لماذا يبدو أن الوقت يمر أسرع مع التقدم في السن؟

ADVERTISEMENT

يُعدّ الوقت من أكثر التجارب الإنسانية شيوعاً، وفي الوقت نفسه، من أكثرها غموضاً. جميعنا نقيسه (ثوانٍ، دقائق، سنوات)، إلا أن تجربتنا الشخصية مع الوقت - كيف يمكن للدقيقة أن تمتد كالأبد، أو أن تتلاشى سنة في لمح البصر - تبقى ذاتية إلى حد كبير. من أكثر الظواهر شيوعاً في حياتنا الزمنية الشعور بأن "الوقت يمر سريعاً" مع التقدم في السن. لماذا يبدو عقد من الزمن طويلًا جدًا في الطفولة، وقصيراً جداً في منتصف العمر أو أواخره؟ يستكشف هذا المقال هذا السؤال على مستويات متعددة. يبدأ بتعريف "الوقت" و"إدراك الوقت"، ثم يستعرض تاريخ تصور المجتمعات البشرية للوقت وتسجيله، ثم يدرس كيف تؤثر العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية على الإحساس بمرور الوقت، وخاصةً لماذا غالباً ما يظهر الشعور بتسارع الوقت مع التقدم في السن. ويختتم بأفكار حول العصر الرقمي/الإنترنت، والبيانات الاقتصادية، والآفاق المستقبلية للتفاعل بين الإنسان والوقت.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة RosZie على pixabay

الزمن ورحلة العمر

1.تعريف الزمن.

ماذا نعني بـ "الزمن"؟ في أبسط معانيه، الزمن هو بُعدٌ تقع فيه الأحداث بتسلسل: الماضي ← الحاضر ← المستقبل. في الفيزياء، الزمن هو أحد الأبعاد الأربعة للزمكان (في النسبية) ويُقاس بالساعات. أما في التجربة البشرية، فيشير "الزمن" عادةً إلى كلٍّ من الزمن الموضوعي (زمن الساعة، زمن التقويم) والزمن الذاتي (مدى شعورنا بالوقت، ومدى سرعة مروره). أما مسألة "لماذا يبدو أن الزمن يمر أسرع مع تقدمنا

في السن" فتشير إلى الجانب الذاتي، وإن كان ذلك مرتبطاً بالزمن الموضوعي (زمن الساعة).

فلسفياً ومعرفياً، "إدراك الزمن" هو بناء دماغنا للاستمرارية الزمنية، وتجزئة التجارب إلى أحداث، وتقدير مدتها. على سبيل المثال، عندما تنتظر دقيقة، قد تشعر أنها إما بطيئة أو سريعة، وذلك بناءً على عوامل عديدة. تُركّز مجالات البحث في إدراك الوقت على ظواهر مثل تقدير المدة، وإعادة إنتاج الزمن، والتقسيم الزمني، والحكم الرجعي على الزمن.

ADVERTISEMENT

باختصار: الوقت = مقياس موضوعي؛ إدراك الوقت = تجربة ذاتية للتدفق الزمني أو مدته.

مفهوم الوقت.

يتكون مفهوم الوقت من عدة طبقات: الزمن الخطي مقابل الزمن الدوري، والإيقاعات البيولوجية، والزمن التقويمي، والزمن التاريخي/العصري. بالنسبة للبشر، يكون الوقت خارجياً (شروق الشمس، الفصول) وداخلياً (الساعات البيولوجية، الذاكرة). يؤثر إدراك الوقت على كيفية تنظيم المجتمعات لحياتها، وكيفية تصميم التقويمات والساعات، وكيفية التجربة الذاتية لمرور الوقت.

لا يُقاس الوقت خارجياً فقط بالساعات والتقويمات، بل داخلياً بالإيقاعات (نبضات القلب، دورات الليل والنهار) والعمليات العقلية (ترميز الذاكرة، الانتباه). تشير الدراسات إلى أن الأحكام الزمنية تتأثر بالحمل المعرفي، والحداثة، والانتباه، والعاطفة، وما إلى ذلك.

لذا، عند التساؤل عن سبب "تسارع مرور الوقت" مع التقدم

في العمر، يجب إدراك أن السبب هو تفاعل الوحدات الزمنية الموضوعية (السنوات، الأشهر) والخبرة الزمنية الذاتية.

ADVERTISEMENT

2. بداية إدراك الوقت / أصل إدراك الوقت.

