التأمين بالسلوك الفعلي للقيادة: هل يوفر المال لسائقي المنطقة العربية؟

ADVERTISEMENT

تحليل أسلوب القيادة ببيانات حية أصبح واقعا في سوق التأمين العربي، وتحول من مفهوم تقني بعيد إلى حل يومي يمكن أن يغير ما يدفعه السائق من تكلفة التأمين. التأمين حسب الاستخدام أو التأمين حسب السلوك الفعلي يرتكز على قياس ما يفعله السائق على الطريق، وليس فقط على عمره أو مدينته أو نوع مركبته. لكن السؤال الأهم اليوم: هل هذا النموذج عادل ماليا؟ وهل يناسب طرق المنطقة العربية، وظروفها، وسلوك سائقيها؟

يتطلب الجواب تفكيك الصورة بالكامل. لأن الأرقام وحدها لا تكفي، وما يبدو اقتصاديا لدى طرف قد لا يكون مفيدا لدى آخر. ولهذا سنغوص هنا في التفاصيل، وننظر إلى التكنولوجيا المستعملة، وطرق جمع البيانات، وتكاليفها، والمكاسب المحتملة، والمخاطر، والتحديات، وحقيقة جاهزية السوق، وإمكانات التوفير المالي لسائقي المنطقة العربية بدون تضليل أو تضخيم.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة gpointstudio على envato

ما هو التأمين حسب الاستخدام والتأمين حسب السلوك الفعلي للقيادة؟

التأمين حسب الاستخدام عملية تسعير تعتمد على المسافة التي يقطعها السائق، أو معدل الوقت الذي تستخدم فيه المركبة، أو حتى المكان والزمن الذي تتم فيه الرحلة (مثل الذروة المرورية، أو التنقلات الليلية). لا يرتبط الأمر فقط بالمسافة بل بالسياق. فإذا كان السائق نادرا ما يستخدم مركبته أو يقود في أوقات خالية من الحوادث، يمكن أن تُخَفض تكلفة التأمين بشكل منطقي.

أما التأمين بالسلوك الفعلي للقيادة فيتعمق أكثر. لأنه يحلل طريقة القيادة ذاتها. هل السائق يضغط على المكابح بشدة؟ هل يتجاوز السرعة بشكل متكرر؟ هل يتشتت أثناء القيادة؟ هل يوفر أمانا واستقرارا في السلوك المروري؟ كل هذا يتم قياسه عبر أنظمة التليماتكس المرتبطة بتطبيقات أو وحدات ذكية تجمع البيانات من السيارة أو الهاتف وترسلها لشركات التأمين.

ADVERTISEMENT

في المنطقة العربية، الشركات التي تطور هذا النموذج تستخدم عادة أجهزة أو تطبيقات تعمل بمبدأ مشابه، ثم يتم تقييم السائق بمنح نقاط تعكس أسلوب القيادة وتحدد تكلفة التأمين النهائية. كلما كانت النقاط أفضل، كان الخصم على التأمين أعلى.

كيف تقوم التكنولوجيا بتقييم السائق؟

تُجمع البيانات غالبا عبر أحد خيارين: وحدات ذكية يتم تركيبها داخل المركبة (تتصل بمنظمة تحليل البيانات التابعة لشركات التأمين)، أو تطبيقات هواتف تستخدم GPS ومستشعرات الحركة مثل الجيروسكوب والتسارع لقياس السلوك.

من أشهر المعايير التي تُستخدم في التقييم:

  • التسارع المفاجئ: يشير إلى القيادة العدوانية.
  • الكبح الحاد: يرتبط بعدم ترك مسافة أمان كافية.
  • السرعة المفرطة: تجاوز السرعة القانونية.
  • الانعطاف العنيف: فقدان السيطرة أو التهور في المنعطفات.
  • مدة القيادة: القيادة لوقت طويل بدون راحة (يرتبط بالتعب).
ADVERTISEMENT
  • التشتت: استخدام الهاتف أثناء القيادة أو السلوك غير المنتبه.
  • الطرق المستخدمة: هل الطرق عالية الخطورة؟
  • التوقيت: هل القيادة ليلا حين ترتفع الحوادث؟

كل هذه المحركات تُحلل وترسل بعدها لصيغة خوارزمية تنتج تقرير سلامة السائق، ويصل بناء عليه إشعار لشركة التأمين لتعديل تكلفة التأمين أو منح خصم.

الصورة بواسطة drazenphoto على envato

هل يستطيع السائق العربي توفير المال فعلا؟

الإجابة القصيرة: نعم، ولكن بشروط، وليست مكاسب مضمونة للجميع.

