مصر تقترب من هدفها الذي طال انتظاره وهو الوصول إلى 20 مليون سائح، متجاوزةً ذروة عام 2010

مصر على وشك تحقيق إنجاز تاريخي في مجال السياحة. بعد أكثر من عقد من الاضطرابات السياسية والتحديات الإقليمية والوباء العالمي الذي اختبر مرونة اقتصادها، تقترب البلاد أخيرًا من هدفها الذي طال انتظاره وهو استقبال 20 مليون زائر سنويًا. لا يتجاوز هذا الرقم ذروة ما قبل عام 2011 البالغة 14.7 مليون زائر فحسب، بل يمثل أيضًا وعدًا متجددًا بأن مصر تستعيد مكانتها كواحدة من الوجهات السياحية الرائدة في العالم.

من العصر الذهبي إلى الانهيار المفاجئ:

كان عام 2010، في ذلك الوقت، عصرًا ذهبيًا للسياحة المصرية. وصل ما يقرب من 14.7 مليون زائر، وملؤوا الفنادق في القاهرة والأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ. شكلت السياحة أكثر من 11٪ من الناتج المحلي الإجمالي وكانت واحدة من أكبر مصادر العملة الأجنبية للبلاد.

لكن الزخم لم يدم طويلاً. أدت ثورة 2011 إلى عدم استقرار سياسي وإصدار تحذيرات للسفر وانخفاض حاد في أعداد الزوار، التي انخفضت إلى حوالي 9 ملايين زائر بحلول نهاية العام. على مدار العقد التالي، أدى عدم الاستقرار والمخاوف الأمنية، ثم جائحة كوفيد-19 لاحقًا، إلى تآكل اقتصاد السياحة في مصر. وبحلول عام 2020، انخفض عدد الزوار إلى أقل من 4 ملايين زائر، ما شكل ضربة مدمرة لقطاع يدعم ملايين الوظائف.

الطريق إلى الانتعاش:

بدأ الانتعاش ببطء. في عام 2021، جذبت مصر حوالي 8 ملايين سائح، وزاد هذا العدد إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 11.7 مليون سائح في عام 2022. تسارع الانتعاش في عام 2023 مع وصول عدد الزوار إلى 14.9 مليون زائر، متجاوزًا ذروة عام 2010. ثم في عام 2024، سجلت مصر رقماً قياسياً بلغ 15.7 مليون زائر، وفقاً للأرقام الرسمية، بزيادة 6% عن العام السابق وأكثر من 21% عن مستويات ما قبل الجائحة.

استمر هذا الاتجاه في عام 2025، حيث استقبلت مصر ما يقرب من 3.9 مليون زائر في الربع الأول وحده، بزيادة 25% مقارنة بأوائل عام 2024. وتتوقع السلطات الآن أن تستقبل مصر ما بين 17 و18 مليون سائح هذا العام، لتقترب أكثر من هدف الـ 20 مليون سائح الذي طالما كان بعيد المنال.

الصورة بواسطة dahl على freeimages

يعود السياح إلى وادي الملوك بكثرة

عوامل دفع ازدهار السياحة في مصر:

هناك عدة عوامل متشابكة تغذي هذا التحول الملحوظ:

1. المتحف المصري الكبير:

يُعد المتحف المصري الكبير، الذي يُعرف بأنه أكبر متحف أثري مخصص لحضارة واحدة، أكثر المشاريع الثقافية طموحًا في مصر منذ عقود. يقع المتحف بالقرب من أهرامات الجيزة، وقد جذب بالفعل اهتمام وسائل الإعلام العالمية وجولات معاينة محدودة قبل افتتاحه الكامل في أواخر عام 2025. يتوقع المسؤولون أن يصبح المتحف المصري الكبير حجر الزاوية في استراتيجية السياحة الثقافية في مصر، حيث يجذب ليس فقط الأسواق التقليدية ولكن أيضًا الفئات السكانية الجديدة المهتمة بالتراث والتعليم.