يُرجّح أن البشر امتلكوا حساً بدائياً بالوقت قبل اختراع الساعات التقليدية بوقت طويل: تعاقب الليل والنهار، وأطوار القمر، وتغير الفصول، والإيقاعات البيولوجية للجوع/التعب. يتطور وعي الأطفال الصغار بالوقت تدريجياً: تُظهر الدراسات أن إدراك الوقت (من ميلي ثانية إلى دقائق) يتطور خلال مرحلة الطفولة المبكرة مع نضوج الانتباه والذاكرة والوظائف التنفيذية.

من منظور معرفي، يكمن أصل إدراك الوقت في قدرة الدماغ على ترميز تسلسلات الأحداث، وتقسيمها إلى أجزاء ذات معنى، وتكوين ذكريات عنها. مع التقدم في السن، تؤثر التغيرات في الذاكرة، وحداثة التجارب، والانتباه، وسرعة المعالجة، جميعها على كيفية إدراك الوقت ذاتياً.

وهكذا، فإن الإحساس الذاتي بمرور الوقت مبني على أسس إدراكية ومعرفية، منذ الطفولة المبكرة فصاعدًا.

ADVERTISEMENT

3. مفهوم الوقت في الحضارات القديمة.

تصورت حضارات مختلفة الوقت بطرق تعكس بيئتها ومعتقداتها الدينية وسياقها التكنولوجي:

مصر القديمة، بلاد ما بين النهرين، بابل.

الصورة على media-cldnry.s-nbcnews

ياس الوقت في مصر القديمة.

في مصر القديمة، بدأ تقسيم اليوم إلى ساعات ووحدات أخرى باستخدام ساعات الظل والمزولات الشمسية. على سبيل المثال، تُظهر مزولة شمسية من الحجر الجيري تعود إلى حوالي عام 1500قبل الميلاد في مصر جهوداً مبكرة لتقسيم ساعات النهار.

ساهم البابليون في النظام الستيني (الأساس 60)، الذي يعتمد عليه تقسيم الدقائق والثواني.

اليونانية الرومانية، الصينية، أمريكا الوسطى.

في الصين، كانت الساعات المائية المعقدة (الساعة المائية) والأجهزة الفلكية تتبع الساعات والفصول.

في العالم اليوناني الروماني، بدأت الساعات الشمسية والأجهزة المحمولة والتروس الميكانيكية بالظهور. وفي أمريكا الوسطى، عكست الأنظمة التقويمية (للاستخدامات الزراعية والطقوسية) مفاهيم متطورة للوقت الدوري.

ADVERTISEMENT

الوقت الدوري مقابل الخطي.

أكدت العديد من الثقافات القديمة على الوقت الدوري - الفصول، دورات الحياة، وتكرار الأعمار (على سبيل المثال، مفهوم كالاتشاكرا "عجلة الزمن" في الهندوس).

على النقيض من ذلك، تؤكد المجتمعات الغربية الحديثة على الوقت الخطي - الماضي يتقدم نحو المستقبل في اتجاه واحد.

وهكذا، تراوح مفهوم الوقت في الحضارات القديمة بين الإيقاعات الطبيعية (الشمس، القمر) والتقسيمات الرياضية (الساعات، الدقائق) والتفسيرات الفلسفية أو الدينية للتدفق الزمني.

تطور مفهوم الوقت عبر التاريخ.

الصورة على medievalists

ساعة قديمة

على مر آلاف السنين، انتقلت المجتمعات البشرية من علامات الوقت الطبيعية إلى أدوات ميكانيكية، ثم إلكترونية، متزايدة الدقة.

• عصر ما قبل الميكانيك: انتشرت الساعات الشمسية، والساعات المائية، وساعات البخور، والساعات الزمنية (التي كانت تختلف باختلاف الفصول).

ADVERTISEMENT

• العصر الميكانيكي (القرنين الثالث عشر والسابع عشر): سمح اختراع الساعة الميكانيكية (التروس، ومُفلتات الساعة) بقياس الساعات والدقائق بشكل أكثر انتظاماً.

• العصر الحديث: سمح تعريف الثانية، واعتماد الساعات الذرية (معيار السيزيوم) عام 1967، بدقة غير مسبوقة.

يعكس هذا التطور احتياجات المجتمع: الزراعة ←الطقوس الدينية ← الإنتاج الصناعي ←الاتصالات العالمية. كان الوقت يُستخدم في السابق بشكل أساسي في تنسيق الطقوس والزراعة؛ أما اليوم، فيُستخدم في الأسواق العالمية، والأنظمة الرقمية، والسفر، والاتصالات.

