لماذا لا نُعلَّم التمويل الشخصي في مدارسنا؟

ADVERTISEMENT

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتعدد فيه الفرص المالية والتحديات الاقتصادية، يظل سؤال واحد يطرق الأذهان: لماذا لا نُعلَّم التمويل الشخصي في مدارسنا؟ في عالمنا العربي، يتخرج الطلاب من المراحل الدراسية حاملين شهادات أكاديمية، ولكنهم غالبًا ما يفتقرون إلى أبسط المهارات الحياتية، وعلى رأسها الثقافة المالية.
يعيش الشاب العربي تناقضًا واضحًا؛ فهو مؤهل نظريًا لدخول سوق العمل، لكنه يفتقر إلى أدوات الوعي المالي التي تمكّنه من إدارة دخله، تفادي الديون، أو الادخار للمستقبل.

الصورة بواسطة seventyfourimages على envato

ما هو التمويل الشخصي ولماذا هو مهم؟

التمويل الشخصي هو علم وفن إدارة الأموال بطريقة فعالة ومسؤولة. يشمل هذا المجال:

  • إعداد الميزانيات
  • الادخار
  • الاستثمار
  • التعامل مع القروض
  • التخطيط للتقاعد

غياب هذا الوعي المالي يُدخل العديد من الشباب في دوامة من المشاكل الاقتصادية، مثل الاستهلاك المفرط، والإفراط في استخدام البطاقات الائتمانية، والعجز عن الادخار.

ADVERTISEMENT

فهل يمكن أن يكون الحل في المناهج الدراسية؟

التعليم المالي: أين نحن من العالم؟

على عكس الوضع في معظم الدول الغربية مثل كندا وألمانيا والدنمارك، حيث تُدرَّس الثقافة المالية في المدارس منذ المراحل الابتدائية، نجد أن أغلب الدول العربية تتجاهل هذا الجانب الحياتي المهم.

أمثلة دولية:

  • الولايات المتحدة: 21 ولاية تُلزم بتعليم مادة التمويل الشخصي في المدارس الثانوية.
  • أستراليا: تدخل مفاهيم الوعي المالي ضمن مناهج الرياضيات منذ المراحل الابتدائية.
  • سنغافورة: نموذج متقدم حيث يرتبط التعليم المالي بالأنشطة الحياتية اليومية.

أما في الوطن العربي، فالمناهج تظل حبيسة المعادلات النظرية والتلقين، بينما يغيب فيها الجانب العملي لحياة الطالب.

الصورة بواسطة tomson_kz على envato

الأسباب المحتملة لغياب التعليم المالي في مدارسنا

1. النظرة التقليدية للمناهج

ADVERTISEMENT

يركز نظام التعليم العربي على المواد التقليدية (الرياضيات، اللغة، العلوم)، بينما تُعتبر المهارات الحياتية ترفًا لا أولوية له.

2. نقص الكفاءات التعليمية المتخصصة

إدراج التمويل الشخصي يتطلب معلمين مدرَّبين على هذا النوع من التعليم، وهو ما تفتقر إليه الكثير من المؤسسات التربوية.

3. قلة الوعي المجتمعي

حتى الآن، لا يرى كثير من أولياء الأمور أو صناع القرار أهمية كبيرة لتعليم الأبناء كيفية إدارة المال.

4. ضعف الإرادة السياسية

من دون تبني رسمي من وزارات التربية والتعليم ودمج واضح في مناهج التعليم العربي، سيبقى التعليم المالي مبادرة غير رسمية إن وُجدت.

تأثير غياب التعليم المالي على الشباب العربي

1. الجهل بإدارة الدخل

لا يعرف كثير من الشباب كيف يوزعون رواتبهم الشهرية. بعضهم يصرف كامل الدخل خلال أيام قليلة.

2. الوقوع في فخ القروض

ADVERTISEMENT

بدون فهم آليات الفائدة المركبة أو شروط السداد، يقع الكثيرون ضحايا لبطاقات الائتمان أو قروض استهلاكية مرهقة.

3. غياب الادخار والتخطيط للمستقبل

من دون ثقافة الادخار، يفقد الفرد القدرة على مواجهة الأزمات أو التخطيط لشراء منزل، تأسيس مشروع أو حتى التقاعد.

الصورة بواسطة stockfilmstudio على envato

لماذا يجب أن نُدمج التعليم المالي في المناهج الدراسية؟

1. بناء جيل واعٍ ماليًا

تدريس التمويل الشخصي يساعد في تشكيل جيل أكثر استقلالية وقدرة على اتخاذ قرارات مالية مدروسة.

2. تقليل معدلات الفقر

تشير دراسات عالمية إلى أن التعليم المالي يقلل من الفقر على المدى البعيد، لأنه يعلم الأفراد كيف يستثمرون ويديرون مواردهم.

3. تعزيز ريادة الأعمال

الشباب الذي يفهم المال وكيفية استخدامه سيكون أكثر استعدادًا لإطلاق مشاريع ناجحة.

ADVERTISEMENT

4. تحفيز الاستقرار الاقتصادي المحلي

كلما زاد عدد الأفراد القادرين على إدارة أموالهم بشكل مسؤول، أصبح الاقتصاد أكثر استقرارًا.

كيف يمكن إدراج التعليم المالي في مناهجنا؟

1. تبسيط المفاهيم

يمكن تعليم الأطفال في المراحل الأولى مفاهيم مثل "الادخار" و"الأولويات" من خلال الألعاب والقصص.

2. ربط الرياضيات بالحياة الواقعية

يمكن تحويل دروس الرياضيات إلى تمارين على الميزانية، الربح، الفائدة، وحساب الضرائب.

3. إدخال مواد مستقلة

إضافة مادة مستقلة باسم "الوعي المالي" أو "التربية الاقتصادية" في المرحلة الإعدادية أو الثانوية.

4. إشراك الأسرة في العملية التعليمية

يمكن للمدارس تنظيم ورشات لأولياء الأمور لتعزيز المفاهيم التي يتعلمها الأبناء في البيت أيضًا.

نماذج عربية مشجعة: هل هناك أمل؟

رغم التحديات، هناك بعض المبادرات التي بدأت تشق طريقها:

ADVERTISEMENT
  • في الإمارات: أطلقت وزارة التربية برامج تجريبية لتعليم مبادئ المال في بعض المدارس.
  • في السعودية: بدأت مبادرة "ريالي" بالتعاون مع البنوك لتثقيف الطلاب ماليًا.
  • في المغرب وتونس: مشاريع محدودة النطاق بالتعاون مع منظمات دولية لتعزيز الوعي المالي.

لكن هذه المبادرات تحتاج إلى تعميم، وتطوير، وإدراج رسمي في السياسات التعليمية.

خاتمة: هل ننتظر أزمة أم نبدأ بالتغيير؟

في عالم معقّد ماليًا ومتقلب اقتصاديًا، لا يجوز أن يظل التعليم منفصلًا عن الواقع.
إن غياب التعليم المالي من مناهجنا هو تقصير تربوي كبير، يساهم في خلق أجيال ضائعة ماليًا، تعاني من الديون، تفتقر للادخار، وتغيب عنها أبسط المهارات الاقتصادية.

إن الوقت قد حان لتكون الثقافة المالية في المدارس ضرورة لا ترفًا، ومسؤولية لا خيارًا.
فالمجتمع الذي يعلّم أبناءه كيف يُحسِنون التعامل مع المال، هو مجتمع يضع أسس مستقبله بثقة واستقرار.

أكثر المقالات

toTop