كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية في سورية: التاريخ والتقاليد والإحصائيات

ADVERTISEMENT

في سورية اليوم، قليلة هي الأنشطة الترفيهية التي تستحوذ على قلوب الجماهير وخيالهم مثل كرة القدم. يصفها المعلقون الرياضيون بأنها الرياضة الأكثر شعبية في البلاد، وتشكل كرة القدم عامل تماسك اجتماعي ومتنفسًا عاطفيًا. في المدن والبلدات، يركل الصبية والفتيات كرات بدائية، مرتبطين بالأمل أكثر من البنية التحتية، ويتابعون أخبار أبطال الأندية العالمية والنجوم الوطنيين.

ولكن هذه الشعبية ليست عشوائية. تتشابك قصة كرة القدم في سورية مع التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها البلاد، من أواخر العهد العثماني مروراً بالانتداب الفرنسي والاستقلال والهياكل الاشتراكية للدولة والحرب والانتعاش.

في هذه المقالة، نتتبع كيف ترسخت هذه الرياضة، وكيف تمارَس اليوم في بلد يُعتبر حوالي 30٪ من سكانه من مشجعي كرة القدم، وماذا تخبرنا الإحصاءات الرئيسية عن حجمها ونطاقها وإمكاناتها.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Fars Media Corporation على wikimedia

نسور قاسيون في كأس آسيا عام 2019

الجذور والصعود - من عام 1910 فصاعداً:

تعود أصول كرة القدم المنظمة في سورية إلى أكثر من قرن. في عام 1910، جلب طلاب عادوا إلى دمشق معدات كرة قدم، وقدموا اللعبة إلى وطنهما. في عام 1919، سُجلت مباراة بين سوريين محليين وجنود بريطانيين تحت حكم الملك فيصل الأول، ما يرمز إلى مزيج من الترفيه والحداثة والطموح الوطني.

شهدت العقود الأولى تأسيس أندية في دمشق وحلب واللاذقية ومحافظات أخرى، غالبًا ما كانت مرتبطة بالمجتمعات الأرمنية أو الكردية أو العربية بشكل عام، وأصبحت كرة القدم مكانًا للتجمع وتشكيل الهوية والتغيير الاجتماعي. بعد تأسيس الاتحاد العربي السوري لكرة القدم في عام 1936 (مع عضوية كاملة في الفيفا منذ عام 1937)، بدأت المسابقات المحلية باكتساب هيكلها وبدأ المنتخب الوطني في المشاركة في المسابقات الدولية.

ADVERTISEMENT

كرة القدم للأندية والمشهد المحلي:

على المستوى المحلي، هيكل كرة القدم الرئيسي هو الدوري السوري الممتاز، مع نظام دوري وعدة أندية تتنافس على الصدارة.

من بين الأندية البارزة:

• نادي الاتحاد (الأهلي – حلب) – أحد أنجح الأندية تاريخياً.

• نادي الوحدة (دمشق) – تأسس عام 1928، وهو نادٍ رئيسي على الساحة الوطنية.

• نادي تشرين (اللاذقية) – اسم جديد ولكنه مهم في المواسم الأخيرة.

• نادي الكرامة (حمص) – باع طويل في البطولات العربية والقارية.

هيكل الدوري في السنوات الأخيرة: يضم الدوري السوري الممتاز حوالي 12 فريقًا في المستوى الأعلى.

بدأت المسابقات التي تقام بنظام خروج المغلوب مثل كأس الجمهورية في عام 1959، ولا تزال من أهم الأحداث الرياضية.

على الرغم من شعبيتها، واجه الدوري والأندية تحديات هائلة: فقد عطلت الحرب والصراع المواسم، وألحقت أضرارًا بالبنية التحتية، وأجبرت على إقامة المباريات في أماكن أكثر أمانًا أو حتى في الخارج. ومع ذلك، لا تزال الأندية قائمة وتحتل مكانة مركزية في فخر السكان المحليين وحياة المجتمع، فهي أندية اجتماعية ومرتكزات للهوية المحلية.

ADVERTISEMENT
الصورة في المجال العام على pxhere

كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى

المنتخب الوطني والأداء الدولي:

يمثل المنتخب الوطني السوري للرجال، الملقب بـ ”نسور قاسيون“، البلاد في المسابقات الدولية ويخضع لإدارة الاتحاد السوري لكرة القدم. بعض الإحصاءات والحقائق الرئيسية:

• سُجلت أول مباراة رسمية للمنتخب في 19 نيسان / أبريل 1942 (فوز على لبنان).

• لم تتأهل سوريا أبدًا إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم، ولكن المنتخب حقق نتائج باهرة في البطولات العربية، وألعاب البحر المتوسط، وفاز ببطولة كأس غرب آسيا.

• شارك الفريق عدة مرات في كأس آسيا لكرة القدم، وكان أفضل نتيجة حصل عليها مؤخرًا هو الوصول إلى دور الـ16 في عام 2023.