4. العلاقة بين الظواهر الطبيعية ومفهوم الزمن.

يتجذر مفهوم الزمن البشري بعمق في الظواهر الطبيعية: دوران الأرض، والدورات القمرية، والتغيرات الموسمية، وحركات المد والجزر، والإيقاعات البيولوجية (دورات النوم والاستيقاظ). على سبيل المثال:

ADVERTISEMENT

• دورة الليل والنهار ←مفهوم "اليوم".

• مراحل القمر ←الأشهر.

• السنة الشمسية ←الفصول، السنوات.

• الإيقاعات البيولوجية ←ضربات القلب، والإيقاعات اليومية.

مكنت هذه المراسي الطبيعية البشر الأوائل من بناء التقويمات وأجهزة ضبط الوقت. على سبيل المثال، ارتبط "عدم تساوي ساعات" الليل والنهار في العصور القديمة ارتباطاً مباشراً بتغير طول النهار مع الفصول.

بما أن بيولوجيا البشر والمجتمعات كانت متزامنة مع هذه الإيقاعات، فإن إدراك الوقت يعكسها أيضاً: فالصباح يبدو أطول من المساء، ويوم صيفي يبدو طويلاً، وهكذا.

5. بداية تسجيل الوقت والتحكم فيه.

الصورة على coimages.sciencemuseumgroup

بداية تسجيل الوقت

بدأ تسجيل الوقت والتحكم فيه (أي قياسه وتقسيمه وجدولته) مع ازدياد تعقيد المجتمعات. من أهم المحطات:

• المِرْكِت المصرية (خط الراسيا) وساعات الظل المستخدمة لتسجيل الساعات في طقوس المعابد.

ADVERTISEMENT

• الساعات المائية (الساعة المائية) التي أتاحت قياس الوقت ليلاً أو في الأماكن المغلقة.

• أتاحت الساعات الميكانيكية في العصور الوسطى للمدن والكنائس تنظيم الأنشطة الجماعية، وتحديد ساعات العمل، وأوقات الصلاة، وما إلى ذلك.

• تُنظّم أنظمة التوقيت الرقمي والذري اليوم الاتصالات العالمية، والأسواق المالية، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وما إلى ذلك.

يُعد ضبط الوقت أمراً بالغ الأهمية للتنسيق، وإيقاع العمل، والتنظيم الاجتماعي، والإنتاجية الاقتصادية.

6. العلاقة بين الأنشطة البشرية وإدراك الوقت.

تُشكّل الأنشطة البشرية - العمل، والترفيه، والحداثة، والروتين - التجربة الذاتية للوقت. بعض الملاحظات الرئيسية:

• عند الانخراط في أنشطة جديدة تجذب الانتباه، يبدو أن الوقت يتباطأ (ما يُعرف بـ"تأثير الغرابة" حيث تُطيل الأحداث غير المتوقعة مدته الذاتية).

ADVERTISEMENT

• قد تُقلّل الأنشطة الروتينية المتكررة من التميز الزمني الذاتي للأحداث، مما يجعل الفترات الزمنية غير واضحة، وتبدو الفترات الاسترجاعية قصيرة.

• للحالات العاطفية أهمية: يميل الملل إلى إطالة الوقت الذاتي؛ بينما يُقصّره الانخراط الشديد. تُظهر الأبحاث التي أُجريت على كبار السن أن العواطف تؤثر على تقدير الفترات الزمنية.

• حدود العمل والترفيه: في الاقتصادات الحديثة، يؤثر تقسيم العمل، ووقت العمل، والمواعيد النهائية، وضرورات الإنتاجية، جميعها على كيفية تقسيم الوقت والإحساس به.

وبالتالي، تؤثر الأنشطة وبنيتها على مدى سرعة أو بطء الوقت بالنسبة للبشر.

العلاقة بين إيقاع الحياة وإدراك الوقت.

يؤثر إيقاع الحياة - الدورات المتكررة للنوم/اليقظة، والعمل/الترفيه، والفصول، والشيخوخة - على إدراك الوقت. على سبيل المثال:

• تُخلّد الطفولة العديد من التجارب الأولى (أول يوم دراسي، أول عطلة، أول وظيفة) في الذاكرة، مما يجعل الوقت يبدو أكثر امتلاءً وطولاً.

