعة كان من المستحيل تصورها قبل عقدين من الزمن. لقد أدت منصات الوصول المفتوح وأدوات الذكاء الاصطناعي والمجلات الإلكترونية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على النشر، ولكنها أثارت أيضًا سؤالًا ملحًا ومزعجًا: هل هناك عدد كبير جدًا من الأوراق العلمية؟ نقدم في هذه المقالة إجابة عن هذا السؤال.
تزايدت الإنتاجية العلمية بشكل كبير على مدى عقود، ولكن السنوات الخمس عشرة الماضية شهدت ارتفاعًا كبيرًا. أدى النشر الرقمي، والوصول المفتوح، والسباق العالمي للتصنيف الأكاديمي، إلى تسريع إنتاج الأبحاث في جميع أنحاء العالم. في بعض البلدان، يتم دفع رواتب الأكاديميين أو ترقيتهم بناءً على عدد الأوراق البحثية التي ينشرونها، وليس على تأثيرها على المدى الطويل.
قراءة مقترحة
والنتيجة هي أن الباحث قد يحتاج إلى تفحّص ودراسة مئات الأوراق البحثية كل شهر لمجرد البقاء على اطلاع على آخر المستجدات في مجاله. حتى المتخصصون يشعرون بالارتباك. تتجاوز وتيرة الإنتاج قدرة الإنسان على القراءة والتقييم والتحقق من الادعاءات. وهذا يضعنا في عنق زجاجة بدأ يظهر: فعدد الأوراق البحثية أكبر من عدد المراجعين، وعدد المجلات أكبر من القدرة التحريرية، والبيانات أكثر مما يمكن لأي شخص التحقق منه بشكل واقعي.
إن الكم الهائل من المنشورات يهدد بإغراق الاكتشافات ذات التأثير الكبير في بحر من الدراسات المتسرعة أو الزائدة عن الحاجة.
هل هناك دراسات زائدة عن الحاجة؟
أحد أسباب الحمل الزائد للأوراق البحثية هو سبب ثقافي. في الأوساط الأكاديمية، تعتمد المسارات المهنية على معايير النشر: مؤشر h، وعدد الاستشهادات، ومكانة المجلة. يشجع هذا الضغط الباحثين، وخاصة العلماء في بداية مسيرتهم المهنية، على النشر بشكل متكرر، وأحيانًا على حساب العمق أو الأصالة أو قابلية التكرار.
وقد أدى ذلك إلى عدة ممارسات إشكالية:
تقسيم دراسة ذات مغزى إلى عدة أبحاث صغيرة لتزيين السيرة الذاتية.
المشاريع مستعجلة أو ضعيفة أو غير مبتكرة بما يكفي — ولكنها لا تزال تنشر.
تنتج الشركات غير الأخلاقية الآن أوراقًا بحثية مزورة أو ملفقة مقابل رسوم، مستغلة الطلب على النشر السريع.
يقدم الناشرون مجلات جديدة كل عام — بعضها ذو سمعة طيبة، والبعض الآخر مفترس — وجميعها متعطشة للمحتوى.
والنتيجة هي بيئة نشر غالبًا ما تطغى فيها الكمية على الجودة.
عندما يطغى الكم على النوع
إحدى النتائج الأكثر إثارة للقلق من فرط الإنتاج هي أزمة قابلية التكرار، أي الوعي المتزايد بأن العديد من النتائج العلمية المنشورة لا يمكن تأكيدها بشكل مستقل، وهو أحد أهداف النشر العلمي في الأساس.
في علم النفس والبحوث الطبية الحيوية، أظهرت جهود التكرار الكبيرة أن ما بين 40٪ إلى 70٪ من النتائج المنشورة تفشل في اختبارات قابلية التكرار. هذا لا يعني بالضرورة أن الدراسات كانت مزورة؛ فغالبًا ما كانت ببساطة ضعيفة أو متسرعة أو غير مصممة بدقة.
لكن حجم المشكلة مرتبط بحجم الأوراق البحثية التي يتم إنتاجها:
إذا نشر المجتمع العلمي العالمي ملايين الأوراق البحثية سنويًا ولكن لم يكن لديه الوقت والتمويل الكافيين للتحقق سوى من نسبة صغيرة منها، فمن المحتم أن تتراكم الأخطاء والنتائج الخاطئة.
هناك أزمة في تكرارية التجارب
أحدثت مخدّمات المطبوعات المسبقة مثل arXivو bioRxivو medRxivثورة في سرعة وصول الأبحاث إلى الجمهور. خلال جائحة كوفيد، أصبحت المطبوعات المسبقة لا غنى عنها، حيث سمحت للعلماء بمشاركة البيانات بشكل أسرع من مراجعتها في المجلات.
