في استكشاف عميق لأحد الموارد الطبيعية والثقافية الأكثر ديمومة في العالم، أطلق مركز الملك عبد العزيز للثقافة العالمية في الظهران في المملكة العربية السعودية (إثراء)، رسمياً معرضاً جديداً كبيراً بعنوان ”الباسقات: نخلة التمر عبر الحضارات“. المعرض، الذي افتتح أبوابه للجمهور هذا الأسبوع، ويستمرّ حتى نهاية العام، يضع النخلة ليس فقط كنبات، بل كركيزة أساسية لتاريخ البشرية، ورمز خالد للصمود، وجسر يربط بين التقاليد القديمة والابتكارات المعاصرة.
الباسق هو شيء متجذر وطويل الأمد، وهو عنوان مناسب لمعرض مخصص لشجرة نسجت بشكل لا ينفصم في نسيج الحياة في الشرق الأوسط وما وراءه لأكثر من 7000 عام. أكد حفل الافتتاح على مهمة إثراء في أن تكون منارة للثقافة والمعرفة والحوار بين الثقافات.
قراءة مقترحة
تم تصميم معرض ”الباسقات“ ليكون رحلة غامرة ومتعددة الحواس. يتجاوز المعرض الأهمية الزراعية والغذائية لنخيل التمر ليبحث في تأثيره العميق على الفن والروحانية والعمارة والمجتمع في جميع أنحاء العالم.
شجرة النخيل المباركة
يتمحور المعرض حول عدة محاور رئيسية:
يبدأ المعرض بتتبع أصول نخيل التمر ودوره في نشأة المجتمعات القديمة. توضح القطع الأثرية والنصوص التاريخية والخرائط التفاعلية كيف سهّل النخيل التجارة، ووفر مواد بناء مستدامة، ومصدر غذاء موثوقًا، ما سمح بنمو المستوطنات على طول طرق التجارة القديمة. ويسلط الضوء على وجود النخيل في حضارات بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة ووادي السند.
يخصص معرض ”الباسقات“ مساحة كبيرة لمكانة النخيل الموقرة في الأديان الرئيسية في العالم. ويستكشف الإشارات العديدة إليه في القرآن والإنجيل والتوراة، ويبرز رمزيته للسلام والوفرة والبركة الإلهية. يمكن للزوار الاطلاع على المخطوطات القديمة والرسوم الفنية التي تحتفي بالأهمية المقدسة للشجرة.
يوضح المعرض ببراعة كيف ألهم شكل الشجرة الأيقوني الإبداع البشري على مدى آلاف السنين. من تيجان الأعمدة المعقدة للمعابد القديمة، المصممة على غرار جذع النخلة، إلى زخارفها المتكررة في الفن الهندسي الإسلامي والخط العربي والتركيبات المعاصرة، يتم تقديم النخلة كمصدر إلهام فني دائم.
حديقة المئة نخلة في الرياض
بالنظر إلى المستقبل، لا يتجنب معرض ”الباسقات“ تحديات تغير المناخ وندرة المياه. فهو يعرض أحدث الأبحاث العلمية في زراعة نخيل التمر، والممارسات الزراعية المستدامة التي تدعمها المملكة العربية السعودية، والاستخدامات الجديدة المبتكرة لمنتجاتها الثانوية في صناعات مثل الوقود الحيوي ومستحضرات التجميل والتصميم. يضع هذا القسم نخيل التمر في موقع اللاعب الرئيسي في مستقبل مستدام.
تتميز إثراء بسمعتها في مجال التنظيم المبتكر للمعارض، وتستخدم في هذا المعرض مجموعة من تقنيات العرض الحديثة. يمكن للزوار التجول في منشأة بالحجم الطبيعي لواحة نخيل، وتجربة موسم الحصاد من خلال الأصوات والروائح المحيطة، والتفاعل مع شاشات رقمية تشرح بيولوجيا الشجرة واستخداماتها المتعددة.
ويجمع المعرض كذلك أعمالاً لفنانين ومصممين وصناع معاصرين، سعوديين ودوليين بارزين، يقدمون تفسيراتهم الفريدة للأهمية الثقافية والبيئية للنخلة، فيعيدون صياغتها ليس فقط كمصدر للتمور والظل، بل كمصدر للحرف اليدوية والهندسة المعمارية والتكنولوجيا الحيوية والذاكرة الاجتماعية. يضم المعرض حوالي 15 عملاً لـ 25 فناناً من المملكة العربية السعودية وخارجها، ويشكل جزءاً من مبادرة أوسع نطاقاً في إثراء، تركز على إعادة تفسير الحرف التقليدية القائمة على النخيل في الممارسة المعاصرة.