ADVERTISEMENT

• مع التقدم في العمر، تصبح العديد من روتينات الحياة مألوفة، ويقل ظهور علامات جديدة، مما يجعل الوقت يبدو مضغوطاً. وكما لخصت إحدى المقالات: "كلما قلّت الأحداث التي لا تُنسى في فترة زمنية، بدا الوقت وكأنه يمر بسرعة".

• تتغير الإيقاعات البيولوجية: على سبيل المثال، يتباطأ وقت رد الفعل، وينخفض

التوصيل العصبي، وقد تتغير فترات الانتباه، وتنخفض سرعة المعالجة المعرفية.

• تنخفض نسبة التجارب الجديدة إلى إجمالي وقت الحياة: عند بلوغ العاشرة من العمر، تُمثل السنة 10% من الحياة؛ عند بلوغ الخمسين، يُمثل العام 2% من الحياة. تؤثر هذه النسبة على الوقت الذاتي.

لذلك، فإن التفاعل بين إيقاع الحياة، والحداثة، وترميز الذاكرة، والتغيرات البيولوجية يُؤدي إلى تحولات في إدراك الوقت على مدار العمر.

7. العوامل التي تحكم إدراك الوقت.

ADVERTISEMENT

تؤثر عدة عوامل على كيفية إدراك الوقت:

العوامل المعرفية-الإدراكية.

• سرعة المعالجة: المعالجة البطيئة تُنتج "أطراً" أقل لكل وحدة زمنية، مما يجعل نفس المدة الموضوعية تبدو أقصر.

• الانتباه: زيادة الانتباه لمرور الوقت (مثل الانتظار) تجعل الوقت بطيئاً؛ بينما يجعل الانتباه المُركّز مروره سريعاً.

• ترميز الذاكرة: تبدو الفترات التي تحتوي على ذكريات غنية ومميزة أطول عند النظر إليها بأثر رجعي؛ بينما تبدو الفترات التي تحتوي على أحداث مميزة قليلة أقصر.

• الحالة العاطفية: المشاعر الإيجابية، والحداثة، والمفاجأة تُطيل الوقت؛ قد تضغط المشاعر السلبية على الوقت أو تُشوّهه.

العوامل البيولوجية/الفسيولوجية.

• يُقلّل تباطؤ العمليات العصبية المرتبط بالعمر من "معدل أخذ العينات" من التجربة.

• يؤثر الدوبامين والإثارة والتغيرات الكيميائية العصبية على الإدراك الزمني (مع أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث).

ADVERTISEMENT

العوامل الاجتماعية/السياقية.

• الروتين مقابل التجديد: روتين أكثر = علامات مميزة أقل ← مرور ذاتي أسرع.

• التعريفات الثقافية للوقت: تُشكل الساعة الزمنية، والالتزام بالمواعيد، والجداول الزمنية إدراك الوقت في المجتمعات الحديثة أكثر مما كانت عليه في المجتمعات الزراعية السابقة.

• متوسط العمر المتوقع والأفق الزمني: مع تقدم الناس في السن، يتضاءل ما يُدركونه من عمرهم المتبقي، وقد يشعرون بأن الوقت أثمن، وبالتالي يُنظر إليه على أنه يمر أسرع.

• عوامل التناسب/النسبة: حجة "السنة كنسبة مئوية من العمر المُعاش": تبدو فترة السنة الواحدة أطول عندما تكون أصغر سناً لأنها تُمثل نسبة أكبر من وقتك المُعاش.

البعد النفسي لإدراك الوقت.

من وجهة نظر نفسية، يرتبط الشعور بمرور الوقت ارتباطاً وثيقاً بالانتباه والذاكرة والتأمل الذاتي والحداثة والأهمية الشخصية.

ADVERTISEMENT

عند استرجاع فترة زمنية معينة، فإن ما نتذكره يؤثر على مدى "طولها". إذا حدثت العديد من الأحداث والتغييرات والمحطات المهمة، تبدو الفترة أطول من فترة مليئة بالتشابه.

"مفارقة العطلة" مثال واضح: خلال العطلة، قد تشعر بقصر الأيام لأنك تستمتع بوقتك ويمر الوقت بسرعة، ولكن عندما تسترجع الماضي، تبدو العطلة طويلة لأن لديك الكثير من الذكريات.

قد يمر كبار السن أيضاً بتغيرات في الأفق الزمني: قد يؤثر إدراك قصر العمر المتبقي على كيفية تقدير الوقت والشعور به ذاتياً. على سبيل المثال، تُظهر الأبحاث أن تسارع الوقت المرتبط بالعمر يؤثر على تحديد الأهداف والهياكل التحفيزية.

