تُعرف خزنة النمرود بأنها إحدى أهم خزائن التاريخ الآشوري، وقد لُقّبت بـ"خزنة النمرود" بسبب الكنوز والمقتنيات الفريدة التي اكتُشفت فيها، وأبرزها "كنوز النمرود" التي وُجدت في القبور الملكية خلال ثمانينات القرن العشرين. تضم هذه الكنوز حُليًا ذهبية، تيجانًا، وأساورًا دقيقة الصنع، تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وتُعتبر من أثمن الاكتشافات الأثرية في الشرق الأوسط.
عرض النقاط الرئيسية
أظهرت هذه الكنوز مدى تطور فنون الصياغة والنقش في الحضارة الآشورية، وقد نُقلت أغلب القطع إلى المتحف الوطني العراقي ببغداد. لكن للأسف، تعرضت بعض هذه القطع إلى النهب أو التدمير أثناء فترات الاضطراب السياسي. رغم ذلك، تبقى النمرود رمزًا للثراء الحضاري والفني الذي ميّز العراق القديم.
قراءة مقترحة
النمرود هو اسم يُطلق على شخصية مذكورة في الكتب السماوية والتقاليد الدينية، ويُعتقد أنه أحد ملوك الأرض الذين بلغوا من الطغيان ما جعل اسمه رمزًا للجبروت والتكبر. يُقال إنه حكم بلاد الرافدين، وكانت له سلطة عظيمة وادعى الألوهية، متحديًا أمر الله، ولهذا ارتبط اسمه في الروايات بالاستكبار والتمرد على الحق.
تختلف الروايات حول هويته التاريخية، فبعض الباحثين يربطونه بالملك الآشوري "نمرود بن كنعان"، فيما يرى آخرون أن لا علاقة مباشرة بين الشخصية الدينية ومدينة النمرود الأثرية، وإن كان الاسم متشابهاً. ومع ذلك، ظل اسم النمرود حيًا في الذاكرة الجمعية كرمز للملك الطاغي.
تحمل الروايات الدينية، خصوصًا في القرآن الكريم والتفاسير قصةً وحوارًا دار بين النبي إبراهيم عليه السلام وأحد الملوك الجبابرة في زمنه، قد ذكر ابن كثير في تفسيره أن هذا الملك المتكبر كان نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح الذي يلقب بالنمرود. فقد وقف هذا الملك الجبار متحديًا دعوة إبراهيم وزعم أنه قادر على أن "يُحيي ويميت". فجادله إبراهيم قائلًا: "فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب"، فبهت الذي كفر.
وتُروى أيضًا قصة تحدٍّ أخرى، حيث حاول النمرود قتل إبراهيم عليه السلام، فأمر بحرقه في نار عظيمة، لكن الله نجّى نبيه منها بمعجزة إلهية.
تأسست مدينة النمرود في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وبلغت ذروتها في القرن التاسع قبل الميلاد عندما جعلها الملك الآشوري آشور ناصربال الثاني عاصمة لإمبراطوريته. تقع المدينة على ضفاف نهر دجلة، جنوب شرق مدينة الموصل الحالية، وكانت تُعرف في العصور الآشورية باسم "كالخو" أو "كالح".
مثّلت النمرود مركزًا إداريًا ودينيًا وعسكريًا هامًا في الإمبراطورية الآشورية الحديثة، واحتضنت قصورًا ومعابد ومراكز تدريب عسكري. كما كانت المدينة شاهدًا على تطور فنون العمارة والنحت الآشوري، وقد خُلدت في نقوش جدارية تصور الملوك وهم يصطادون الأسود أو يقدّمون القرابين للآلهة.
تسهم النمرود في فهم أعمق لتاريخ بلاد ما بين النهرين، حيث تقدم نماذج من النظام السياسي، والديني، والحضاري في واحدة من أعظم الإمبراطوريات القديمة.
