هل تسبب جيل واحد في تدمير الموسيقى الحديثة بالنسبة للجميع؟

ADVERTISEMENT

إنها عبارة مألوفة: ”لم يعودوا ينتجون الموسيقى كما في السابق“. هذا الشعور، الذي غالبًا ما يُستبعد باعتباره مجرد حنين إلى الماضي، تبلور في السنوات الأخيرة ليصبح اتهامًا واضحًا ومحددًا وقويًا. يوجّه عدد متزايد من النقاد، والناس العاديين، أصابع الاتهام مباشرة إلى فئة عمريّة معينة، بحجة أن جيلًا واحدًا - يُعرف عادةً باسم جيل طفرة المواليد - قد ”دمر“ فعليًا الموسيقى الحديثة لكل من جاء بعده.

ولكن هل هذا الاتهام الشامل عادل؟ أم أنه تبسيط يحجب حقيقة أكثر تعقيدًا تتمثل في الاضطراب التكنولوجي والتحولات الاقتصادية والتغيير الثقافي الدوري؟ في هذه المقالة نسعى إلى الإجابة عن هذا السؤال، ولذلك في البداية نورد الحجج الأساسية.

حجج الادعاء - كيف دمر جيل طفرة المواليد النظام كلّه:

الاتهام الموجه إلى جيل طفرة المواليد (المولودين بعيد الحرب العالمية الثانية، بين عامي 1946 و1964 تقريبًا) ليس أنهم توقفوا عن إنتاج موسيقى جيدة، بل أن الأنظمة التي بنوها والهيمنة الثقافية التي مارسوها خلقت بيئة أصبح فيها الابتكار الموسيقي واستدامة الفنانين أمرًا صعبًا للغاية. والاتهامات هي كما يلي:

ADVERTISEMENT

1. توحيد الإذاعات وموت المشهد المحلي:

في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، سمحت قوانين الاتصالات - التي تم تمريرها في العديد من البلدان - بتوحيد ملكية محطات الإذاعة على نطاق واسع. وكان النتيجة توحيد قوائم الأغاني. فحيث كانت المحطات المحلية في السابق تدعم الأصوات الإقليمية والأنواع الموسيقية المتنوعة، أصبحت قوائم الأغاني المبرمجة بدقة والتي تهيمن عليها حفنة من الشركات الكبرى هي القاعدة. وقد أدى ذلك إلى خنق التطور الطبيعي للمشهد المحلي وجعل من الصعب بشكل كبير على الفنانين الجدد غير التقليديين العثور على جمهور واسع.

الصورة بواسطة Ser Amantio di Nicolao على wikimedia

الموسيقى الجيدة موجودة

2. إعطاء الأولوية للألبومات القديمة على الفنانين الجدد:

أصبح جيل الطفرة السكانية، بفضل قوته الشرائية الهائلة، قوة سوقية كانت صناعة الموسيقى سعيدة للغاية بخدمتها. أدى ذلك إلى تحول الصناعة بأكملها نحو تحقيق الأرباح من الحنين إلى الماضي. وجدت شركات التسجيلات أنه من الأكثر ربحية إعادة إصدار الكلاسيكيات المعاد تصميمها، والمجموعات، والإصدارات السنوية بدلاً من الاستثمار في التطوير طويل الأمد لفنانين جدد محفوفين بالمخاطر. أدى ذلك إلى تحويل الموارد بعيدًا عن الفنانين، وتوجيهها نحو تسويق ما هو مألوف، ما خلق حاجزًا كبيرًا أمام دخول الأجيال الجديدة.

ADVERTISEMENT

3. إنشاء معيار ”الموسيقى الموجهة للألبومات“:

من خلال الإذاعات وقنوات التلفزة الكلاسيكية، قام جيل الطفرة السكانية بتنظيم معيار موسيقي صارم وضيق بشكل مدهش. هذا المعيار، على الرغم من أنه يضم عظماء لا يمكن إنكارهم، غالبًا ما كان يهمش الأنواع الجديدة من الموسيقى لصالح موسيقى توصف بأنها ”مهمة“. وقد فرض هذا معيارًا جماليًا محددًا، حدده جيل الطفرة السكانية، كمعيار للموسيقى ”الحقيقية“، وغالبًا ما يتم قياس الأنواع الموسيقية الأحدث على أساسه بشكل غير عادل ويتم اعتبارها ناقصة. وحتى برامج المواهب، المرتبطة بشركات الإنتاج، تقوم بفلترة كل ما هو جديد.