وهكذا، فإن البعد النفسي محوري في مسألة لماذا يبدو الوقت أسرع مع التقدم في السن.

8. مفهوم سرعة الزمن والشعور الإنساني بسرعة الزمن.

ماذا نعني بسرعة الزمن؟ في الواقع، سرعة الزمن الموضوعية ثابتة بالنسبة لنا (ثانية واحدة = ثانية واحدة). أما سرعة الزمن الذاتية فهي مدى سرعة مرور الزمن. فكثيراً ما نقول "مرّ الزمن سريعاً" (شعرنا به سريعاً) أو "تباطأ" (شعرنا به بطيئاً).

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Kindel Media على pexels

العمر واستهلاك الشمعة

تشمل العوامل المؤثرة على الشعور بسرعة الزمن: عدد الأحداث/الإطارات التي يسجلها الدماغ في كل وحدة زمنية، ومدى حداثة أو تكرار التجارب، ومدى الاهتمام بالوقت، وكمية الذاكرة التي تُولّد خلال هذه الفترة. تشير بعض الأبحاث إلى أن كبار السن يسجلون عدداً أقل من "الأحداث" العقلية المميزة في كل وحدة زمنية، وبالتالي يشعرون بمرور الوقت بشكل أسرع.

في حين أن زمن الساعة الموضوعي لا يتسارع، فإن إدراكنا وذاكرتنا يمنحاننا انطباعاً بأنه يتسارع.

الطبيعة الذاتية لسرعة الزمن.

لأن إدراك الوقت أمرٌ ذاتي، فإنه يختلف باختلاف الأفراد والسياقات. على سبيل المثال:

• قد تبدو دقيقةٌ نقضيها في الانتظار في طابور أطول بكثير من دقيقةٍ نقضيها في مشاهدة فيلمٍ مفضل.

• جميع السياقات الثقافية والفردية والعاطفية والظرفية مهمة.

ADVERTISEMENT

• قد يختلف الشعور بالفترة الزمنية نفسها (مثلاً، سنة واحدة) اختلافاً كبيراً في سن العاشرة مقارنةً بسن الخمسين.

• بسبب هذه الذاتية، فإن تجربة "مرور الوقت" مع التقدم في السن ليست موضوعيةً تماماً، بل شائعةٌ على نطاقٍ واسع. تُظهر الدراسات التجريبية أن الاعتقاد بأن "الوقت يمر أسرع مع التقدم في السن" اعتقادٌ راسخ، على الرغم من أن الآليات الدقيقة لا تزال موضع جدل.

لذا، لتفسير هذه الظاهرة، يجب التركيز على العوامل الذاتية (الذاكرة، التجديد، الانتباه) إلى جانب العوامل الموضوعية أو البيولوجية (سرعة المعالجة، نسبة الحياة المعاشة).

تطور سرعة الزمن والشعور به مع التقدم في العمر.

مع التقدم في الحياة، تُسهم عدة تغيرات في تغيير الشعور بالوقت:

أ. تأثير التناسب: في سن الخامسة، تُمثل السنة الواحدة 20% من الحياة؛ وفي سن الخمسين، تُمثل السنة الواحدة 2%. وبالتالي، تبدو نفس السنة الزمنية أقصر مقارنةً بالحياة بأكملها.

ADVERTISEMENT

ب. انخفاض التجديد: الطفولة مليئة بالأحداث الأولى؛ بينما غالباً ما تكون مرحلة البلوغ أقل تجديداً. مع قلة الأحداث الجديدة، يتقلص الزمن الذاتي.

ت. تباطؤ المعالجة/البيولوجيا: قد تُعالج أدمغة كبار السن عدداً أقل من "الأطر" لكل وحدة زمنية؛ أطر مميزة أقل = مدة مُدركة أقل.

ث. تأثير الذاكرة: بأثر رجعي، تبدو الفترات التي تحتوي على العديد من الذكريات البارزة أطول. مع التقدم في العمر، إذا أصبحت الحياة أكثر روتينية، فإن قلة الذكريات البارزة = طول ذاتي أقصر.

ج. تغيرات الأفق الزمني: مع التقدم في العمر، يتقلص ما يُدرك من عمرٍ متبقٍ، مما قد يُغير من كيفية تقدير كل فترة زمنية والشعور بها.

ح. الروتين والتجزئة: غالباً ما تصبح الحياة اليومية أكثر تجزئةً وأقل استكشافاً، مما يضغط على الوقت الذاتي.