من المهم التمييز بين مدينة النمرود التاريخية، المعروفة أيضًا باسم "كالح"، التي كانت عاصمة آشورية عظيمة، وبين شخصية النمرود الأسطورية أو الدينية.
المدينة الأثرية بُنيت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وازدهرت في عهد الملك آشور ناصربال الثاني، ولا توجد أدلة أثرية مباشرة تربطها بالملك النمرود المذكور في الروايات الدينية. ومع ذلك، فإن تشابه الأسماء وسحر الأسطورة جعلا الكثير من الناس يربطون بينهما، مما أضفى على الموقع بعدًا روحانيًا وشعبيًا يتجاوز الأهمية التاريخية البحتة.
تزخر النمرود بآثار مدهشة تعكس عظمة الحضارة الآشورية، ومن أبرزها:
يُعد قصر آشور ناصربال الثاني من أبرز المعالم في مدينة النمرود، وقد شيّده الملك في القرن التاسع قبل الميلاد ليكون مركزًا للحكم ومظهرًا لعظمة الدولة الآشورية. بُني القصر من الطوب والمرمر، وزُيّنت جدرانه بنقوش بارزة مذهلة تُظهر مشاهد من الحياة الملكية، كالصيد، المعارك، والطقوس الدينية. تُظهر هذه النقوش مدى تطور فن النحت والدقة في التعبير الفني آنذاك. كما يحتوي القصر على قاعات ضخمة وأروقة فخمة، مما يعكس قوة الإمبراطورية الآشورية وهيبتها، ويُعد اليوم من أهم الشواهد الأثرية في حضارة بلاد ما بين النهرين.
الثيران المجنحة، أو اللاماسو، هي تماثيل حجرية ضخمة نُحتت بدقة متناهية، وتمثل مخلوقات أسطورية ذات رأس إنسان، وجسم ثور، وأجنحة نسر. وُضعت هذه التماثيل عند مداخل القصور والمعابد في النمرود، لتكون رموزًا للحماية والقوة والهيبة الملكية. جسّدت اللاماسو العقيدة الآشورية في وجود كائنات حارسة تجمع بين الذكاء (الوجه الإنساني)، القوة (جسم الثور)، والسرعة (أجنحة النسر). تُعد من أهم الإنجازات الفنية في الحضارة الآشورية، لما تحمله من رمزية دينية وفنية، ولا تزال صورها محفوظة في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني، حيث تُبهر الزوار بعظمتها ودقتها.
الزقورة في النمرود هي مبنى مدرّج ضخم يُشبه الهرم المدرج، يُعتقد أنه كان مخصصًا لعبادة الإله نينورتا، إله الحرب والزراعة لدى الآشوريين. كانت الزقورة تُستخدم كمعبد مرتفع يُقرّب المؤمنين من السماء، وتُقام فيها الطقوس الدينية والعرافات. صُممت الزقورات بطوابق متتالية تصل إلى قمة تمثل قدس الأقداس، وكانت تُبنى من الطوب اللبن وتُغطى بطبقة من القرميد أو الطين المحروق. لم تكن الزقورة مجرد معبد، بل كانت مركزًا روحيًا ومعماريًا يعكس تنظيم الآشوريين واهتمامهم بالعبادة والكون. تُعد الزقورة من أبرز سمات العمارة الدينية في حضارات ما بين النهرين.
القبر الملكي في النمرود يُعد من أعظم الاكتشافات الأثرية في العراق والعالم. عُثر عليه في ثمانينات القرن الماضي داخل مجمع القصر، واحتوى على قبور ملكية تعود لملكات آشور، مثل الملكة يابا. كان القبر مُزينًا بكنوز ذهبية ومجوهرات دقيقة، مثل التيجان والأساور والخواتم، تُظهر براعة الحرفيين الآشوريين. كما عثر على لقى جنائزية تكشف عن الطقوس المتبعة في دفن ملوكهم، بما في ذلك القرابين والأواني الطقسية. يُدلل هذا القبر على أهمية المرأة الملكية، ومكانة الموتى في العقيدة الآشورية. كنوز القبر معروضة اليوم في المتحف الوطني العراقي ككنز حضاري لا يُقدّر بثمن.