لكن المطبوعات المسبقة تضيف بعدًا آخر إلى السؤال: ما الذي يعتبر ورقة بحثية؟
هذه المطبوعات المسبقة غير مراجَعة، وهي عامة، ويمكن الاستشهاد بها، كما يمكن أن تؤثر على السياسات أو التغطية الإعلامية قبل التحقق من صحتها. وهذا أمر مهم ومحفوف بالمخاطر في الوقت نفسه. لم يكن الحوار العلمي أكثر انفتاحًا من أي وقت مضى، لكنه لم يكن أيضًا أكثر عرضة للاستنتاجات المتسرعة أو سوء التفسير أو المعلومات الخاطئة.
يرى البعض أن الانفجار في عدد المنشورات هو نتيجة طبيعية لعالم أكثر تعليماً وترابطاً من الناحية التقانية. لم يسبق أن كان لدى هذا العدد الكبير من الناس الأدوات أو التدريب أو الموارد اللازمة للمشاركة في البحث العلمي. وبهذا المعنى، فإن هذا الارتفاع هو علامة على التمكين العالمي.
يرى آخرون الأمر بشكل مختلف. فهم يجادلون بأن نظام المراجعة من قبل الأقران مثقل بالأعباء، والمجلات تحفز على نشر المزيد، وليس الأفضل. من جهة ثانية، تكافئ الجامعات الإنتاج بدلاً من التأثير، وبهذا تضيع الإشارة (الأعمال الرائدة) في الضجيج (الأعمال التافهة).
كلا الرأيين صحيح. العلم أصبح أكثر ديمقراطية — ولكنه أصبح أيضًا أكثر فوضوية.
يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل نشر الأبحاث بطرق معقدة، إذ يمكنه تلخيص الأوراق البحثية، واقتراح الاقتباسات، والمساعدة في الكشف عن الانتحال، وفحص البيانات المزورة. كما يستطيع مساعدة المراجعين، وإنشاء النصوص أو المساعدة في كتابتها. لكن الذكاء الاصطناعي يسهل أيضًا إنتاج أوراق بحثية متوسطة الجودة أو آلية بكميات كبيرة. وقد أبلغت بعض المجلات بالفعل عن زيادة كبيرة في عدد المقالات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي — بعضها غير ضار، والبعض الآخر خادع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيساعدنا الذكاء الاصطناعي في إدارة هذا الفيض، أم سيؤدي إلى تسريعه؟
الذكاء الاصطناعي نعمة أم نقمة؟
يدعو العديد من العلماء وصانعي السياسات إلى إعادة تصور النشر الأكاديمي. تشمل الحلول المحتملة ما يلي:
مكافأة الباحثين على مساهماتهم طويلة الأجل، وليس على عدد المنشورات.
استخدام مراجعين محترفين مدفوعي الأجر، أو أدوات فحص بالذكاء الاصطناعي، أو مجموعات مراجعة مشتركة بين المؤسسات.
مطالبة الباحثين بتسجيل الفرضيات والأساليب قبل إجراء الدراسات لتقليل التحيز.
خلق حوافز ومجلات مخصصة للتحقق.
التركيز على عمق الأبحاث بدلاً من عددها.
ستساعد هذه التغييرات على استعادة التوازن بين توليد معرفة جديدة والتحقق من صحة ما هو موجود بالفعل.
الجواب، مثل العلم نفسه، أكثر تعقيدًا من مجرد نعم أو لا. إن ازدهار النشر الحديث هو انتصار وأزمة في الوقت نفسه — علامة على فضول الإنسان، ولكنه أيضًا تحذير من أن النظام الذي يهدف إلى الحفاظ على المعرفة وتقييمها يتعرض لضغوط بسبب ثقله. لذلك قد يكون السؤال الأفضل هو:
هل ننشر الأنواع الصحيحة من الأوراق البحثية العلمية؟
تتطلب العلوم الوضوح والدقة والثقة. لا يعاني العالم من كثرة الفضول، ولكنه قد يعاني من كثرة الأنظمة التي تكافئ السرعة على حساب الجوهر.
لن يكون التحدي في العقد القادم هو إبطاء العلوم، بل جعل نظام النشر أكثر ذكاءً وانتقائيةً وتوافقًا مع النزاهة العلمية. بعبارة أخرى، المشكلة ليست في الوفرة نفسها، بل في كيفية إدارتها.
الحرف التقليدية السعودية معروضة في مزاد الإبل في الجوف
لماذا اشتهرت هيفاء محمد وهبي المغنية والممثلة اللبنانية عالميًا؟
أندر شجرة في العالم لا تنبت إلا في المغرب
هل اليابانيون والعرب أكثر تشابهاً مما نعتقد؟
هيئة الأزياء السعودية تعرض علامات تجارية محلية في لندن
كوكب عملاق لاختبار حدود قابلية السكن
"مصر تنادي" - دعوة لاستكشاف متع صيف مصر التي لا تنتهي
8 عبارات يستخدمها الأشخاص غير الآمنين للغاية دون أن يدركوا مدى تلاعبهم
مدينة الأقصر ... صاحبة ثلث آثار العالم
أسرار الآثار والنقوش الصخرية في جبل البركل في السودان