لذلك، يتشكل تطور التجربة الزمنية الذاتية من خلال عوامل متقاربة متعددة، مما يدفع الكثيرين إلى القول بأن "السنوات تمر أسرع" مع التقدم في العمر.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Ana Knesebeck على unsplash

امرأة مُسنّة تستحم في ضوء ذهبي خافت، تقف بهدوء خلف قضبان معدنية عمودية

لماذا يبدو أن الوقت يمر أسرع مع تقدمنا في العمر؟

بتلخيص ما سبق، تتضمن التفسيرات الرئيسية لسبب مرور الوقت بشكل أسرع مع التقدمفي العمر ما يلي:

• تأثير التناسب مع العمر: تصبح فترة تقويمية معينة (مثل سنة واحدة) جزءاً أصغر من إجمالي الحياة المُعاشة، وبالتالي أقصر ذاتياً.

• تجارب جديدة أقل: مع التقدم في العمر، يصبح جزء أكبر من الحياة روتينياً، و"التجارب الأولى" أقل، وذكريات مؤثرة أقل →يبدو أن الوقت ينضغط.

• سرعة معالجة أبطأ / "أطر" ذهنية أقل: قد تُدرك أدمغة كبار السن أحداثاً أقل لكل وحدة زمنية، مما يجعل الوقت يبدو أسرع.

• تقصير رجعي قائم على الذاكرة: عند النظر إلى الماضي، يبدو أن قلة الأحداث المتمايزة ← الفاصل الزمني أقصر.

ADVERTISEMENT

• أفق زمني وعوامل عاطفية: قد يُخصص كبار السن انتباههم بشكل مختلف، ويُركزون على أهداف مختلفة، وربما يشعرون بندرة الوقت.

• التجزئة المعرفية: غالباً ما يُقسّم الشباب الوقت بناءً على العديد من التجارب المتمايزة؛ وقد يمر كبار السن بمدد أطول دون تقسيم واضح.

• روتين وعلامات أقل: عندما تتشابه العديد من الأيام، تتشوش الذاكرة وإدراك مرور الوقت.

بعبارة أخرى، لا يتسارع الوقت حرفياً، ولكن تجربته تتسارع. وكما ذكرت إحدى المقالات: "يتسارع الوقت مع التقدم في العمر لأن التجارب الجديدة تقلّ ويصبح الإدراك أقل وضوحاً".

تدعم الدراسات التجريبية بعض هذه الآليات. على سبيل المثال، يُظهر كبار السن انخفاضاً في دقة معالجة الوقت في المهام المخبرية.

وهكذا، فإن الجمع بين النسبة، والتجديد، وسرعة المعالجة، والذاكرة، والتجزئة يُفسر شعور الكثيرين بتسارع الزمن مع التقدم في السن.

ADVERTISEMENT

تفسير الشعور بتسارع الزمن مع التقدم في السن.

باختصار: في الطفولة، يكون كل شيء تقريباً جديداً: مدرسة جديدة، أصدقاء جدد، عطلات جديدة، مهارات جديدة. كل هذه الأشياء تُنشئ العديد من "العلامات الزمنية" المميزة في الذاكرة. ولأن الدماغ يُعالج العديد من الأحداث ويُنشئ العديد من الروابط الجديدة، يبدو الوقت الذاتي غنياً وحافلاً، وبالتالي طويلاً.

مع التقدم في  السن، يُسيطر الروتين: تتشابه أيام الأسبوع، وتقلّ الانتقالات الرئيسية، وتقلّ الأحداث الأولى. يُعالج الدماغ عدداً أقل من "الأطر" الجديدة (فعلياً)، مُشكّلاً عدداً أقل من العلامات الجديدة. قد يتداخل كل يوم مع اليوم التالي. من منظور استرجاعي، تبدو تلك السنوات وكأنها مرت بسرعة نظراً لقلة الأحداث المُخزّنة المُميزة التي تُرسّخها.

في الوقت نفسه، تبقى السنة التقويمية كما هي، لكنها تُمثل، من وجهة نظر ذاتية، جزءاً أصغر من الحياة التي نعيشها، مما يُغير المنظور: فسنة واحدة في سن العاشرة تبدو ضخمة؛ أما في سن الستين، فقد تبدو صغيرة.

ADVERTISEMENT

من الناحية البيولوجية، قد يعني بطء المعالجة العصبية عدداً أقل من "الصور" الذهنية لكل وحدة زمنية، وبالتالي يُعاين الدماغ العالم ببطء أكبر؛ وهذا يُقلّل من "الكثافة" الزمنية الذاتية.

