مكتبة الإسكندرية: منارة المعرفة التي ضاعت مع الزمن

مثّلت مكتبة الإسكندرية رمزًا لرغبة البشر في المعرفة، وكانت من أبرز مراكز الثقافة في العالم القديم. تأسست المكتبة في عهد البطالمة بمدينة الإسكندرية التي أسّسها الإسكندر الأكبر، وأصبحت مركزًا علميًا عالميًا شهد دمج الثقافات والأفكار.

بدأ المشروع الثقافي الضخم في عهد بطليموس الأول، الذي حلم بتحويل المدينة إلى مركز عالمي للعلم. أُنشئت المكتبة كجزء من هذا المشروع، وكان هدفها جمع أكبر قدر ممكن من معارف الأمم. كل سفينة تصل إلى الميناء كانت تُفتَّش عن الكتب، فتُنقل منها النسخ الأصلية للمكتبة وتُعاد نسخ للمالكين. تُرجمت العديد من الأعمال إلى اليونانية، وسُمّي على رأس المكتبة أمناء مرموقون نال بعضهم شهرة واسعة.

امتازت المكتبة ببيئة علمية حية جذبت علماء من مختلف الحضارات مثل اليونان والمصر وفارس والهند. وفر لهم السكن والدعم المالي، ما شجعهم على البحث في مجالات مثل الفلك والطب والفلسفة. اعتُبرت الدراسة فيها قمة النشاط العلمي.

ساهمت مكتبة الإسكندرية في حفظ التراث الإنساني من خلال نسخ وتوثيق الأعمال الكلاسيكية مثل أعمال هوميروس وسوفوكليس. كما أنجزت مشاريع رائدة، منها ترجمة العهد القديم إلى اليونانية في عمل عُرف بـ الترجمة السبعينية، مما شكّل جسرًا بين الثقافتين اليهودية والهلنستية.

لم يكن سقوط المكتبة نتيجة حدث مفاجئ، بل جاء نتيجة تراكب عوامل سياسية واجتماعية على مر القرون. حريق عام 48 ق.م خلال حملة يوليوس قيصر قد يكون سببًا رئيسيًا لفقدان جزء كبير من المخطوطات. كما تُنسب نهايتها النهائية إلى حوادث متباينة خلال الفترة المسيحية والفتح الإسلامي، رغم أن المصادر الإسلامية لم توثق تدميرها.

رغم زوال المكتبة الأصلية، فإن إرثها استمر وأُعيد إحياؤه بإنشاء مكتبة الإسكندرية الحديثة، التي تسعى للحفاظ على روح المؤسسة القديمة وتعزيز الحركة العلمية والثقافية في العصر الحديث.