إحدى السمات المميزة لمعرض الباسقات هي تركيزها على الصناعة والتجريب. يتضمن المعرض منطقة مختبر تستضيف ورش عمل وعروض أفلام وجلسات عملية لتعليم تقنيات مثل صناعة الورق من نخيل التمر والنسيج الحيوي باستخدام ألياف النخيل ومنتجاتها الثانوية. تم تصميم هذه الورش لجمهور عريض، يتراوح من العائلات إلى المصممين. وهي تهدف إلى تحويل المعرفة التقليدية إلى ممارسات معاصرة ومستدامة. كما يتضمن البرنامج عرض أفلام قصيرة ومحاضرات، ما يوسع نطاق المعرض ليشمل سرد القصص والممارسات القائمة على الأبحاث.
من خلال وضع الأنشطة العملية في مركز تجربة الزوار، تشير إثراء إلى أن التراث ليس فقط للمشاهدة: بل للتعلم والمزج وإعادة الاستخدام. يصبح المختبر موقعًا يتلاقى فيه الذكاء المادي والتصميم المعاصر، ومكانًا تصبح فيه بقايا النخيل موارد لأشكال وتقنيات جديدة.
أحد البيوت القديمة التي تستعمل أجزاء من شجرة النخيل في بنائها
من المتوقع أن يصبح معرض ”الباسقات: نخيل التمر عبر الحضارات“ معلمًا ثقافيًا. من خلال رفع عنصر أساسي من عناصر الهوية السعودية والعربية إلى المسرح العالمي، تواصل إثراء عملها الحيوي في تعزيز التبادل الثقافي وإبراز التراث الغني للمملكة للجمهور الدولي. المعرض مفتوح للجمهور ومن المتوقع أن يكون وجهة للعلماء والفنانين والسياح والعائلات على حد سواء، حيث يقدم منظورًا فريدًا لشجرة تتجاوز بكثير ثمارها الحلوة - فهي شاهد صامت على تاريخ البشرية نفسه.
إن قيام مؤسسة ثقافية كبرى بإجراء مثل هذا البحث المستمر حول نخيل التمر أمر مهم. فقد كانت هذه الشجرة تاريخياً عنصراً أساسياً لبقاء الإنسان في المناطق القاحلة — إذ توفر الغذاء، ومواد البناء، والظل، والسلع الاقتصادية — ولكنها اليوم تقع أيضاً في تقاطع عدة نقاشات ملحة: المواد المستدامة والاقتصادات الدائرية، وحماية التنوع الحيوي الزراعي، واستعادة اقتصادات الحرف اليدوية تحت ضغط التصنيع وتغير المناخ.
يدعو معرض ”الباسقات“ الزوار إلى التفكير في هذه التشابكات. من خلال تحويل نفايات النخيل إلى ألياف لصناعة الورق أو تجربة المواد الحيوية المستمدة من النخيل، يربط المعرض بين المعرفة الحرفية وأبحاث التصميم المعاصر وأهداف الاستدامة. وبهذه الطريقة، يصبح النخيل عدسة لمناقشة المرونة والابتكار والاستمرارية الثقافية.
النخلة الباسقة
لا يقتصر دور معرض ”الباسقات: نخلة التمر عبر الحضارات“ على الاحتفاء برمز، بل يعيد تموضع نخلة التمر باعتبارها تقنية حية تستحق الدراسة والاهتمام وإعادة التصور. من خلال تشريح شامل للشجرة، ومختبرات تشاركية، وشبكة من الفنانين والصناع، يربط المعرض بين الذاكرة والمادية، مذكراً الجمهور بأن الاستدامة والاستمرارية الثقافية غالباً ما تشتركان في نفس الجذور.
أريزونا: مغامرة في قلب الكانيونات والصحاري
التقاعد المبكر: كيف تخطط لترك الوظيفة والعيش بحرية مالية؟
سلوك السرقة عند الأطفال: ما هي دوافعه وكيف تعالجه؟
طفرة المدفوعات الرقمية: كيف تؤثر التقنية المصرفية على حياتنا المالية؟
صخرة جبل طارق: حيث تلتقي القارات والبحار
مقبرة الأمير وسر-إف-رع: نافذة على الأسرة الخامسة المصرية وإرثها الحضاري
ما يجب و لا يجب فعله عند السفر إلى العالم العربي
الكبة: أيقونة المطبخ السوري وكنز النكهات الشرقية
ناناكوسا جايو: طبق ياباني تقليدي
هندسة الذرة الرفيعة لتقليل استخدام الأسمدة: تحليل شامل