المنطقة العربية تضم ملايين السائقين، وبيئات مرورية متباينة، من الطرق السريعة في الخليج، إلى ازدحام المدن الكبرى، إلى مناطق تفتقر للتخطيط المروري الجيد. ولذلك، من سيستفيد؟

  • السائقون الذين يقطعون مسافات قليلة:
    في بعض البلدان العربية مثل الأردن أو المغرب أو لبنان، جزء كبير من السائقين لا يستخدم المركبة بشكل يومي بسبب الازدحام، أو غلاء الوقود، أو تفضيل النقل العام أحيانا. هؤلاء يمكنهم توفير ما بين 10% إلى 30% من تكلفة التأمين إذا كانت السياسة تعتمد على المسافة.
ADVERTISEMENT
  • السائقون ذوو السلوك المروري الهادئ:
    من لا يتجاوز السرعة، ويحافظ على مسافة أمان، ويتجنب الضغط المفاجئ على المكابح، يمكن أن يحصل على خصومات مرتفعة تصل أحيانا إلى 40%، بناء على ما تمنحه بعض شركات التأمين.
  • السائقون الشباب المنضبطون:
    الشباب عادة يدفعون أكثر في التأمين التقليدي. لكن إذا أثبتوا عبر التكنولوجيا أن أسلوب القيادة آمن، يمكنهم تخفيض تكلفة التأمين بشكل ملحوظ، وربما يصبحون أقل تكلفة تأمينيا من فئات عمرية أكبر سنا ولكن سلوكها المروري أسوأ.

لكن في المقابل، هناك فئات قد لا تستفيد:

  • القائد في مدن مزدحمة جدا:
    قيادة مركبة لمسافة قصيرة، ولكن داخل فوضى مرورية واعتماد متكرر على المكابح والكبح الحاد قد تمنح نقاط قيادة سيئة، وبالتالي قد لا يحصل السائق على أي خصم، بل ربما تزيد تكلفة التأمين لديه إذا كان النظام يعاقب السلوك المحفوف بالمخاطر حتى لو قل الاستخدام.
ADVERTISEMENT
  • السائق الذي يتحرك في طرق حوادثها كثيرة:
    بعض المناطق المصرية أو العراقية أو الليبية مثلا تعاني من حوادث كثيرة لعدة أسباب (مثل البنية التحتية، الإضاءة، المطبات، ثقافة الطريق، اختلاط الشاحنات بالمركبات). حتى لو كان أسلوب القيادة جيدا، يمكن أن يسجله النظام في منطقة مخاطر مرتفعة فيزداد السعر.
  • من يرفض مشاركة البيانات:
    البعض يرى أن مشاركة البيانات تهدد الخصوصية، أو لا يثق بنزاهة شركات التأمين في تقييمها، أو لا يملك اتصالا مستقرا دائما بالإنترنت، وهذا عائق كبير للتبني، وبالتالي لا استفادة مالية.

لماذا قد يكون النموذج أكثر ملاءمة لبعض الدول دون غيرها؟

الملاءمة تعتمد على قوانين المرور، دقة الخرائط، جودة الاتصال، حجم الحوادث، سلوك الناس، وأهم شيء شفافية شركات التأمين.

مثلا، شركات في الإمارات تستخدم هذا النموذج بشكل تجريبي أو فعلي منذ سنوات، بدعم حكومي في التحول الرقمي للتأمين، بينما أسواق أخرى ما زالت في بداية الطريق.

ADVERTISEMENT

جهات مثل مجلس الضمان الصحي ومؤسسات ضبط المرور المدعومة بالتحول الرقمي تجعل البيئة أفضل لتطبيق التأمين بالسلوك الفعلي، مقارنة ببلدان لا تزال فيها البيانات المرورية لا تخضع للقياس الرقمي الشامل.

التكنولوجيا هنا سلاح ذو حدين. قد توفر المال، ولكنها قد تبدو ظالمة إذا كان الطريق نفسه يفرض قيودا قاسية على السائق. فإذا كان النظام يقيس الكبح الحاد داخل مدينة تتطلب الكبح كل دقيقة، تصبح نتائجه مضللة، ما لم تكن شركة التأمين تطبق أدوات ذكاء سياقي لتفهم طبيعة المنطقة، وهذا ليس متوفرا لدى جميع شركات سوق التأمين العربي حاليا.

التأثير على تكلفة التأمين في السوق العربي

التأمين بالسلوك الفعلي يقدم لشركات التأمين بيانا واقعيا عن السائق، وليس تخمينا، وهذا يقلل الاحتيال، ويخفض الخسائر، وقد ينعكس لاحقا على تكلفة التأمين للسوق بالكامل لو طبق بشكل نزيه وبدون تحيز.

