مصر وجنوب أفريقيا تهيمنان على مشهد المليونيرات في أفريقيا

ADVERTISEMENT

تشهد أفريقيا تحولاً جذرياً في اقتصادها. فبعد أن كانت تُعرف سابقاً بالفقر والاعتماد على المساعدات، أصبحت القارة اليوم مركزاً ديناميكياً لتراكم الثروات الخاصة. وبحسب تقرير ثروات أفريقيا لعام 2025، يبلغ عدد المليونيرات في أفريقيا حوالي 122,500، و348 من أصحاب الثروات التي تتجاوز 100 مليون دولار، و25 ملياردير. ويُعد هذا تطوراً كبيراً مقارنة بالأعوام السابقة، حيث كان الثراء يتركز في مناطق قليلة وكان غير متاح لمعظم السكان. وتتصدر جنوب أفريقيا ومصر قائمة الدول الرائدة في هذا التحول. فهاتان الدولتان لا تتميزان فقط بأكبر عدد من المليونيرات في القارة، بل هما أيضاً مراكز رئيسية للشبكات المالية والاستثمارية في أفريقيا. ويعود هذا التميز إلى قوتها الاقتصادية التاريخية، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، بالإضافة إلى قطاعات قوية مثل المالية والعقارات والسياحة. ويشكلان معاً ما يقارب نصف عدد المليونيرات في أفريقيا، ما يُغير بشكل كبير صورة الثراء في القارة.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Tyler Harris على unsplash

جنوب أفريقيا: عملاق الثراء يواجه تحديات جديدة

لا تزال جنوب أفريقيا الدولة الأكثر ثراء في أفريقيا، حيث يبلغ عدد المليونيرات فيها 41,100، و112 من أصحاب الثروات التي تتجاوز 100 مليون دولار، و8 مليارديرات. وتتصدر جوهانسبرغ، التي تُعرف بـ"مدينة الذهب"، القائمة بأكبر عدد من المليونيرات (11,700)، تليها كيب تاون (8,500). وتُعد كيب تاون أيضاً في صدارة القائمة من حيث عدد أصحاب الثروات التي تتجاوز 100 مليون دولار وأسعار العقارات الفاخرة، حيث تصل أسعارها إلى 5,800 دولار للمتر المربع، ما يجعلها من أغلى المدن في أفريقيا. مع ذلك، لا يخلو هذا التميز من التحديات. فخلال العقد الماضي، شهدت جنوب أفريقيا انخفاضاً بنسبة 6% في عدد المليونيرات، أي ما يقارب 2,400 مليونير. ويعود هذا الانخفاض بشكل كبير إلى قضايا مثل ارتفاع معدلات الجريمة، وعدم الاستقرار السياسي، وتدهور البنية التحتية، وعدم اليقين الاقتصادي. يسعى العديد من الأثرياء في جنوب أفريقيا إلى بيئات أكثر أماناً وجاذبة للاستثمار في الخارج، حيث برزت جزر موريشيوس كوجهة رئيسية بفضل استقرار نظامها السياسي، وشفافية نظامها الضريبي، وبرامجها الجذابة لتأمين الإقامة عن طريق الاستثمار. وعلى الرغم من هذه التحديات، لا يزال الاقتصاد المتنوع في جنوب أفريقيا يجذب رؤوس الأموال. ويُعد قطاع الخدمات المالية من أكثر القطاعات تطوراً في أفريقيا، بينما تظل بورصة جوهانسبرغ المالية منصة رئيسية لتراكم الثروات. كما تساهم صناعة السياحة الفاخرة، والمزارع المزروعة بالأشجار، والمشاريع السكنية الفاخرة في جنوب أفريقيا بشكل كبير في تعزيز مكانتها كمركز للثروة. ومع ذلك، وللحفاظ على هذا المركز، يتعين على جنوب أفريقيا معالجة تحدياتها الداخلية وخلق بيئة أكثر استقراراً وأماناً للمستثمرين ورواد الأعمال.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Mark Hillary على wikipedia

