تُعَدُّ ضرائب الدخل من أبرز العوامل التي قد تؤثر بشكل مفاجئ على الميزانيات الشخصية إذا لم يخطط الأفراد لها بذكاء. في الدول العربية، تختلف التشريعات الضريبية بشكل كبير حسب الدولة، وقد تطرأ تغييرات مفاجئة في بعض القوانين أو الشرائح الضريبية. لذلك فإن امتلاك خطة مالية واضحة يساعد على تجنّب المفاجآت التي قد تضعك تحت ضغط مالي لا تُحمد عقباه.
سأسعى في هذا المقال إلى تقديم رؤية شاملة ومحدثة حول ضرائب الدخل في الدول العربية، مع التركيز على أسس تخطيط مالي عملي يقيك المفاجآت وغير المخاطر الضريبية.
الصورة بواسطة chormail على envato
أولًا: لمحة عن واقع ضرائب الدخل في الدول العربية
قبل وضع أي خطة مالية، من الضروري أن نفهم الواقع الضريبي في منطقتنا:
العديد من دول الخليج العربي لا تفرض ضرائب على الدخل الشخصي، أو تفرضها بشكل محدود جدًا، وهو ما يجعلها مراكز جذب للمستثمرين والعمال المهاجرين.
في المقابل، الدول ذات الاقتصاد المتنوع أو التي تعاني ضغوطًا مالية تتجه نحو فرض ضرائب دخل أو رفع الشرائح الضريبية.
تقرير “آفاق الدين والمالية العامة للمنطقة العربية” يشير إلى أن ضرائب الأفراد تمثل جزءًا محدودًا من الإيرادات الضريبية في معظم الدول العربية، بسبب ضعف الكفاءة الضريبية، والتسرب الضريبي، والقطاعات غير الرسمية.
دراسة “رقمنة التحصيل الضريبي في الدول العربية” تشير إلى أن بعض الدول مثل السعودية والإمارات حققت نسبة كبيرة من الإقرارات الضريبية على شكل إلكتروني، مما يشير إلى أن الأجهزة الحكومية بدأت في تحديث أنظمتها الضريبية.
مثال حديث: سلطنة عمان أعلنت فرض ضريبة دخل بنسبة 5٪ على شريحة الدخل التي تتجاوز 42 ألف ريال عماني سنويًّا، مما يُعد تحولًا مهمًا في سياسة الضرائب الشخصية في أحد دول الخليج.
ADVERTISEMENT
من هذه المعطيات، يتبين أن الأفراد في العالم العربي قد يواجهون مفاجآت ضريبية إذا لم يكونوا مستعدين، خاصة في الدول التي تُجري إصلاحات ضريبية.
ثانيًا: لماذا تحتاج إلى خطة ضريبية ضمن خطتك المالية؟
وجود خطة مالية تضع فيها ضريبة الدخل في الحسبان أمر حيوي لعدة أسباب:
توقع التزاماتك الضريبية مسبقًا: بدلاً من أن تفاجئك الدولة برسوم أو ضرائب جديدة، تكون مستعدًا بمعرفة مقدار ما سيتم خصمه.
تقليل المخاطر القانونية: إذا التزمت بالقوانين وأعددت إقراراتك في الوقت المحدد، تتجنب الغرامات والتدقيق الضريبي المفاجئ.
تحسين السيولة المالية: عندما تعرف المبلغ الذي ستدفعه، يمكنك ضبط مصروفاتك الشهرية لتتفادى النقص في النقد.
الفرص الضريبية المسموح بها قانونيًا: قد توجد إعفاءات أو خصومات قانونية تستطيع الاستفادة منها إذا خططت لها مسبقًا.
ADVERTISEMENT
ثالثًا: عناصر الخطة المالية لتجنّب المفاجآت الضريبية
إليك خطوات عملية لبناء خطة مالية تراعي الضرائب:
1. معرفة التشريعات الضريبية في دولتك أو الدولة التي تعمل فيها
راجع قانون الضرائب الخاص بدولة الإقامة أو العمل، واطلع على الشرائح الضريبية والمعدلات، والإعفاءات المتاحة.
تأكد من مدى سريان التعديلات الأخيرة، فبعض الدول تجدد التشريعات أو تُدخِل استثناءات جديدة خلال السنة المالية.
تابع المواقع الرسمية لوزارة المالية أو الضرائب في بلدك.
2. تقدير الدخل السنوي الفعلي
ضع توقعًا واقعيًا لدخلك السنوي، بما في ذلك كافة مصادره (الراتب، المكافآت، الفوائد، دخل استثماري، دخل جانبي). هذا التقدير يساعدك في وضع شريحة الضريبة التي قد تُطبَق عليك.
3. احتساب الضريبة المقررة
اعتمادًا على الشرائح المتاحة في التشريع الضريبي، احسب ما ستدفعه:
ADVERTISEMENT
إن كانت هناك شرائح تصاعدية (مثلاً 0٪، 10٪، 20٪ …) فجزئ الدخل في كل شريحة.
احسب أيضًا أي علاوات أو ضرائب إضافية (في بعض الدول تُضاف ضرائب خاصة على الدخل الفوقي أو على مكافآت معينة).
لا تنس احتساب أي خصومات أو اعفاءات مسموح بها قانونيًا (مثل خصومات للمصاريف المهنية، التأمينات الاجتماعية، العائلية، وما إلى ذلك).
