لم يكن دور أوزبكستان كضيف شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب مجرد دعوة رسمية، بل كان بمثابة بيان ثقافي، وبادرة تواصل تاريخي، واحتفاءً بالتراث الفكري المشتر ك. فعلى مدار عشرة أيام، حوّل الوفد الأوزبكي جناحه إلى متحف حيّ لحضارة آسيا الوسطى، داعيًا الزوار لاستكشاف ثراء ثقافة صاغتها قرون من التبادل على طول طريق الحرير. استلهم تصميم الجناح من الزخارف المعمارية لسمرقند وبخارى، ببلاطه المتقن وأنماطه الهندسية وزخارفه الخطية التي أطرت المعروضات الأدبية والفنية. عُرضت مخطوطات نادرة، ونسخ طبق الأصل من رسائل من العصور الوسطى، ومنشورات معاصرة، إلى جانب أرشيفات رقمية تفاعلية، مما أتاح للضيوف تتبع تطور الفكر الأوزبكي من العصر الذهبي الإسلامي إلى يومنا هذا. تجاوز البرنامج حدود الجناح، وامتد إلى قاعات العروض، وقاعات المحاضرات، وزوايا الطهي، حيث قدمت الموسيقى والمسرح والأطباق التقليدية تجربةً تفاعليةً متعددة الحواس. تفاعل الفنانون والعلماء والطهاة الأوزبك مباشرةً مع الجمهور السعودي، متشاركين قصصًا وتقنيات وفلسفاتٍ أكدت عمق التواصل الثقافي بين المنطقتين. في وقتٍ تتزايد فيه أهمية الدبلوماسية الثقافية، كان حضور أوزبكستان في الرياض بمثابة تذكيرٍ بأن الكتب ليست مجرد أشياء، بل هي جسور، وأن التراث لا يُحفظ فحسب، بل يُعاش ويُشارك .
قراءة مقترحة
كان البرنامج الأدبي لأوزبكستان في المعرض بمثابة ورشة عملٍ متقدمة في الحوار بين الثقافات، مؤكدًا على دور الأدب في تشكيل الهوية، وتعزيز التعاطف، وربط الحضارات. جمعت الندوات والمحاضرات مؤرخين ومترجمين ومؤلفين لمناقشة التأثير الدائم لشخصيات مثل علي شير نافوي، وبابور، وابن سينا، الذين لا تزال أعمالهم تتردد أصداؤها عبر الحدود اللغوية والثقافية. ومن أبرز ما ميّز المعرض إطلاق ترجمات عربية جديدة لأعمال كلاسيكية أوزبكية، بما في ذلك الشعر الملحمي، والرسائل الفلسفية، والرواية الحديثة التي تعكس تعقيدات التحول في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي. وقد احتُفي بهذه الترجمات ليس فقط لقيمتها الأدبية، بل لقوتها الرمزية أيضًا - فقد فتحت نافذة على عالم بعيد جغرافيًا ولكنه قريب روحيًا وفكريًا. واستغل الناشرون والمؤسسات الأدبية الأوزبكية المعرض لإطلاق شراكات مع نظرائهم السعوديين، واستكشاف مشاريع النشر المشتركة، وتبادل الترجمات، والمختارات التعاونية. وتطرقت المناقشات إلى دور المكتبات والمحفوظات في حفظ النصوص المهددة بالانقراض، مع إيلاء اهتمام خاص لجهود الرقمنة التي تجعل المخطوطات النادرة في متناول الجمهور العالمي. كان أدب الأطفال أيضًا محورًا رئيسيًا، حيث تضمّن جلسات سرد قصصي مزجت بين التراث الشعبي والأمثال الأخلاقية والمواضيع البيئية، مُشركةً القراء الصغار باللغتين الأوزبكية والعربية. ومن خلال هذه المبادرات، قدّمت أوزبكستان الأدب ليس كتحفة فنية جامدة، بل كقوة ديناميكية - قوة تسافر وتتحول وتتجاوز الحدود. وفي سياق معرض الرياض للكتاب، أصبح الأدب لغة مشتركة تُعاد من خلالها قراءة التاريخ، ويتخيّل المستقبل، وتُبنى الصداقات.