مصر: نجم متألق في أفريقيا

تُعد مصر ثاني أغنى دولة في أفريقيا، حيث تضم 14800 مليونيرا، وأكبر عدد من المليارديرات في مدينة واحدة في أفريقيا، خمسة منهم في القاهرة. وتُصنف القاهرة كثالث أغنى مدينة في أفريقيا، حيث تضم 6800 شخص من ذوي الثروات العالية. ترتكز ثروة مصر على موقعها الاستراتيجي، واقتصادها المتنوع، الذي يشمل قطاعات قوية في العقارات والسياحة والصناعة، بالإضافة إلى قطاع التكنولوجيا المزدهر. ومن بين استراتيجيات مصر المبتكرة لجذب رؤوس الأموال برنامجها لتأمين الإقامة عن طريق الاستثمار، الذي يوفر الجنسية مقابل 250 ألف دولار. وقد وضع هذا البرنامج مصر في موقع جذب رؤوس الأموال، سواء من الداخل أو الخارج، مما ساهم في جذب المستثمرين الأجانب، وتمكين المصريين الأثرياء من توسيع نطاق استثماراتهم عالمياً. كما ساهم البرنامج في تنشيط الاستثمار المحلي في قطاعي العقارات والبنية التحتية، مما عزز مكانة مصر الاقتصادية. وعلى عكس جنوب أفريقيا، حافظت مصر على نمو مستمر في عدد أثريائها. وقد ساهمت الإصلاحات الاقتصادية، بما في ذلك تحرير العملة وتحسين الأطر التنظيمية، في تعزيز ثقة المستثمرين. ومن المتوقع أن تسهم مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل العاصمة الإدارية الجديدة وتوسعات منطقة قناة السويس، في تحقيق فوائد اقتصادية طويلة الأجل. كما أن موقع مصر الاستراتيجي في قلب أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا يجعلها لاعباً رئيسياً في التجارة والاستثمار الإقليميين.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Mohamed Ouda على wikipedia

مستقبل الثروة في أفريقيا: مراكز جديدة وفرص واعدة

مع أن جنوب أفريقيا ومصر تهيمنان حالياً على مشهد الثروة في أفريقيا، إلا أن المستقبل يبشر بتوزيع أكثر تنوعاً للثروة في القارة. تكتسب الأسواق الناشئة، مثل موريشيوس والمغرب، وكينيا، ورواندا، أهمية متزايدة باعتبارها وجهات جاذبة للأفراد ذوي الثروات الطائلة. وبلغ عدد الأثرياء في موريشيوس تحديداً 63% خلال العقد الماضي، وذلك بفضل استقرار الأوضاع السياسية ، والنظام الضريبي اامنخفض بالإضافة إلى قطاع الخدمات المالية المتقدم. ومن المتوقع أن ينمو عدد الأفراد ذوي الثروات الطائلة في أفريقيا بنسبة 65% خلال السنوات العشر القادمة، مدفوعًا بتوسع أسواق الثروات الخاصة، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وظهور قطاعات اقتصادية جديدة. ومن المتوقع أن تلعب مجالات التكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة والزراعة الرقمية والبنية التحتية الرقمية دورًا محوريًا في هذا النمو. كما أن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، التي تهدف إلى إنشاء سوق موحدة للسلع والخدمات في 54 دولة، من شأنها أن تفتح آفاقًا جديدة للتجارة بين الدول الأفريقية وتحرّك حركة رأس المال. ومع ذلك، يعتمد استمرار نمو هذه الفئة من الأفراد في القارة على عدة عوامل حاسمة. فالحكم الرشيد والأمن وإصلاح السياسات ضرورية لخلق بيئات مواتية لنمو الثروات. وستكون الدول التي توفر الشفافية والحماية القانونية وسياسات داعمة للمستثمرين في موقع أفضل لجذب وإبقاء الأفراد ذوي الثروات الطائلة. كما سيلعب كل من التعليم والابتكار دورًا أساسيًا، مع ازدياد ريادة الشباب الأفريقي في مجال الأعمال وتفوقهم في استخدام التكنولوجيا. في هذا المشهد المتغير، يتعين على جنوب أفريقيا ومصر التكيف للبقاء في موقع تنافسي. فجنوب أفريقيا بحاجة إلى معالجة تحدياتها السياسية والاقتصادية واستعادة ثقة المستثمرين، بينما يجب على مصر مواصلة مسيرة الإصلاح وضمان نمو شامل. تتمتع كلتا الدولتين بالقدرة على قيادة أفريقيا نحو عصر ازدهار جديد، لكن عليهما التعامل مع تعقيدات الاقتصاد العالمي المتغير باستمرار.

أكثر المقالات

toTop