4. أزمة التحول الرقمي والفشل في التكيف:

عندما ضربت موجة التسونامي الرقمية ومشاركة الملفات، استجابت صناعة التسجيلات التي يقودها جيل الطفرة السكانية بالدعاوى القضائية والمقاومة بدلاً من الابتكار. أدى محاولتهم حماية نموذج المبيعات المادية المحتضر، بدلاً من تبني نموذج رقمي جديد، إلى تنفير جيل كامل من المستمعين وخلق فراغًا ملأته لاحقًا شركات التكنولوجيا، وليس شركات الموسيقى. أدى هذا الفشل في التكيف مباشرة إلى انخفاض قيمة الموسيقى المسجلة، وهي مشكلة لا يزال الفنانون يعانون منها حتى اليوم.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Tumisu على pixabay

الثورة التكنولوجية سهّلت الوصول إلى الموسيقى في كل مكان

حجة الدفاع - الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك:

على الرغم من أن الحجج المذكورة أعلاه لها وجاهتها، فإن إلقاء اللوم على جيل واحد هو تبسيط مفرط للتاريخ. فقد لعبت قوى أوسع نطاقًا وغير شخصية دورًا حاسمًا.

1. التكنولوجيا كانت العامل الحقيقي المُحدث للتغيير:

كان التحول من المادي إلى الرقمي تحولًا جذريًا يماثل اختراع المطبعة. لم يكن ذلك تفضيلًا جيليًا، بل حتمية تكنولوجية. أدى ظهور البث المباشر والخوارزميات الجديدة إلى تغيير جذري في طريقة استهلاك الموسيقى، حيث أصبح الوصول إليها واكتشافها أكثر أهمية من الانخراط العميق في ألبومات الموسيقى كما كان الحال في الماضي. هذا تحول عالمي، وليس مؤامرة بين الأجيال.

2. الضغوط الاقتصادية سبقت البث المباشر:

ADVERTISEMENT

إن توحيد وسائل الإعلام والتركيز على الأفلام الرائجة هي سمات المرحلة المتأخرة من الرأسمالية، وليست سمة خاصة بجيل معين. شهدت كل الصناعات، من السينما إلى النشر، اتجاهات مماثلة نحو تجنب المخاطر والتكتل.

الصورة بواسطة photos71 على freeimages

تفتح المهرجانات الباب أمام الموسيقيين الشباب

3. كل جيل ينتقد موسيقى الجيل التالي:

نفس الانتقادات الموجهة إلى الموسيقى الحديثة كانت موجهة في السابق إلى موسيقى قبلها من قبل ”أعظم جيل“،اعتبرها تشويهًا مبتذلًا وبسيطًا للموسيقى التقليدية. ”دورة الشكوى الثقافية“ هذه هي ثابت شبه عالمي. موسيقى الشباب مصممة لتبدو مزعجة وحصرية بالنسبة للمؤسسة التي سبقتها .

4. استعادة القوة:

من المفارقات أن التكنولوجيا نفسها التي قوضت النظام القديم قد مكنت الفنانين الجدد. لقد قضى الإنترنت على حراس بوابة الراديو وشركات التسجيل الكبرى الذين يسيطر عليهم جيل الطفرة السكانية. اليوم، يمكن لمراهق في غرفته أن ينتج أغنية، ويوزعها عالميًا، بدون الحاجة إلى طلب إذن من مسؤول إعلامي تقليدي. فنانو جيل زد وجيل ألفا ليسوا ضحايا النظام؛ بل إنهم يبنون أنظمة جديدة بنشاط.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Wes Hicks على unsplash

يمكن اليوم تسجيل الأغاني وتوزيعها في استديوهات منزلية بسيطة

الحكم - غير مذنب بالدمار، مذنب بالتشبث بالعرش:

إذن، هل دمر جيل واحد الموسيقى الحديثة؟ الحكم مختلط.

من المحتمل أنهم غير مذنبين بـ ”الدمار“. الموسيقى الحديثة لم تدمر؛ إنها مختلفة جذريًا وأكثر تنوعًا وأكثر سهولة من أي وقت مضى. قد تكون الأصوات مختلفة، وقد تكون نماذج الأعمال صعبة، ولكن وصف هذا المشهد بـ”المدمر“ هو تجاهل للموسيقى النابضة بالحياة والعالمية والمبتكرة التي يتم إنتاجها خارج دائرة الضوء السائدة.

ومع ذلك، يمكن اعتبار جيل طفرة المواليد مذنباً بالتشبث بالهيمنة الثقافية والاقتصادية بعد فترة طويلة من انتهاء عصرهم. الجريمة ليست في الموسيقى التي أنتجوها، والتي كانت ثورية في كثير من الأحيان، ولكن في الأنظمة التي بنوها والتي أعطت الأولوية لحنينهم إلى الماضي على حساب التربة الخصبة اللازمة للثورات المستقبلية.

ADVERTISEMENT

إذن، الصراع الحقيقي ليس بين الموسيقى الجيدة والموسيقى السيئة، بل بين جيل عرّف هويته من خلال ثقافة موسيقية محددة ومتجانسة، وأجيال جديدة تعرّف هويتها من خلال المرونة والاستكشاف والطيف العالمي. لم يتم تدمير الموسيقى؛ بل تم كسر الاحتكار. ومن بين الشظايا، يتم بناء شيء جديد وفوضوي ومتطور بلا حدود من قبل الجميع.

أكثر المقالات

toTop