ورغم الدمار الذي طال المدينة خلال العقود الأخيرة، لا تزال النمرود تحتفظ بموقعها كواحدة من أبرز المدن الآشورية القديمة.
يُعد استكشاف آثار النمرود تجربة فريدة لمحبي التاريخ والآثار، حيث يمكن مشاهدة:
تُنظم أحيانًا جولات أثرية أو بعثات تنقيبية من قبل جامعات ومؤسسات عالمية بالتعاون مع الجهات العراقية، مما يعزز فرص إعادة ترميم الموقع وفتحه أمام السياح.
ظل النمرود عبر العصور رمزًا للطغيان والجبروت، واستُخدم اسمه في الأدب العربي والقصص الشعبية للدلالة على الحاكم المتغطرس المتحدي لله. ففي أمثال العرب وقصصهم، يُضرب به المثل عند الحديث عن الطغيان الذي لا يدوم، ويُقال "أطغى من النمرود".
وتتناقل القصص الشعبية في العراق وبلاد الشام روايات عن قصر النمرود وقوته، وبعضها يمزج الأسطورة بالتاريخ، مما يرسّخ صورته كشخصية ذات حضور قوي في الوعي الجمعي. ومع ذلك، فإن هذا الاستخدام الرمزي لا يعني بالضرورة تطابقًا مع النمرود التاريخي، بل يعكس تصورات الناس عن السلطة والعدالة الإلهية.
كانت النمرود مدينة متكاملة من حيث البنية الاجتماعية والاقتصادية. سكنها الملوك، النبلاء، الكهنة، والجنود، إلى جانب الحرفيين والعمال. امتازت المدينة بوجود:
كما كانت تُقام احتفالات دينية ومهرجانات موسمية يُشارك فيها عامة الشعب، مما يعكس حياة اجتماعية نشطة ومزدهرة في النمرود القديمة.
ذُكرت النمرود في عدد من المصادر التاريخية القديمة، ومنها نقوش الملوك الآشوريين الذين مدحوا إنجازاتهم العمرانية والعسكرية فيها. كما ورد ذكرها في كتابات المؤرخين اليونانيين والكتاب العرب في العصور الإسلامية الأولى.
في الأدب الشعبي العراقي، تُروى قصص عن النمرود كرمز للسلطة والعظمة، بينما تُستخدم كلمة "نمرود" أحيانًا في الثقافة العامة للإشارة إلى القوة أو الطغيان، مستوحاة من شخصية "الملك نمرود" في بعض الروايات الدينية والأسطورية، رغم الاختلاف بين هذه الشخصية ومدينة النمرود التاريخية.
إذا كنت تخطط لزيارة النمرود، إليك بعض النصائح التي ستجعل تجربتك أكثر سلاسة:
الإسكندرية: عروس البحر الأبيض المتوسط
المؤشر النهائي للوفاة المبكرة
أسرار لا تعرفها عن هرم دهشور الأحمر
التأثيرات التحويلية للقراءة على الدماغ: منظور تاريخي وعلمي
أسطورة الضحّاك ملك الأفاعي
هل أدى تناول اللحوم إلى زيادة حجم أدمغة البشر؟ دراسة جديدة تكشف متى بدأ أسلافنا بتناولها
الثمن الهائل الذي تدفعه عندما تعيش في بلد ليس بلدك
استكشف معالم لوغانو: لؤلؤة البحيرات السويسرية
شراء سيارة مستعملة: خطوات ذكية لتجنب المفاجآت المكلفة
قرطاج: مدينة قديمة في تونس، تضم مواقع تاريخية فينيقية ورومانية وعربية.