ADVERTISEMENT

لكن حاليا في المنطقة العربية أنظمة التأمين التقليدي لا تزال الأقوى. تقييم السائق حسب المسافة أو أسلوب القيادة ما يزال نسبيا وليس معيارا رسميا في كل البلدان العربية، ولذلك خصومات السلوك قد لا تكون كبيرة أو منتظمة من شركة لأخرى، وهذا يخلق فجوة الثقة والتبني.

الصورة بواسطة shotprime على envato

هل السوق العربي جاهز لهذا النموذج التأميني؟

الجاهزية تختلف من بلد إلى آخر، لكنها بشكل عام تتقدم بشكل تدريجي بفضل انتشار الهواتف الذكية، وباقات الإنترنت، وربط البيانات بين شركات التأمين ومؤسسات النقل والمرور.

جهات مثل الهيئة العامة للنقل ووزارة الداخلية تعمل على التحول الرقمي، الأمر الذي يفتح الباب لابتكار التأمين حسب الاستخدام وكسر هيمنة النموذج التقليدي

لكن رغم التحسن، لا تزال عدة تحديات تعيق النموذج:

  • الاتصال غير المستقر: بعض البلدان تعاني من انقطاع الإنترنت أو ضعف الشبكات في الطرقات.
ADVERTISEMENT
  • الثقافة المرورية: السلوك الجماعي قد يضر بنتيجة الفرد في التقييم الرقمي.
  • الخصوصية: غياب قوانين واضحة تنظم جمع البيانات من شركات التأمين يقلق السائق.
  • الشفافية: عدم وضوح كيف تحسب النقاط أو كيف تتغير تكلفة التأمين يضعف الثقة.
  • التكلفة: تركيب وحدات التليماتكس أو الاشتراك في التطبيقات قد يضيف تكلفة مبدئية على السائق، ما لم تكن مجانية أو مدعومة.

كيف يضمن السائق العربي توفير المال من التأمين بالسلوك الفعلي للقيادة؟

من يريد توفير المال يجب أن يتعامل مع النموذج بذكاء ووعي، عبر الخطوات التالية:

  • القيادة الهادئة والمتوقعة: تجنب ردود الفعل المفاجئة قدر الإمكان.
  • احترام السرعة: حتى لو لم تُطبّق الغرامات بشكل صارم، النظام الرقمي يرصد السرعة.
  • استخدام النقل العام عند الازدحام: مفيد جدا لمن يطبق التأمين حسب الاستخدام.
  • عدم استعمال الهاتف أثناء القيادة: يرفع نقاط التقييم بشكل كبير.
ADVERTISEMENT
  • التأكد من عدالة الشركة: اختيار شركات التأمين المعروفة بنزاهتها في تقييم السلوك.
  • فهم نظام النقاط قبل الاشتراك: حتى لا تزيد تكلفة التأمين بدلا من نقصها.
  • التنقل في غير الذروة إن أمكن: يقلل الحوادث ويرفع التقييم.

هل النموذج يمثل مستقبل التأمين العربي؟

نعم، لأن العالم يتجه إلى التأمين حسب الاستخدام، والتكنولوجيا تدخل بقوة إلى سوق التأمين العربي. الشركات تبحث عن حلول عادلة، والسائق يبحث عن تكلفة تأمين أقل، والحكومات تريد طرقا أكثر أمانا. التقاطع بين هذه المصالح يجعل النموذج قادما بقوة وقد يصبح معيارا رسميا خلال السنوات القادمة.

لكن هل يوفر المال اليوم لكل سائق في المنطقة العربية؟

ليس للجميع، لكنه قادر على منح خصومات حقيقية لمن يقود قليلا أو يقود بأمان وسلاسة، بشرط أن تكون شركة التأمين عادلة في تطبيق المعايير، ومتفهمة لطبيعة الطرق، وغير منحازة في حساب تكلفة التأمين النهائية.

ADVERTISEMENT

التأمين حسب الاستخدام والتأمين بأسلوب القيادة حلول واعدة جدا، لكنها ليست وصفة سحر للجميع في المنطقة العربية الآن. قد توفر المال، وقد لا تغير شيئا، وقد تصبح تكلفة التأمين أعلى إن لم تكن المعايير ملائمة لطبيعة الطرق. لكن السائق الواعي الذي يقود بانضباط ويستخدم التكنولوجيا بذكاء هو الأقدر على تحويل هذا النموذج إلى فرصة مالية عادلة.

toTop