اجتماعياً ونفسياً، مع إدراكنا أن الوقت المتبقي لدينا قد يكون محدوداً، ومع تركيز الحياة على الأهداف والمسؤوليات، وتراجع اهتمامنا بالجديد، قد ننتبه أقل لكل لحظة، مما يسمح بمرور الوقت.

لذلك، فإن الشعور بسرعة الوقت هو نتيجة لقلة الأحداث المليئة بالجديد، وقلة التجزئة، وبطء الإدراك، وتغير منظور الحياة المعاشة.

9. خواطر ختامية حول الوقت والإنسان.

الوقت أحد الأبعاد المركزية للوجود البشري. نولد في الزمن، ونعيش فيه، ونشيخ فيه. تُشكل تجربتنا الذاتية للوقت طريقة عيشنا: مدى سرعة شعورنا بمرور الحياة، وكيفية توزيع انتباهنا، وكيفية تحديد أولويات أهدافنا، وكيف نتذكر ماضينا ونتخيل مستقبلنا.

ADVERTISEMENT

لظاهرة مرور الوقت بشكل أسرع مع تقدمنا في العمر آثار عميقة. إنها تُذكرنا بمحدودية الإنسان: ففي الصغر، يبدو الوقت وافراً، وفي الكبر، يبدو نادراً. يشير هذا إلى أن العيش بثراء، وخوض تجارب جديدة، والانخراط الذهني قد لا يجعل الحياة ذات معنى فحسب، بل قد يُوسّع أيضاً إدراكنا للوقت. وكما أشارت إحدى المقالات: قد يشعر كبار السن الذين يخوضون تجارب جديدة بأن الوقت يتمدد، ولا يتقلص.

من الناحية الاقتصادية، يُعدّ الوقت مورداً. في المجتمعات الحديثة، تُظهر دراسات استخدام الوقت أن الإنتاجية، والترفيه، وفقر الوقت (قلة الوقت الحر) تُعدّ قضايا رئيسية. كلما بدا أن الوقت الذاتي يتحرك بسرعة أكبر، زاد الضغط على الأفراد "لاستغلال الوقت بشكل جيد"، مما قد يُفاقم بدوره مشاعر الندرة أو تسارع الوقت.

وهناك جانب آخر: إن الطريقة التي نسجل بها الوقت (الساعات، والتقويمات) تُبرز البعد غير الملموس للوقت وتُعطي هيكلاً لحياتنا - ولكنها قد تُسهم أيضاً في الشعور بتسارع الوقت من خلال فرض جداول زمنية أكثر صرامة، وأيام أكثر تجزئة، وقياس أكبر للوقت بدلاً من الوقت المُعاش.

ADVERTISEMENT

في نهاية المطاف، علاقتنا الإنسانية بالوقت عالمية وشخصية للغاية. إن إدراك الطبيعة الذاتية للوقت قد يساعدنا على العيش بوعي أكبر: ربما من خلال إدخال التجديد، وتقسيم أيامنا بوعي، والاهتمام بالحاضر، وتقدير الإحساس الواسع بالوقت بدلاً من مجرد مشاهدته يمر سريعاً.

10. مفهوم الوقت في العصر الرقمي والإنترنت.

الصورة على brgprecision

التسجيل الحديث للزمن.

في العصر الرقمي/الإنترنت، تتغير تجربتنا للوقت مجدداً:

• التواصل الفوري عبر العالم يعني مناطق زمنية، وأحداثاً آنية، وإيقاعات رقمية.

• غالباً ما نشعر بتسارع "الوقت" عبر الإنترنت: وسائل التواصل الاجتماعي، والبث المباشر، والتحديثات الفورية تخلق شعوراً بالتدفق المستمر و"النشاط الدائم".

• تتبع الأجهزة الرقمية الوقت وتقيسه (الشاشات، والتقويمات، والإشعارات) - فنصبح أكثر وعياً بالوقت ودافعاً له.

ADVERTISEMENT

• التجديد، الذي يُبطئ الوقت الذاتي، قد يتراجع بشكل متناقض في العصر الرقمي بسبب المحفزات المتكررة (التمرير، والتغذية الخوارزمية) التي تُسبب ضبابية الوقت.

من ناحية أخرى، قد تُوسّع التقنيات الجديدة (الواقع الافتراضي، والتجارب الغامرة) نطاق الوقت المُدرَك من خلال تقديم أحداث مميزة لا تُنسى.