4. تخصيص مخصص ضريبي دوري (احتياطي)
بدلًا من الانتظار حتى نهاية السنة، خصص مخصصًا شهريًا أو ربع سنوي بمبلغ تقديري لدفع الضريبة. على سبيل المثال، إذا حسبت أن ضريبة سنوية تبلغ 10,000 وحدة نقدية، يمكنك تخصيص 833 وحدة شهريًا. هذا يساعدك على عدم المفاجأة فجأة بدفع كبير.
5. مراجعة خطتك دورياً
تحقق من التغيرات التي قد تطرأ على الدخل (زيادة أو نقصان).
راجع التشريعات الضريبية الجديدة إذا صادرت الحكومة تعديلات.
ADVERTISEMENT
إذا حصلت على دخل إضافي غير مخطط له، أعد تحديث تقدير الضريبة.
6. استشارة خبير ضرائب محلي
حتى لو قمت بالحسابات بنفسك، استشارة محاسب أو خبير ضرائب موثوق تضيف ضمانًا لتجنب الأخطاء أو لاكتشاف حقوق ربما لم تكن تعلمها.
الصورة بواسطة IrynaKhabliuk على envato
رابعًا: أمثلة على تطبيق الخطة في دول عربية
لنأخذ بعض الأمثلة ليكون الأمر أكثر وضوحًا:
في مصر: ضريبة الدخل الشخصي تُطبّق بمعدلات تصاعدية تبدأ من صفر وحتى ~27.5٪ للدخل المرتفع في بعض فئات المكافآت.
المغرب: الشريحة الضريبية قد تصل إلى حوالي 38٪ على أعلى الشرائح.
تونس: ضمن الشرائح التصاعدية أيضًا، وقد تصل إلى نحو 35٪ أو أكثر في بعض الحالات.
سلطنة عمان: كما ذكرنا، الشريحة التي تتجاوز 42 ألف ريال عماني سنويًّا تُخضع بنسبة 5٪ ضريبة دخل.
لو كنت تعمل في دولة أو بلدان متعددة، يجب أن تراعي قوانين كل دولة، وأحيانًا قد تستفيد من اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي بين الدول لتفادي أن تُضطر لدفع الضريبة مرتين على نفس الدخل. الإمارات، على سبيل المثال، لديها شبكة من اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي مع دول متعددة.
ADVERTISEMENT
خامسًا: نصائح عملية إضافية لتقليل المخاطر الضريبية
إلى جانب الخطة التي تبنيها، هناك ممارسات يمكن اعتمادها لتعزيز الأمان الضريبي الشخصي:
توثيق جميع الإيرادات والمصروفات
احتفظ بفواتير وسجلات مفصلة لدخلك ومصروفاتك التي قد تكون مؤهلة لخصم ضريبي (إن وجدت).
توزيع الدخل على فترات
إذا كان بإمكانك تأجيل أو توزيع جزء من الدخل (مثلاً المكافآت أو العوائد الاستثمارية) على فترات، قد تدخُل في شريحة ضريبية أقل في سنة معينة.
استثمار في صناديق أو أدوات معفاة ضريبيًا
بعض الدول تُعفي بعض الصناديق الاستثمارية أو الأدوات الحكومية من ضريبة الدخل أو تمنح إعفاءات جزئية.
الانضمام إلى نظام الضمانات الاجتماعية إن كان ذلك إلزامي أو مفيدًا
أحيانًا الاشتراك في التأمينات الاجتماعية أو التقاعد يقلل العبء الضريبي أو يقدم إعفاءات ضريبية.
ADVERTISEMENT
توزيع الأصول بين أفراد العائلة إذا كان القانون يسمح بذلك
في بعض التشريعات يُسمَح بنقل بعض الأعباء بين أفراد العائلة لتقليل العبء الضريبي الشخصي، بشرط أن يكون ذلك قانونيًا وموثّقًا.
مراقبة التحديثات الضريبية بدقة
بعض الدول تدخل تغييرات مفاجئة في قوانين الضرائب، لذا تابع الإعلانات الرسمية والتعديلات في القوانين.
الصورة بواسطة nateemee على envato
سادسًا: أمور يجب الحذر منها
التقدير الزائد أو التقليل الشديد: إذا خصّصت مخصصًا كثيرًا جدًا، قد تقيّد سيولتك في غير حاجة؛ أما إذا قلت التخصيص كثيرًا، فقد تُفاجأ بدفع كبير في نهاية السنة.
إغفال مصادر الدخل الصغيرة: قد تكون هناك مصادر دخل جانبية (مثل الدخل من الإنترنت، العمل الحر، الإيجارات الصغيرة) لا تراعيها، لكنها تُضاف لضريبتك الكلية.
التهرّب الضريبي أو الإبلاغ غير الدقيق: قد تُعرض نفسك لغرامات أو تدقيق أعمق.
ADVERTISEMENT
تغييرات مفاجئة في القانون: في بعض الدول قد تفرض الحكومة ضريبة جديدة أو تعديل الشرائح بدون إنذار طويل.
وضع خطة مالية ضريبية ليس ترفًا، بل ضرورة لأي شخص يريد أن يعيش حياة مستقرة دون مفاجآت مالية مؤلمة. في الدول العربية، حيث التشريعات قد تختلف وتتغير، يكتسب التخطيط والوعي أهمية مضاعفة.
ابدأ اليوم بمعرفة التشريعات في دولتِك، وبتقدير دقيق للدخل والخصومات المتاحة، وبتخصيص مخصص ضريبي دوري، ومراجعة خطتك بانتظام، واستشر خبيرًا محليًا عند الحاجة. بهذه الطريقة، قليل من الجهد المسبق قد يوفر عليك كثيرًا من التوتر والمخاطر لاحقًا.