في حين رسّخ الأدب حضور أوزبكستان، أضافت عروضها الفنية والموسيقية نسيجًا وإيقاعًا وعاطفة إلى التجربة. قدّمت فرق الموسيقى التقليدية عروضها يوميًا، ملأت أرض المعارض بأصوات الدوتار والطنبور والدويرة الرنانة - وهي آلات تحمل قرونًا من التراث الشفهي والعمق الروحي. لم تكن هذه العروض مجرد ترفيه، بل كانت طقوسًا ثقافية، تستحضر مناظر آسيا الوسطى وأساطيرها. وبرزت الفنون البصرية بالقدر نفسه، مع معارض للرسم المصغر وتصميم الخزف ونسج المنسوجات، التي أبرزت براعة الحرفيين الأوزبكيين الدقيقة. وخصصت مساحة للإيكات - وهي تقنية الصباغة المقاومة التي تُنتج أنماطًا نابضة بالحياة على الحرير والقطن - وتضمنت عروضًا حية وروايات تاريخية، مما أتاح للزوار مشاهدة تحول الخيوط إلى قصص. ومزجت عروض المسرح والرقص بين الفولكلور وتصميم الرقصات المعاصرة، مقدمةً تفسيرات للأساطير والأحداث التاريخية والحياة اليومية من خلال الحركة والإيماءات. أضافت فنون الطهي بُعدًا جديدًا من التفاعل، حيث أعدّ الطهاة أطباقًا شهيرة مثل بلوف وسامسا وشوربا، داعين الضيوف لتذوق نكهات أوزبكستان والتعرف على أهميتها الثقافية. عززت هذه اللقاءات متعددة الحواس فكرة أن الثقافة لا تقتصر على النص أو الصورة - بل هي تجسيد وأداء ومشاركة. كان البرنامج الفني لأوزبكستان في الرياض احتفالًا بالحيوية، وتذكيرًا بأن التقاليد ليست جامدة، بل تتجدد باستمرار من خلال التعبير الإبداعي. لم يقتصر استذكار روح سمرقند، بقبابها الزرقاء وإرثها الشعري، على ذلك، بل أُعيد تصورها وإحياؤها.
كانت مشاركة أوزبكستان كضيف شرف أيضًا عملاً استراتيجيًا في الدبلوماسية الثقافية، يعكس جهودها الأوسع للتفاعل مع العالم العربي وترسيخ مكانتها كمركز للحوار والابتكار والتراث. تزامن الحدث مع اهتمام متزايد بآسيا الوسطى بين دول الخليج، مدفوعًا بالشراكات الاقتصادية والمبادرات السياحية والروابط التاريخية المشتركة. أكدت الاجتماعات رفيعة المستوى بين المسؤولين الأوزبكيين والسعوديين خلال المعرض أهمية التبادل الثقافي في تعزيز العلاقات الثنائية. وُقِّعت مذكرات تفاهم بين دور النشر ووزارات الثقافة والمؤسسات الأكاديمية، ممهدةً الطريق لتعاون مستقبلي في التعليم وحفظ التراث والصناعات الإبداعية. وأكد الوفد الأوزبكي التزامه بتعزيز محو الأمية بين الثقافات، والوصول الرقمي إلى المخطوطات، وإشراك الشباب من خلال الأدب والفنون. وأصبح معرض الرياض للكتاب منصةً ليس للاحتفال فحسب، بل لبلورة الرؤية أيضًا - منصةً استطاعت فيها أوزبكستان التعبير عن طموحاتها الثقافية ودعوة الآخرين للمشاركة في روايتها المتنامية. ومع اختتام البرنامج، استمر أثره في الحوارات وتبادل الكتب وتكوين صداقات جديدة. لم يكن حضور أوزبكستان مجرد عرض عابر، بل مساهمة قيّمة في روح المعرض القائمة على الانفتاح والفضول والتبادل. في عالمٍ تتشكل فيه القوة الناعمة والتواصل الثقافي بشكل متزايد، أكد نجاح برنامج أوزبكستان في الرياض أن القصص والأغاني والمعرفة المشتركة لا تزال من أقوى الأدوات لبناء التفاهم ورسم ملامح المستقبل معًا. لم يكن لقب ضيف الشرف مجرد تقدير، بل مسؤولية، وقد أوفت أوزبكستان به برشاقة وعمق ورؤية ثاقبة.
المرايا والبشرية: تأملات، وإلهامات، وفنون الإبداع
إعادة النظر في تجربة الخطمي الشهيرة: الأطفال أكثر ميلاً لتأخير الإشباع إذا وعدهم أقرانهم بالانتظار أيضاً
الإسكندر الأكبر: الفاتح الذي أطاح بالإمبراطورية الفارسية ووضع أسس العالم الهلنستي
زبدة المكسرات: وصفات سهلة التحضير بالمنزل
استكشاف لوانغ برابانغ: وجهة الثقافة والهدوء في لاوس
بيكيس: وجهة مميزة في المجر لمحبي التاريخ والطبيعة
10 عادات فاخرة لا تكلف شيئاً ولكنها تعكس أناقة ورُقياً قويين
بحيرة لويز: قطعة من الجنة وسط جبال روكي الكندية
احتفالات عيد الفطر في العراق
هل تعمل عن بُعد؟ عليك أن تشعر بالخوف، بالكثير من الخوف: الحقيقة المرعبة عن العمل من المنزل