الصورة بواسطة AshyCatInc. على wikimedia

صورة مولدة بالذكاء الصنعي للمتحف المصري الكبير

2. توسيع البنية التحتية للفنادق والنقل:

أعطت مصر الأولوية لتوسيع السعة لتلبية الطلب المتزايد. وهناك خطط جارية لإضافة ما بين 18,000 و 50,000 غرفة فندقية جديدة بحلول عام 2030. وتهدف الاستثمارات في المطارات والطرق والقطارات عالية السرعة إلى ربط القاهرة بالأقصر وأسوان وساحل البحر الأحمر بشكل أكثر كفاءة، ما يقلل من إجهاد السفر للزوار الدوليين.

3. تنويع الأسواق:

عملت مصر على توسيع نطاق جاذبيتها إلى ما وراء الأسواق الأوروبية التقليدية. يمثل السياح القادمون من ألمانيا وروسيا والمملكة العربية السعودية النصيب الأكبر من الوافدين، ولكن الحملات استهدفت أيضًا آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا. يساعد هذا التنويع في حماية القطاع من الاضطرابات الإقليمية أو التباطؤ في أسواق معينة.

4. معالم جذب على مدار العام:

على عكس الوجهات التي تعتمد على موسم واحد، توفر مصر أبعادًا سياحية متعددة:

• السياحة الثقافية في القاهرة والأقصر وأسوان

• السياحة الشاطئية والغوص على ساحل البحر الأحمر

• السياحة البيئية والصحراوية في الواحات وسيناء

• السياحة الدينية، خاصة مسارات التراث القبطي والإسلامي

يعزز هذا الجاذبية متعددة الأبعاد قدرة مصر على جذب الزوار على مدار العام.

الصورة بواسطة Maher27777 على wikimedia

شاطئ عجيبة في مرسى مطروح

التأثيرات الاقتصادية:

كان انتعاش السياحة بمثابة شريان الحياة الاقتصادي:

• في عام 2024، ساهم هذا القطاع بنحو 1.4 تريليون جنيه مصري في الناتج المحلي الإجمالي (حوالي 8.5٪).

• تجاوزت الإيرادات 15.3 مليار دولار، ما ساعد على استقرار احتياطيات مصر من النقد الأجنبي في ظل بيئة مالية صعبة.

• يعد قطاع الضيافة أحد أكبر القطاعات من حيث توفير فرص العمل، وقد تسارع نمو الوظائف مع زيادة الطلب على موظفي الفنادق والمرشدين السياحيين والعاملين في مجال الخدمات. تعمل برامج تنمية القوى العاملة، بما في ذلك التدريب على المهارات الرقمية واللغات، على إعداد الشباب المصري لتلبية المعايير الدولية.

كما أن للسياحة تأثيرًا مضاعفًا، حيث تحفز الطلب على الزراعة والحرف اليدوية والنقل والترفيه.

التطلع إلى المستقبل:

لا تهدف استراتيجية مصر طويلة الأجل إلى استقبال 20 مليون زائر فحسب، بل إلى الوصول إلى 30 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030. وسيتوقف تحقيق ذلك على:

1. الإطلاق الكامل لمشروع المتحف المصري الكبير، والاستثمار المستمر في السياحة الثقافية.

2. التنويع في السياحة البيئية والمغامرات، لجذب الأجيال الشابة من المسافرين.

3. تحسين التكامل الرقمي، بما في ذلك تبسيط إجراءات الحصول على التأشيرات وحلول المدن الذكية لمراكز السياحة.

4. سياسات استدامة أقوى لحماية المواقع الأثرية والنظم البيئية الطبيعية.

يتفاءل المسؤولون بأن مصر، إذا استمر النمو بالوتيرة الحالية، يمكن أن تتجاوز عتبة 20 مليون زائر في غضون العامين المقبلين، ما يعزز مكانتها بين أفضل الوجهات العالمية.

الصورة بواسطة Bernhard_Staerck على pixabay

أبو الهول والهرم

الخاتمة:

من أهرامات الجيزة إلى الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، لطالما كانت مصر تتمتع بجاذبية لا مثيل لها للمسافرين من جميع أنحاء العالم. لكن لسنوات عانت صناعة السياحة فيها من وطأة الاضطرابات السياسية والمخاوف الأمنية. ولكن التيار انقلب اليوم. مع وصول أعداد قياسية في عام 2024، وبداية قوية لعام 2025، واستثمارات جريئة في البنية التحتية والثقافة، تحقق مصر أخيرًا حلمها الذي طال انتظاره باستقبال 20 مليون زائر سنويًا.

أكثر المقالات

toTop