وادي عبقر في اليمن بين الحقيقة والخيال

ADVERTISEMENT

يُعرف وادي عبقر في الذاكرة العربية بأنه موطن الشعراء والجنّ، ومصدر الإلهام الغامض. يقول التراث الشعبي إن قبائل الجنّ تسكنه، وكان لكل شاعر جاهلي شيطان يخرج من هذا الوادي ليهمس له القصائد. من هنا ظهرت عبارات مثل «شيطان امرئ القيس» و«عباقرة الشعر».

ذكر الشعراء الجاهليون، وفي مقدمتهم أصحاب المعلقات، وادي عبقر كمصدر للقوة الشعرية الخارقة، واعتبروا الشاعر الملهم من الجن عبقريًا لا نظير له. ورغم أن بعض الروايات تضعه في اليمن، إما في حضرموت أو مأرب، فإن أثرًا ماديًا لم يُكتشف حتى اليوم، فبات الوادي رمزًا أسطوريًا أكثر منه موقعًا يُحدد على الخريطة.

ADVERTISEMENT

ربط القدماء بين وادي عبقر والشياطين، معتبرينهم مصدر الإبداع في الشعر والبلاغة. يُروى أن امرؤ القيس كان يرافقه شيطان يُسمى لافظ بن لاحظ، وأن الأعشى تولّاه مسحل السلمي. ترسّخ هذا التصور حتى صار يُقال عن المبدع «من عباقرة الشعر» في إشارة إلى الوادي.

أكّد كتّاب التراث، مثل الأصفهاني في «الأغاني» وابن سلام الجمحي في «طبقات الشعراء»، هذا المفهوم. كما ظهر في تفسير إبداع شعراء كامرئ القيس وزهير والنابغة الذبياني والمتنبي؛ فشعر الأخير، رغم أن أحدًا لم ينسبه إلى شيطان، وُصف بأنه يتجاوز القدرة البشرية.

ADVERTISEMENT

يرى بعض الباحثين احتمال وجود الوادي في حضرموت أو شبوة استنادًا إلى تشابه الأسماء في كتب التراجم، ولغزرة تلك الصحارى. الروايات الشفهية في اليمن تعزّز الفرضية؛ إذ يحذّر السكان من أماكن يزعمون أن الجنّ تسكنها، وتقترب أسماؤها من «عبقر».

يعتقد علماء النفس الحديث أن «شيطان الشعر» مجاز للإلهام الإبداعي النابع من اللاوعي، ما يحوّل وادي عبقر إلى رمز للخيال وعمق النفس. لا يزال الاسم حيًّا في الكلام اليومي والثقافة المعاصرة، يُطلق على العبقرية والابتكار، فيدل على أثر الوادي في الثقافة العربية عبر القرون.

ADVERTISEMENT

سواء كان وادي عبقر في اليمن أرضًا حقيقية أو خيالًا شعبيًا، فهو يبقى رمزًا خالدًا للإبداع في الوجدان العربي، موطن الأسطورة والعبقرية التي لا تقيم في الجغرافيا بقدر ما تقيم في الخيال.

toTop