تتلاشى الحدود بين الوقت والعمل عندما تُتيح لنا الأجهزة الرقمية التواصل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، مما قد يؤدي إلى تقليل التجزئة وتسريع الوقت الذاتي.

باختصار، قد يُفاقم العصر الرقمي الشعور بسرعة مرور الوقت، ما لم نُجدّد بوعيٍ ، ونُقسّم الوقت، ونُولي اهتماماً واعياً.

مستقبل التفاعلات بين الزمن والإنسان.

بالنظر إلى المستقبل، قد تؤثر عدة اتجاهات على كيفية تجربتنا للوقت:

مع امتداد أعمار البشر (بسبب تحسّن الصحة وطول العمر)، تتغير النسبة الذاتية للسنوات، مما قد يُغيّر كيفية الشعور بالوقت على مدى فترات أطول.

ADVERTISEMENT

قد تُتيح التقنيات (الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز) تجارب زمنية جديدة: على سبيل المثال، تمدد الوقت في الواقع الافتراضي، واستخدام الاتصالات غير المتزامنة، وإيقاعات جديدة.

قد يؤدي استخدام الوقت في اقتصاد العمل المؤقت، والعمل عن بُعد، والجداول الزمنية المرنة إلى اختلاف إيقاعات العمل/الترفيه، مما يُغيّر إدراكنا للوقت.

قد تُستخدم اليقظة الذهنية، والتغذية الراجعة الحيوية، والتدريب الزمني عمداً لإبطاء الوقت الذاتي أو تحسين جودته.

قد تؤدي التحولات المجتمعية (مثل العمل اليومي الأقل تنظيماً، وزيادة الوقت الشخصي المُخصص للمشاريع) إلى مزيد من التجديد، وبالتالي إبطاء الوقت الذاتي.

من الناحية الاقتصادية، مع ازدياد وضوح قيمة "الوقت" (الانتباه، التجربة) (اقتصاد التجربة، اقتصاد الانتباه)، قد يُصبح إدراك الوقت مقياساً رئيسياً لرفاهية الإنسان.

ADVERTISEMENT

باختصار، قد يُشكك المستقبل في افتراض أن الوقت يجب أن يبدو وكأنه يتسارع مع التقدم في السن. فمن خلال تصميم أنشطتنا، والتكنولوجيا، واهتمامنا، قد نُؤثر على تجربتنا للوقت.

الخلاصة.

لماذا يبدو أن الوقت يمر أسرع مع تقدمنا في العمر؟ الإجابة متعددة الجوانب وثرية. ليس الأمر مجرد أن الوقت يمر أسرع، بل إن تجربتنا له هي كذلك. مع تقدمنا في العمر، تجتمع عوامل مثل التناسب مع العمر، وقلة التجارب الجديدة، وبطء المعالجة المعرفية، وازدياد الروتين، وقلة الذكريات المميزة، وتغير آفاق الزمن، وتغير إيقاعات الحياة، لتنتج ظاهرة "مرور الوقت".

يكشف فهم إدراك الوقت أن علاقتنا به نفسية واجتماعية بقدر ما هي جسدية. فبينما توفر الساعات والتقويمات المقياس الموضوعي للوقت، فإن عقلنا يجزئه ويصفيه ويفسره. كلما تقدمنا في العمر، زاد اعتمادنا على الذاكرة والروتين، وقلّت كثافة وقتنا الذاتي.

ADVERTISEMENT

ولكن هناك أمل أيضاً: من خلال البحث الواعي عن الجديد، والانغماس في اللحظة الحالية، وتنظيم أيامنا بعلامات ذات معنى، والاهتمام بالوقت، يمكننا إطالة وقتنا الذاتي، وجعل حياتنا تبدو أكثر اكتمالاً وثراءً، وربما أبطأ. في عصرٍ أصبح فيه الوقت سلعةً أكثر فأكثر، واهتمامٌ أكثر تشدداً، قد يكون هذا أحدَ الرؤى العظيمة لعلم الزمن.

وأخيراً، يبقى الزمنُ أحدَ الحدودِ الكبرى للتجربةِ الإنسانية: غيرُ ملموس، واسعُ الانتشار، لا يلين، ومع ذلك فهو يتشكّل في عقولنا. إن إدراكَ أن الشعورَ بتسارعِ الزمنِ ليس قدراً، بل هو إشارةٌ للتأملِ كيف نعيش، قد يكونُ من أكثرِ الأمورِ الإنسانية التي يُمكننا القيامُ بها.

toTop