• الترتيب العالمي لكرة القدم: بلغ أعلى ترتيب له في المرتبة 68 (عام 2018).

• حققت الأندية السورية نتائج جيدة في البطولات الآسيوية، وفازت بدوري أبطال آسيا عدة مرات.

ADVERTISEMENT

• حقق منتخب الشباب فوزًا ثمينًا ببطولة الأمم الآسيوية، وتأهل منتخب الناشئين تحت 17 عامًا إلى نهائيات كأس العالم، محققًا نتيجة مشرفة.

• لدى السيدات، تأسس أول ناد لكرة القدم (ليس في سورية وحدها، بل في منطقة الشرق الأوسط) في حلب عام 1950.

الصورة بواسطة SanBonne على wikimedia

أول فريق كرة قدم نسائية في الوطن العربي – 1950

التحديات الحديثة والتجديد:

أثرت الحروب في سورية بشكل كبير على كرة القدم: تضررت الملاعب، وتعطلت الدوريات، وتشردت الفرق، واضطر اللاعبون إلى الهجرة إلى الخارج أو التوقف عن اللعب.

ومع ذلك، فإن كرة القدم تشير أيضًا إلى التجديد. يتم تنفيذ برامج للشباب في إطار مبادرات القاعدة الشعبية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم في جميع أنحاء سورية، حيث تمنح بطولات المدارس ومسابقات تحت 12 عامًا الأمل في مواهب مستقبلية.

ADVERTISEMENT

وبهذه الطريقة، تظل كرة القدم رمزًا للصمود في سورية، ومرآة للمصاعب والأمل على حد سواء.

أهمية كرة القدم اليوم:

هناك عدة أسباب لكون كرة القدم مهمة جدًا في سورية:

1. المجتمع والهوية: أندية كرة القدم ومبارياتها المحلية ليست مجرد رياضة — فهي تثير الشعور بالانتماء، والتنافس بين الأحياء والمدن، والفخر، والمعنى الثقافي.

2. التغيير الاجتماعي: مع ازدياد شعبية هذه الرياضة، عكست الاتجاهات الاجتماعية الحديثة وأشكال التعليم الجديدة وثقافة الشباب.

3. المرونة والأمل: في أوقات الصراع، كان كرة القدم قوة رمزية - تجمع بين الحياة الطبيعية والمجتمع وسط الفوضى.

4. التنمية ومشاركة الشباب: مع ظهور بطولات الشباب والبرامج الشعبية، قد توفر كرة القدم مسارات للمواهب والمشاركة والاندماج الاجتماعي.

5. الطموح العالمي والقيود المحلية: إن إخفاقات المنتخب الوطني المتكررة في الوصول إلى نهائيات كأس العالم، وتشتت المواهب، والاضطرابات المرتبطة بالحرب، كلها عوامل تؤكد حقيقة مزدوجة: كرة القدم رياضة شعبية ومنظمة، لكنها تعاني من عوائق خارجية.

ADVERTISEMENT

التطلع إلى المستقبل:

لكي تمضي كرة القدم السورية قدماً، هناك عدة نقاط تستحق الاهتمام:

• إعادة بناء البنية التحتية (الملاعب ومرافق التدريب) التي تعرضت للتلف أو الإهمال.

• ضمان إقامة مسابقات دوري آمنة ومتاحة في جميع المناطق.

الصورة بواسطة Kobac على wikimedia

أطفال يلعبون كرة القدم قرب آثار تدمر

• بناء هياكل تنظيمية للشباب، وأكاديميات، ومسارات للمواهب على الصعيدين المحلي والدولي.

• تحقيق التوازن بين الهوية المحلية والاندماج العالمي - الترويج لكرة القدم السورية في الخارج مع الحفاظ على الجذور الثقافية.

• دعم تنافسية المنتخب الوطني من خلال الاستثمار في التدريب والتعرض الدولي وتطوير الأندية.

إذا تمت مواءمة هذه العوامل، يمكن أن تصبح كرة القدم مرة أخرى منصة للفخر السوري والاعتراف الدولي والتماسك الاجتماعي.

الخاتمة:

ADVERTISEMENT

كرة القدم في سورية ليست مجرد ترفيه مستورد — بل إنها متشابكة مع دوافع التحديث والهوية الوطنية والتماسك المجتمعي. فمنذ ظهورها في ساحات المدارس والأزقة الضيقة في سورية في أوائل القرن العشرين، إلى مكانتها الحالية في الملاعب الصامدة، ظلت كرة القدم ثابتًا في الحياة السورية. إنها لعبة الشعب، والطموح والهوية؛ رياضة الأزقة، والمدرجات الصاخبة، والمشجعين المتحمسين، والأحلام الوطنية.

على الرغم من أن المنتخب الوطني لم يصل بعد إلى نهائيات كأس العالم، وأن الدوري المحلي عانى من الحرب والاضطرابات، إلا أن الشغف لا يزال قائماً. قصة كرة القدم في سورية هي قصة بقاء في بلد التاريخ والتحديات والتغييرات.

toTop